قبل ساعات من فصل “زيت” الأخبار المسرّبة عن “مياه” الوقائع التي عكستها المشاورات العابرة لخطوط التماسّ، والتي قادها الموفد الأميركي آموس هوكستين، يبيّن تقاطع المعطيات بين بيروت وواشنطن أنّ هذه المحاولة، وقد تكون الأخيرة لإدارة جو بايدن، أكثر من جدّية. وذلك في ضوء ما ينقله الأميركيون عن “قبول” إسرائيلي بمسوّدة الاتفاق المنجزة، ودخول باريس على خطّ التواصل مع طهران لتليين موقفها وكلام المصادر اللبنانية الرسمية عن ليونة في الموقف، ولو أنّها لا تسقط من اعتباراتها احتمال لجوء إسرائيل إلى المناورة من جديد.
وفق لبنانيين التقوا مسؤولين أميركيين، التشاور بين الإدارتين، الحالية والمُقبلة، لا يرتقي إلى مرتبة التنسيق، وإنّما هو مجرّد إطلاع على العناوين العريضة. لكنّ الأكيد، كما يُنقل عن مسؤولين أميركيين، هو أنّ إدارة بايدن مصمّمة على إنجاز الاتفاق بين لبنان وإسرائيل في أسرع وقت ممكن، وقد صارت ملامح هذا الاتفاق واضحة تقريباً، لا تنقصه إلّا بعض اللمسات الأخيرة التي تتمّ مناقشتها بين الدولتين بوساطة أميركية.
الإدارة الأميركية تكاد تجزم أنّ الحكومة الإسرائيلية باتت مقتنعة بالاتفاق المعروض عليها
يشير هؤلاء إلى أنّ الإدارة الأميركية تكاد تجزم أنّ الحكومة الإسرائيلية باتت مقتنعة بالاتفاق المعروض عليها، وأبدت موافقتها، لا سيما أنّ صياغته جرت بالتشاور مع إسرائيل، فيما الوقائع الميدانية تساعدها على السير بالاتفاق ما دام يستجيب لمطالبها.
هوكستين مرتاح
ثمّة نقاط لا تزال عالقة، وهي تخضع للنقاش والتشاور، لا سيما بين واشنطن وبيروت. غير أنّ الموفد الأميركي آموس هوكستين، كما يقول اللبنانيون الذين التقوه في الساعات الأخيرة، يرى أنّها قابلة للمعالجة وليست عقداً عصيّة على الحلّ. ولهذا يبدي ارتياحه لسير الأمور خصوصاً وأنّه “استسهل” معالجة الملاحظات التي سجّلها الجانب اللبناني.
وفق القراءة الأميركية للتطوّرات، فإنّ ترسانة الحزب تراجعت كثيراً، وانحسرت قدراته العسكرية بشكل يسمح بعقد الاتفاق، خصوصاً أنّ إسرائيل مستعدّة لاستكمال حربها العسكرية في حال تمّ تقويض هذه المحاولة، حتى لو اضطرّت الحكومة الإسرائيلية إلى أن تدفع قوّاتها نحو نهر الليطاني، كما يُنقل عن مسؤولين أميركيين.
هذا مع العلم أنّ التوسّع في التوغّل البرّيّ لا يهدف إلى الاحتلال أو البقاء في الجنوب اللبناني، بل إنّ الهدف منه فرض وقائع ميدانية جديدة تحسم المسار الدبلوماسي، من خلال إنهاء ترسانة الحزب الثقيلة وإبعاده إلى شمال الليطاني بالقوّة العسكرية، عبر عمليات تنفّذ جوّاً وبحراً وبرّاً، فيما تلقى الخطة دعم وقبول الإدارتين، الحالية والمقبلة.
ثمّة نقاط لا تزال عالقة، وهي تخضع للنقاش والتشاور، لا سيما بين واشنطن وبيروت
الجوّ الأميركيّ متشدّد
ينقل لبنانيون عن مسؤولين أميركيين أنّ الجوّ في واشنطن متشدّد كثيراً، ولو أنّ إدارة بادين تعتقد أنّ إبرام الاتفاق في هذه اللحظة بات ممكناً، خصوصاً أنّ إيران اقتنعت بضرورة تقديم تنازلات في الملفّ اللبناني، وإسرائيل غير مستعدّة للعودة إلى الخلف ومصرّة على خوض المعركة حتى تحقيق أهدافها.
أمّا أهداف الحرب، وبالتالي أهداف الاتفاق المطلوب أميركياً إنجازه، فهي:
– تعطيل ترسانة الحزب، بأسلحتها الثقيلة في كلّ لبنان وليس فقط جنوب الليطاني.
– السيطرة على المعابر البرّية لقطع خطوط الإمداد. وهنا، يكمن دور الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة لتنفيذ الاتفاق ومراقبة المعابر، كما يقول مسؤولون أميركيون. ويفترض أن تقود هذه العملية لجنة دولية يريدها الأميركيون برئاسة ضابط أميركي كبير، وقد ينضمّ إليه ضابط فرنسي. هذا مع العلم أنّ كلا الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، يقبلان بالإشراف الأميركي.
وفق القراءة الأميركية للتطوّرات، فإنّ ترسانة الحزب تراجعت كثيراً، وانحسرت قدراته العسكرية بشكل يسمح بعقد الاتفاق
يضيف المسؤولون الأميركيون أنّ هذا الإشراف سيكون طويل الأمد. لهذا يأخذ النقاش حول طبيعة اللجنة التي ستتولّاه مدىً واسعاً بين اللبنانيين والأميركيين نظراً لإصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على تفعيل “لجنة الناقورة” (القائمة منذ 2006) وتوسيع إطارها. وفي هذا السياق، يُشار إلى أنّ المسؤولين الأميركيين يعلنون ثقتهم بقدرة الجيش على القيام بالمهمّة التي ستوكل إليه، خلافاً لرأيهم السلبي بدور القوات الدولية “اليونيفيل” وفاعليّته.
حرّية إسرائيل في “التّدخّل”
يكشف اللبنانيون الذين التقوا مسؤولين أميركيين أنّ البحث الحقيقي في الأمتار الأخيرة من المفاوضات يتناول الضمانات التي ستحول دون تكرار تجربة اتفاق 2006، بمعنى تفريغه من مضمونه بعد بدء سريان تنفيذه. ينقلون عن الأميركيين تأكيدهم أنّ ثمة شرطين لضمان التنفيذ:
1- ترك حرّية التدخّل للإسرائيليين، وهو شرط قد لا يتراجعون عنه.
2- العقوبات الأميركية لتكون سيفاً مصلتاً فوق رقبة السلطة اللبنانية، على الرغم من أنّ المعلومات المنقولة من واشنطن تفيد أنّه فور بدء سريان وقف إطلاق النار سيُصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تعلن فوراً التزامها بتنفيذ الاتفاق.
جديد الوقائع الدبلوماسية
في جديد الوقائع، نقاش معمّق خاضه هوكستين أمس مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكنه لا يزال غير كافياً. تؤكد مصادر دبلوماسية غربية، أنّ ثمة نقطة تقنية كانت لا تزال عالقة بين الجانبين اللبناني والإٍسرائيلي، حيث تمحور “النقاش الليلي” حول كيفية الوصول إلى صيغة يقبل بها الإسرائيلي، ولو أنّها تؤكد أنّ التقاطع بين الجانبين حاصل على الإطار العام.
إقرأ أيضاً: خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة
تؤكد المصادر أنّ إشراك باريس بحلقة اللقاءات التي أجراها هوكستين في بيروت أمس، من خلال اجتماعه مع السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، دليل على التنسيق الفرنسي- الأميركي في هذا الملف نظراً للدور الي لعبته باريس في تفعيل قنوات الاتصال مع طهران. هذا مع العلم أنّ مسودة الاتفاق المعروض للنقاش، هي نتاج هذا التنسيق، وتراكم للنقاشات المشتركة بين الجهتين، وقد بنيت على أرضية المسودة الفرنسية.
في المقابل تنفي المصادر أن تكون باريس بصدد التحضير لأي “احتفالية” لإعلان وقف إطلاق النار، مع العلم أنّ هوكستين أبلغ من التقاهم أنّه سيتولى الإعلان عن الإتفاق من قلب العاصمة الفرنسية.
لمتابعة الكاتب على X: