الفوز الكبير الذي حقّقه دونالد ترامب والحزب الجمهوري في انتخابات مجلسَي النواب والشيوخ، زاد من قناعة الرئيس المنتخب بأنّ الشعب الأميركي منحه تفويضاً لقيادة البلاد وتحقيق وعوده الانتخابية، وهو ما سيوسّع الصدام مع الأقلّية الديمقراطية في وقت مبكر من حكم الإدارة الجديدة، ويشكّل تحدّياً للنظام الأميركي المبنيّ على قاعدة الضوابط والتوازنات.
صُمّم النظام الأميركي على أساس الضوابط والتوازنات check and balance لمنع أيّ فرع من فروع الحكومة، التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، من السيطرة على القرار في البلاد بشكل قاطع. ومع ذلك، عندما يُمسك (يسيطر الحزب السياسي نفسه) حزبٌ واحدٌ الرئاسة ومجلسَيْ الكونغرس، فقد تنشأ تحدّيات لهذا النظام.
من المخاوف على الديمقراطية أن يلجأ الكونغرس إلى منح الرئيس الجديد سلطة واسعة في مجالات مثل الأمن القومي أو التجارة أو سلطات الطوارئ، وهو ما يؤدّي إلى تآكل حدّ الفصل بين السلطات. كما يمكن أن يؤدّي ذلك إلى إجراءات تنفيذية غير منضبطة تتجاوز العملية التشريعية.
سيكون الامتحان الأوّل في إجراءات تثبيت تعيينات الرئيس لمناصب عليا في حكومته، لمعرفة ما إذا كان الجمهوريون سينصاعون لرغبات ترامب ويجعلون من إجراءات التثبيت في مجلس الشيوخ أمراً صوريّاً. توحي ترشيحات ترامب للمناصب العليا بأنّه مطمئنّ إلى أنّ الجمهوريين سيكونون إلى جانبه ومستعدّون للوقوف في وجه أيّ معارضة.
لكنّ ترشيح ترامب لوزير العدل غايتز مات قد يتسبّب بأزمة، خصوصاً إذا فضّل بعض الجمهوريين التمايز في مجلس الشيوخ ومعارضة تثبيته بسبب اتّهامات وُجّهت إليه تتعلّق بفضيحة جنسية كانت لجنة الأخلاقيات في مجلس النواب أجرت تحقيقات حولها، لكنّها لم تصدر تقريرها لأنّ غايتز تقدّم باستقالته من المجلس على الرغم من احتفاظه بمقعده في الانتخابات.
توحي ترشيحات ترامب للمناصب العليا بأنّه مطمئنّ إلى أنّ الجمهوريين سيكونون إلى جانبه ومستعدّون للوقوف في وجه أيّ معارضة
ستكون الأنظار في هذه الفترة متّجهة إلى زعيم الأغلبية الجمهورية جون ثون الذي كانت له مواقف غير متطابقة مع ترامب ولم يكن مرشّحه لتزعّم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، لكنّ ثون عاد وأعلن دعمه لأجندة ترامب بعد انتخابه.
هيمنة الحزب الواحد يمكن أن تسبّب تقلّبات سياسية نتيجة إهمال وجهات نظر الأقلّية أو المعارضة وتؤدّي إلى اصطفافات تزيد من نقمة الديمقراطيين بعد هزيمتهم. وللحفاظ على الأقلّية، وفي هذه المرحلة، أقلّية الحزب الديمقراطي، قد تلجأ المعارضة في مجلس الشيوخ إلى المماطلة Filibuster لتجميد قوانين لا ترضى عنها.
“فيليباستر” أو المماطلة هي تكتيك إجرائي يُستخدم في الولايات المتحدة يؤخّر بموجبه مجلس الشيوخ أو يمنع الإجراء التشريعي عن طريق تمديد المناقشة أو منع التصويت على مشروع القانون. هذه الممارسة فريدة من نوعها لمجلس الشيوخ لأنّ قواعده تسمح بإجراء نقاش غير محدود ما لم تصوّت أغلبية ساحقة أو ما يعرف بـCloture (حاليّاً 60 من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ) لإنهائه من خلال عملية “الإغلاق”. وهذا لم يحصل عليه الجمهوريون في الانتخابات الأخيرة.
يمكن للمماطلة منع التصويت على التشريع الذي تعارضه الأقلّية بشدّة، وهو ما يكسبها الوقت للتفاوض أو التعبئة العامّة أو الاستراتيجية السياسية.
أمّا على صعيد السلطة التنفيذية، فإنّ الرئيس الأميركي عادة ما يتمتّع بصلاحيّات واسعة، لكن من المؤكّد أنّ ترامب سيسعى إلى توسيع هذه الصلاحيّات في ظلّ سيطرة حزبه على السلطة التشريعية في مجلسَيها: النواب والشيوخ.
إقرأ أيضاً: قبضة ترامب على المؤسّسات… هل تدفع الديمقراطيّين إلى الشّارع؟
إذا ما التزم الجمهوريون في مجلسَيْ النواب والشيوخ بدعم كلّ قرارات ترامب، فقد يخفّف ذلك من الدور الرقابي الذي يلعبه الكونغرس الأميركي ويقلّل من فعّاليّته. عندها يبرز دور الصحافة الحرّة في أن تلعب دورها التقليدي بمراقبة عمل الحكومة والحفاظ على التعدّدية وإحياء الجدل في الحياة السياسية. ومن المعروف أنّ الحبّ مفقود بين ترامب والصحافة بعدما دعا أثناء الحملة الانتخابية إلى محاكمة الإعلام الليبرالي واتّهمه بفبركة الأخبار والترويج للمعلومات الكاذبة.
لمتابعة الكاتب على X: