إيلي صعب.. إيلون ماسك والمرشد

مدة القراءة 5 د

كان يمكن لمحاولات إيران التهدئة مع الولايات المتحدة، عبر تقارير عن مفاوضات بين سفيرها في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني ‏والملياردير الأميركي إيلون ماسك (نفتها إيران)، أو عبر تصريحات المسؤولين التسوويّة في طهران، أن تكون موضع ترحيب كلّ العقلاء، لولا أنّها تأتي في وقت يعيش فيه لبنان فصلاً آخر من فصول الموت، التهجير، والدمار نتيجة حرب ليست حرب أبنائه بل واحدة تُشنّ نيابة عن إيران.

 

بينما تسوّق إيران نفسها كقائدة للمقاومة ومحورها، وتورِّط لبنان في الحرب الراهنة مع إسرائيل، يتّضح أنّ هذه الحرب ليست لحماية لبنان أو شعبه، بل خطوة محسوبة من إيران لإظهار قوّتها الإقليمية وتشتيت الانتباه عن نقاط ضعفها الداخلية، وتجنّب خوض معارك على أراضيها. تستمرّ هذه الحرب كرافد للتفاوض الإيراني – الأميركي المنتظر مع وصول إدارة أميركية جديدة. فإيران ليست أكثر من دولة تستثمر في تدمير دول أخرى لتجنّب دفع ثمن طموحاتها، ولبنان مجرّد إحدى أكبر أدواتها.

تعلم إيران أنّها أضعف ممّا كانت عليه خلال ولاية دونالد ترامب الأولى، لا سيما بعد الضربات التي تعرّض لها وكلاؤها مثل حماس والحزب، والهجمات الإسرائيلية غير المسبوقة في قلب طهران. وتدرك أنّ شهوات واشنطن الجديدة لا حدود لها لإعادة فرض عقوبات “الضغط الأقصى”، وربّما التساهل مع إسرائيل لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، والسعي إلى إبرام صفقات إقليمية مثل تطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية. وبالتالي هي معنيّة، عبر حروب غزة ولبنان واليمن، وربّما سوريا والعراق، بإظهار أنّها لا تزال تمتلك القدرة على الردّ، وتوسعة التصعيد وإدخال الجميع في صراعات أوسع.

أهدتنا المملكة لحظة تألّق يحتاج إليها كلّ لبناني ومحبّ للبنان، ومحطّة تذكير بما يمكن أن يكون عليه لبنان بعيداً عن المستنقع السياسي

على حساب المواطن اللّبنانيّ والفلسطينيّ

بكثير من البساطة يمكن القول إنّ إيران، تموّل تحرّكاتها الجيوسياسية، على حساب المواطن اللبناني والفلسطيني الآن، من دون أن تضحّي هي من أجل لبنان أو غزة بشيء يهدّد مصالحها المباشرة. وإلّا فكيف نفسّر، في ما يعنينا، أنّه بينما ينزف لبنان، تنخرط إيران بنشاط في الدبلوماسية مع الولايات المتحدة؟

إذ تصف طهران الاجتماع الأخير المزعوم بين إيلون ماسك وسفير إيران لدى الأمم المتحدة، بأنّه “إيجابي” و”خبر جيّد”، وهنا يجدر السؤال: خبر جيّد لمن؟ بالتأكيد ليس للشعب اللبناني الذي يُقصف ويُهجّر، كي تتمكّن إيران من توظيف هذه الانفراجات الدبلوماسية للتفاوض على مصالحها الخاصّة بينما تترك أدواتها تتحمّل عواقب حروبها بالوكالة.

إيران

لنتخيّل موقف نازحة لبنانية من الجنوب أو البقاع أو الضاحية وهي تقرأ خبر اللقاء بين ماسك وسفير خامنئي في نيويورك، أو تستمع إلى التصريحات “العاقلة” للمسؤولين الإيرانيين عن حبّ الشعب الأميركي والرغبة في السلام والازدهار! لنتخيّل البؤس الذي يعيشه الإنسان اللبناني، الشيعي خاصة، جرّاء تحويل لبنان إلى ساحة معركة غير متكافئة يراد لها فقط خدمة طموحات إيران أو حلّ مشاكلها.

تستحقّ هذه المرأة وغيرها من “أبأس الناس” أن يقال كفى لدفع ثمن حروب إيران.

لبنان يحترق وإيران تبحث عن تسوية

لماذا على لبنان أن يحترق بينما تسعى إيران إلى التهدئة والتسويات مع خصومها؟ لماذا تفاوض طهران خلف الأبواب المغلقة مع الولايات المتحدة لتأمين بقائها ومصالحها، بينما يدفع لبنان وحده ثمن حروبها بالوكالة؟ ألم يحن الوقت لنسأل: هل تخدم أفعال الحزب مصلحة لبنان حقّاً؟ أم تستغلّ البلد كساحة معركة لطموحات إيران؟

 تسوّق إيران نفسها كقائدة للمقاومة ومحورها، وتورِّط لبنان في الحرب الراهنة مع إسرائيل

هل يجوز أن لا توفّر إيران أمراً لخدمة أولويّاتها في حين ينهار اقتصاد لبنان، وتُدمّر بنيته التحتية، ويتحمّل شعبه عبء العزلة والدمار نيابة عن الآخرين؟ ألا يجدر بقاعدة الحزب أن تسأل إلى متى سيُضحّى بلبنان تحت شعار “المقاومة”؟ وإذا كانت استراتيجية إيران الآن تتضمّن الحوار، فلماذا لا يتبنّى لبنان نفسه الحوار مع أيٍّ كان بما يضمن سيادته وبقاءه؟

عرض “ألف موسم وموسم”

من مفارقات الأيام الماضية أنّه بينما يحترق لبنان تحت وطأة الحروب والدمار الذي تغذّيه إيران، أعادت لنا الرياض مشكورة صورة مشرقة لما ينبغي ويستطيع أن يكون عليه لبنان، من خلال احتفالية مبهرة بالمصمّم اللبناني إيلي صعب وبمرور 45 عاماً على مسيرته في عالم الأزياء.

عرض “ألف موسم وموسم لإيلي صعب” عبر 300 قطعة مذهلة مستوحاة من حكايات “ألف ليلة وليلة”، إلى جانب عروض موسيقية عالمية شاركت فيها جنيفر لوبيز، وسيلين ديون، ونانسي عجرم وعمرو دياب وغيرهم، هي المقاومة الحقيقية التي جسّدها تألّق أحد رموز لبنان الإبداعي والثقافي. لبنان في السعودية منارة للإبداع والتقدّم، في مقابل لبنان الإيراني الذي ليس أكثر من أداة في أجندة قوى خارجية مدمّرة.

إقرأ أيضاً: الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

أهدتنا المملكة لحظة تألّق يحتاج إليها كلّ لبناني ومحبّ للبنان، ومحطّة تذكير بما يمكن أن يكون عليه لبنان بعيداً عن المستنقع السياسي والعسكري للمقاومة ومحورها وكوارثها، ومن يدّعون الدفاع عنه.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@NadimKoteich

 

مواضيع ذات صلة

2024: زلزال دمشق وصحوة الإسلام السّنّيّ

شهد عام 2024، في قلب وعقل الإسلام العربي السنّي، صحوة على القضيّة الفلسطينية قادتها حماس و”الحزب”، وأفادت منها إيران، لكنّها خلّفت إحباطاً كبيراً بعد شهورها…

فلسطين: نكسة 2024.. 2025 القضية مستمرّة..

ساد قولٌ لا أساس له من الصحّة، مفاده أنّ عملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية، بعدما لفظت أنفاسها وأصبحت نسياً منسيّاً. ازدهر هذا القول حين…

“الزّلزال الشّيعيّ”: الفالق في طهران والدمار في لبنان

“طوفان الأقصى”، في غزة، يحرّر سوريا من إيران، في 11 يوماً فقط، وبطريقة صادمة ومؤلمة لمحور المقاومة، وللهلال الشيعي خاصة. فكانت ضربتان قاصمتان: الأولى، سقوط…

واشنطن براغماتيّة وليس الجولاني

حين يتسلّم الرئيس ترامب سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني لن يكون أمام إدارته اتّخاذ قرار بالتواصل مع هيئة تحرير الشام لأنّ الإدارة الحالية سارعت…