بعدما كان من بين الشخصيات الرئيسية في المؤتمر السنوي لـ”مبادرة مستقبل الاستثمار” في نسخته الثامنة الذي عقد في الرياض في 29 تشرين الأول الفائت، ظهر اسم لاري فينك من شركة بلاك روك بعد بضعة أيّام من المؤتمر على وسائل التواصل الاجتماعي في منشور للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبو ظبي الذي تبلغ ثروته 1.5 تريليون دولار.
وفقاً لوكالة أنباء “بلومبرغ” الدولية للأخبار المالية ومقرّها في نيويورك في الولايات المتحدة “حصلت شركة إدارة الأصول التي يديرها فينك والتي تبلغ قيمتها 11.5 تريليون دولار أخيراً على الموافقة على إنشاء مقرّها الإقليمي في الرياض. كما تتعاون مع العائلة المالكة في أبو ظبي في واحدة من أكبر المبادرات حتى الآن لتمويل بناء مستودعات البيانات والبنية التحتية للطاقة”.
مركز الأعمال الرائدة في الشرق الأوسط
من المعلوم أنّ أكبر الشركات في وول ستريت تعمل عبر مناطق جغرافية متعدّدة، وغالباً ما يسافر كبار المسؤولين التنفيذيين فيها إلى العديد من البلدان أثناء زيارة منطقة ما. لكنّ الرياض وأبو ظبي، اللتين تتنافسان على أن تكونا مركز الأعمال الرائدة في الشرق الأوسط، توفّران فرصاً فريدة: تسيطر المدينتان على أكثر من تريليون دولار من الثروة السيادية لكلّ منهما، وهو ما يجعلهما من بين أكبر تجمّعات رأس المال في العالم. وقد أطلقت كلتا المدينتين سلسلة من المبادرات في سعيهما إلى تحقيق أهمّية عالمية أكبر.
حصلت شركة إدارة الأصول التي يديرها فينك والتي تبلغ قيمتها 11.5 تريليون دولار أخيراً على الموافقة على إنشاء مقرّها الإقليمي في الرياض
وفقاً لمنشوراته على حسابه الشخصي على منصّة “إكس”، أجرى الشيخ طحنون، أحد نائبي حاكم أبو ظبي ومستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة وشقيق رئيسها، محادثات مع العديد من المديرين التنفيذيين الذين تحدّثوا في مؤتمر السعودية الذي يطلق عليه أيضاً “دافوس الصحراء”. وشملت تلك القائمة الرئيس التنفيذي لشركة “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley) تيد بيك، وستيف شوارزمان من شركة “بلاكستون” (Blackstone Inc)، وروث بورات من شركة “ألفابت” (Alphabet Inc)، التي دخلت في شراكة مع السعودية لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي. وزار الرئيس التنفيذي لمجموعة غولدمان ساكس (Goldman Sachs Group) ديفيد سولومون أبو ظبي بعد وقت قصير من إعلان شركته عن مكتبها الجديد في الرياض، كما نقلت وكالة “بلومبرغ” عن شخص مطّلع على الأمر.
سلسلة من المبادرات
كانت كلّ من الرياض وأبوظبي قد طرحتا أخيراً سلسلة من المبادرات في سعيهما إلى تحقيق أهمّية عالمية أكبر. ووفقاً لـ “بلومبرغ” تدعو الرياض الشركات العالمية إلى تعزيز وجودها المحلّي وإلّا فستفقد الأسواق. وقد دفع هذا الأمر شركات مثل “جنرال أتلانتيك” و”غولدمان” إلى تعزيز عملياتها في المملكة. بينما تردّدت بعض الشركات الأخرى في جعل الرياض مركزها الرئيسي لأنّ موظّفيها يفضّلون أسلوب الحياة في الإمارات العربية المتحدة حيث طرحت أبو ظبي سلسلة من الامتيازات لتشجيع الصفقات، بما في ذلك برنامج دعم أسلوب الحياة للمموّلين الجدد.
ظهر اسم لاري فينك من شركة بلاك روك بعد بضعة أيّام من المؤتمر على وسائل التواصل الاجتماعي في منشور للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان
لكنّ العديد من الشركات، التي تتطلّع إلى جمع الأموال أو الدخول في صفقات مدفوعة ببرامج التنويع الطموحة، تحاول الحفاظ على وجودها في كلا المعسكرين، بحسب “بلومبرغ”. فقد أوضحت شركة “بلاك روك” (BlackRock) أنّ قاعدتها الجديدة في الرياض ستساعدها في توسيع عمليّاتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وليس فقط في المملكة، بينما تواصل شركة غولدمان (Goldman) حضورها الكبير في كلّ من دبي وأبو ظبي، وتفكّر “باركليز بي إل سي” (Barclays Plc)، التي تنوي بعد عقد من الزمان العودة إلى المملكة العربية السعودية، في زيادة فريقها في الإمارات العربية المتحدة.
من جانبه، يحقّق بنك الاستثمار لازارد إنك (Lazard Inc)، الذي أجرى العام الماضي محادثات بيع مع شركة أبو ظبي القابضة “إيه دي كيو” (ADQ)، ثالث أكبر صندوق ثروة سيادي مملوك لإمارة أبو ظبي بعد جهاز أبو ظبي للاستثمار وشركة مبادلة للاستثمار، اختراقاً كبيراً في المملكة العربية السعودية، وفقاً لوكالة “بلومبرغ”.
أوضحت شركة “بلاك روك” (BlackRock) أنّ قاعدتها الجديدة في الرياض ستساعدها في توسيع عمليّاتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وليس فقط في المملكة
جذب أكبر الشركات في العالم
في حين شرعت المدينتان في حملات مماثلة لجذب أكبر الشركات في العالم، أبرزت السنوات القليلة الماضية أولويات المسؤولين المتغيّرة في الرياض وأبو ظبي، وأنواع الشراكات التي يسعون إليها. وتشير “بلومبرغ” على سبيل المثال إلى أنّ المملكة العربية السعودية، بسكّانها الكبار والشباب، تعطي الأولوية للمشاريع التي تهدف إلى تطوير بنيتها التحتية، والتي تتخلّف بشكل كبير عن بنية الإمارات العربية المتحدة، إلا أنّها تحتاج إلى جذب المزيد من رأس المال الأجنبي بسبب تقييد التمويل نتيجة ضعف أسعار النفط، ومن هنا الرغبة في جلب أكبر مديري صناديق البنية التحتية في العالم إلى البلاد. مثال على ذلك: صندوق الشرق الأوسط الجديد لشركة بروكفيلد لإدارة الأصول المحدودة (Brookfield Asset Management Ltd) بقيمة 2 مليار دولار.
في هذا السياق، تذكّر “بلومبرغ ” بقول ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمار العامّ في المملكة الذي يبلغ حجمه تريليون دولار تقريباً، في ندوة في مؤتمر الاستثمار المؤسّسي الشهر الماضي: “كان الناس يأتون إلينا ويطلبون المال. نحن نشهد الآن تحوّلاً من الأشخاص الذين يريدون أخذ أموالنا إلى الأشخاص الذين يريدون المشاركة في الاستثمار”.
إقرأ أيضاً: فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة
السعودية فرصة إقليمية للبنوك الاستثمارية
لكن مرّة أخرى، الجهود متوازنة بين المدينتين، بحسب “بلومبرغ”. فقد حضر مؤسّس Bridgewater Associates راي داليو، الشخصية الرئيسية في جهود أبو ظبي لجذب كبار صناديق التحوّط، مؤتمر الاستثمار في الرياض، وشوهد يرتدي الزيّ العربي التقليدي قبل الحدث، وشرح لاحقاً في إحدى الندوات أسباب ارتباطه بالمنطقة. وكان مسرفاً في الإشادة بوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال: “أعتقد أنّ صاحب السمو الملكي قائد عظيم. إنّه يشبه إلى حدّ ما دينغ شياو بينغ الصيني، أو لي كوان يو من سنغافورة”.
لقراءة النص بلغته الأصلية إضغط هنا