“الصوت في السينما السعودية” هو عنوان لافت لندوة قدّمها صنّاع ونقّاد سعوديون شباب، خلال “مؤتمر النقد السينمائي الدولي” الذي نظّمته هيئة الأفلام السعودية في الرياض، خلصت إلى أنّ الصوت يمثّل نصف الفيلم. وقالت المخرجة السعودية سارة مسفر بُعيد الندوة لـ “أساس” إنّ “الصوت بالنسبة لها جزء لا يتجزّأ من الكتابة والإخراج ويدخل في عملية متكاملة العناصر والأدوات. وتوظيف الصوت عملية لا تبدأ في المونتاج كما يعتقد البعض، بل تبدأ من كتابة النصّ باعتبار الصوت شخصية”. وبالنسبة لها “تتمتّع السينما السعودية اليوم بتقنيّات عالية تخدم الصوت، وما ينقصها هي الخيارات والرؤية لتكون مميّزة عن غيرها”.
يأتي مؤتمر النقد الذي يعتبر الأوّل من نوعه في العالم العربي الذي يناقش قضايا وآفاق النقد العلمي السينمائي، ضمن استراتيجية “هيئة الأفلام السعودية” التي تهدف لتعزيز مجال السينما بصفته مرآة للثقافة ومحفّزاً لمشاركتها وركناً أساسياً لها، إلى جانب تعميق دور السينما في التنمية الثقافية والمجتمعية والاقتصادية عبر تمكين المواهب المتميّزة والارتقاء بالتجارب الريادية الوطنية.
بحث المؤتمر جوانب متعدّدة للسينما، وبحث في التعريف بالنقد السينمائي ومفاهيمه وتطبيقاته. وجمع المتخصّصين والمهتمّين في مجال النقد السينمائي وثقافة الفيلم، لتبادل الخبرات، وتعزيز المشاركة الوطنية والإقليمية والدولية في الحوارات المتعلّقة بهذا الحقل المهمّ في صناعة السينما.
ركّزت الدورة الثانية المقامة تحت شعار “الصوت في السينما”، على مُختلف آفاق تأثير الصوت في تجربة الفيلم وأثره في صناعة السينما، وذلك بجوانبه المختلفة التي تشمل الموسيقى التصويرية والمؤثّرات الصوتية وأصوات الطبيعة. وشارك فيه أكثر من 40 متحدّثاً ومتحدّثة من النقّاد وصنّاع الأفلام والمهتمّين من 24 دولة، أعربوا جميعاً عن اهتمامهم البالغ بالحدث نظراً لعمق ومحوريّة الصوت في صناعة السينما وأهمّيته في تطوير القطاع والارتقاء بالتجارب المعاصرة فيه.
تضمّن المؤتمر 6 ورش عمل قدّمها خبراء في القطاع، و4 ورش عمل مخصّصة للأطفال لتعزيز مهارات النقد ومشاهدة الأفلام لديهم، إضافةً إلى 13 ندوة حواريّة، و8 عروض سينمائية لأفلام من مختلف دول العالم، أعقبتها جلسات نقدية.
عن خصوصية الصوت في السينما السعودية، لفت علي زعلة إلى أنّه لم تكن القدرة الإنتاجية قبلُ تسعف صانع الفيلم
التّمويل رفع مستوى التّجارب
تطرّقت الندوة الحواريّة التي شارك فيها كلّ من الكاتب والناقد الدكتور علي زعلة، والناقد السينمائي محمد البشيّر، والمخرجة السعودية سارة مسفر، وأدارها المنتج والمخرج السعودي علي السرهيد، إلى أهمّية الصوت وحساسيّته وتطوّره وتقنيّاته التكنولوجية في السينما بشكل عامّ، وخصوصاً في السينما السعودية التي تشهد نهضة غير مسبوقة في تاريخ المملكة.
خلص المتحدّثون إلى أنّ اختراع الصوت والاشتغال عليه بحرفيّة عالية وإدخاله في الفيلم، يشبه اختراع الكتابة، وهو ما جعل السينما تقفز إلى الأمام وتتطوّر حتى وصلت إلى الحال الذي نراها عليه الآن.
تنمّ هذه الندوة عن وعي ورؤية في مجال تطوير صناعة السينما في المملكة العربية السعودية. فالصوت في السينما غائب تقريباً عن جلسات النقاش والحوارات التي تعقد في المهرجانات وفي المؤتمرات كما حال غياب البحث في آفاق النقد السينمائي في الصحافة الغربية، وغياب الكتب المتخصّصة في النقد. ويشغل النقد السينمائي حيّزاً مهمّاً في دائرة اهتمامات “هيئة الأفلام” لأنّه عامل أساسيّ في تشكيل الثقافة السينمائية للمتلقّي والقدرات المهنيّة لصانع الأفلام. ويعتبر مؤتمر النقد، الذي اختتم أمس في الرياض، الحدث الأكبر في سلسلة ملتقيات النقد لهذا العام، إذ سبقته إقامة ملتقيَين للنقد السينمائي في حائل في 27 أيلول الماضي، وفي الأحساء في 25 تشرين الأول الماضي.
اعتبر الكاتب والناقد علي زعلة أنّه لولا الصوت لما كانت السينما تطوّرت، مؤكّداً أنّ “علينا أن نجرّب كيفية سماع الفيلم لا مشاهدته فقط، لنكتشف ما يحمله الصوت من قدرة على تعديد الدلالات في الفيلم”.
قال محمد البشيّر: “الصوت عنصر قلّما يجري الحديث عنه ويُستخفّ به غالباً، مع أنّنا لو أسكتنا الصوت فسنفقد الكثير من الفيلم الذي نشاهده. فالصوت نصف الفيلم، وحتى السينما الصامتة كانت تستعين بالموسيقى بديلاً من الصوت”.
يأتي مؤتمر النقد الذي يعتبر الأوّل من نوعه في العالم العربي الذي يناقش قضايا وآفاق النقد العلمي السينمائي، ضمن استراتيجية “هيئة الأفلام السعودية”
عن خصوصية الصوت في السينما السعودية، لفت علي زعلة إلى أنّه “لم تكن القدرة الإنتاجية قبلُ تسعف صانع الفيلم، لكنّ توفّر التمويل رفع مستوى التجارب السينمائية الحالية”. وضرب زعلة مثلاً فيلم “الناقة” السعودي الذي استفاد مخرجه من كلّ الأصوات المحيطة ببطلة الفيلم ليعكس حالتها النفسية.
ورأى محمد البشيّر أنّ الميزانيات الكبيرة مكّنت صنّاع السينما في السعودية من توظيف تقنيات الصوت الحديثة وإخراج أفلام متميّزة تنافس أهمّ الأفلام في العالم.
الصوت شخصيّة أساسيّة في الفيلم
المخرجة وكاتبة السيناريو الموهوبة سارة مسفر تحدثت عن فيلم “سيّدة البحر” (إخراج شهد أمين) الذي نجح فيه صوت موج البحر في إيصال الشعور المطلوب للمشاهد، مؤكّدة أنّه كلّما كانت الإمكانات كبيرة كان نضج التجربة واضحاً وكبيراً. وسارة هي واحدة من صانعات السينما المبدعات التي تحمل في أفلامها صوت المرأة. درست الفنون السينمائية في جامعة الأميرة عفت في المملكة العربية السعودية، وفي عام 2018 قدّمت أوّل فيلم قصير لها بعنوان “شرفة”. نال فيلمها القصير “الفتيات اللواتي أحرقن الليل” لفتة خاصة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في عام 2021. وشاركت في فيلم “Becoming” مع مواطناتها السعوديّات المخرجات فاطمة البناوي وجواهر العامري وهند الفهاد ونور الأمير.
قالت مسفر بُعيد الندوة لـ “أساس” إنّ “الصوت بالنسبة لها جزء لا يتجزّأ من الكتابة والإخراج ويدخل في عملية متكاملة العناصر والأدوات. وتوظيف الصوت عملية لا تبدأ في المونتاج كما يعتقد البعض، بل تبدأ من كتابة النصّ باعتبار الصوت شخصية”.
تتمتّع السينما السعودية اليوم بتقنيّات عالية تخدم الصوت، وما ينقصها هي الخيارات والرؤية لتكون مميّزة عن غيرها
وأضافت: “الصوت يشمل الحوارات، والصمت الذي نقصده أو نسمعه في السينما هو صوت بحدّ ذاته. وأنا شخصياً عندما أجلس مع مهندس صوت أحضّر له ملاحظات واضحة حول رؤيتي لما يريد تنفيذه وحساسيّتي للصوت”. وأكّدت: “في مرحلة كتابة السيناريو يكون الصوت موجوداً معي كشخصية، وأكتب أنّه في هذا المشهد مثلاً يطغى الصمت، أو ذاك المشهد يظهر صوت الشارع بطريقة أعلى من صوت الشخصيات في حوارات معيّنة حيث أريد أن أبرز نبض الشارع، ويكون أهمّ مثلاً من الصورة في مشهد معيّن”.
إقرأ أيضاً: الفنّان السّعوديّ أحمد ماطر إلى العالمية: أمّي ملهمتي الأولى
ورأت سارة مسفر أنّه “لا توجد معايير معيّنة ومحدّدة أو عملية حسابية في صناعة تجربة صوتية مميّزة، بل ذلك يعتمد على هويّة الفيلم وموضوعه ورؤية المخرج وما يريد إيصاله، وما يخدم مشاهده وسياقه فعليّاً”. ولفتت إلى أنّ “أهميّة الصوت في السينما تحتّم علينا الأخذ في الاعتبار العالم المتسارع الذي نعيش فيه اليوم والتغيّرات التي تحصل في تقنيات الأفلام والتكنولوجيا وفي السينمات الكبيرة مثل بوليوود وهوليوود، إضافة إلى الأخذ بالاعتبار دخول برامج الصوت فيها أساسيّ مثل “تيك توك”، وتعوّد الأذن اليوم على أصوات معيّنة، وهو ما يؤثّر على تلقّي الناس للفيلم وللصوت فيه. فلا يمكننا أن نفصل اليوم أفلامنا عن السياق العامّ ومنظومة السينما الجديدة والمستقبلية وكيفية تلقّي الجمهور الجديد لها”. وبالنسبة لها “تتمتّع السينما السعودية اليوم بتقنيّات عالية تخدم الصوت، وما ينقصها هي الخيارات والرؤية لتكون مميّزة عن غيرها”.
لمتابعة الكاتب على X: