على الرغم من فائض القوّة الذي درج الحزب، قبل حرب “الطوفان”، أن يتفاخر به، لم يشعر جمهور الحزب يوماً بطمأنينة وسكينة. دخلت “البيئة” في دوّامة ضرورات استمرار الصراع كقاعدة لشرعيّة “المقاومة” وديمومتها. وهو ما أشاع على نحو يومي أسئلة متلاحقة لا تقوى القريحة على الإجابة عليها. ولم يكن من حاجة أصلاً إلى توسّل الإجابات، ما داموا لا يعرفون ما يعرفه الحزب ويحيط به. وحين كانت الحيرة تتفاقم، كان لا بدّ دائماً من إطلالة “السيّد” التي تضع نقاطاً على الحروف، وتوفّر ما يغلق، ولو مؤقّتاً، نوافذ القلق ويوارب أبوابه. وهذه الأيام لا توفّر الظروف الكارثية التي يعيشها الحزب وجمهوره حالة جاذبة لإطلالات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.
ناس الحزب، في انتشارهم العبثيّ، ونكبة نزوحهم المتدحرجة، وأسئلة الحياة والموت التي تحاصرهم، غير جاهزين لتلقّي محاضرات في فضح مؤامرت كونيّة تُحاك ضدّ الحزب ولبنان والمنطقة والمحور المعاند. ثمّ في رسائل ما يطلقه الشيخ نعيم قاسم في كلماته، نجد طلاسم غير مفهومة لا تضخّ جرعات الأمل والقوّة التي اعتاد “السّيد” الراحل ضخّها وكانت لها مفاعيل شافية.
هذه الأيام لا توفّر الظروف الكارثية التي يعيشها الحزب وجمهوره حالة جاذبة لإطلالات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم
تغيّر الزمن. وانتهت صلاحية عقاقير التعامل مع الجمهور العامّ. وفي صدق بحث الجمهور والبيئة والطائفة عمّا يرفع من الهمم، فإنّ وعد “الشيخ” بالاحتكام إلى “الميدان” وحده يرفع من مستويات الرعب والإحباط لا السكينة والأمل. فالحزب يعيش نكبته ويفقد قادته بسبب هذا “الميدان”، والبلد يفقد الحجر والبشر ويعيش مهانات التشرّد نتيجة لهذا “الميدان”. وفيما لبنان لم يكن في الأصل مؤهّلاً للانخراط في حرب، بات الخروج من المأزق الكبير بيد ما يتقرّر في عواصم بعيدة وفق “ميدان” ترسم قواعده حرب همجية وجدت لها رعاة وداعمين في العالم، وقلّما وجدت ضدّها الكوابح الكافية.
جمهور الحزب يسأل عن “الدّولة”
تقادمت مواسم اللادولة. بات الناس في نكبتهم يسألون عن دولتهم وحكومتهم وأجهزة الإدارة والأمن والدفاع في بلدهم. وهم في شكواهم وغضبهم من قصور، اعترف به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واعتذر عنه، إنّما يعيدون التسليم بتلك الدولة باعتبارها الناظمة الوحيدة ليوميّاتهم ومستقبل بلدهم.
حتى زعيم الحزب الجديد انضمّ إلى الشاكين، مطالباً جيش البلاد أن يميط اللثام عن ألغاز “إنزال” البترون وملابساته. وقد كان سورياليّاً، في تلك الواقعة بالذات، أن يبدي “جمهور” الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي ضيقاً من غياب الحكومة ورئيسها وتقاعس الجيش وأجهزة الأمن وحتى قوات اليونيفيل عن القيام بوظائفها في حماية سواحل البلد و”بترونه”. تستبطن الشكوى إدراكاً جماعياً بأنّ “ميدان” الحزب الموعود لم يكن ولن يكون ضماناً لأمان الناس ومناعة بلدهم.
حتى زعيم الحزب الجديد انضمّ إلى الشاكين، مطالباً جيش البلاد أن يميط اللثام عن ألغاز “إنزال” البترون وملابساته
اللبنانيون جميعاً، بمن فيهم جمهور الحزب، يريدون دولة تحميهم لا “ميداناً” يعبث بهم. لا عجب من أنّ إطلالات “الشيخ” تأتي خارج أيّ سياق وتنهل مفردات زمن زائل. وما التلطّي خلف “الميدان” إلا علامة على عجز عن الإجابة على أسئلة كان “السيّد” يجيد الإيحاء بحسن العثور عليها.
قراءة خاطئة للمشهد.. بعد ترامب
أصبح دونالد ترامب رئيساً لا تحبّه إيران أن يكون في وجهها لأربع سنوات متتالية. وفي ما يطلقه الحزب، عبر أمينه العام من رسائل إيرانية، وربّما من إيران نفسها، ما يخاطب واشنطن بشؤون من المفترض أن تكون من شؤون بيروت. تطلق طهران، عبر قاسم، ورقة “ميدان” يأكل أخضر اللبنانيين ويابسهم بعيداً عن أبوابها. تعوّل على “وعد” الرئيس الأميركي العائد بإنهاء الحرب في لبنان لتقديم “خدماتها” في هذه الورشة الموعودة.
قبل قاسم وإطلالاته، كان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، ثمّ رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، قد تعاقبا على زيارة بيروت وإبلاغ العالم من هناك أن لا سلام في لبنان من دون المرور عبر طهران.
أصبح دونالد ترامب رئيساً لا تحبّه إيران أن يكون في وجهها لأربع سنوات متتالية
6 مشاهد جديدة
لم يعد “ميدان” قاسم عاملاً مقنعاً لتغيير قواعد اللعبة. انهارت كلّ القواعد منذ أساء الحزب ومن ورائه طهران تقويم أصول الاشتباك وموازين قواه وقراءة مجموعة من المشاهد:
– مشهد إسرائيل في “زئير” ما بعد 7 تشرين الأول 2023، وما أنذره ذلك من شطط لا حدود له.
– الغرب الزاحف صوناً وتأييداً ودعماً واحتضاناً للحليف الجريح.
– مشهد العالم، بما في ذلك دول مثل روسيا والصين والجنوب، العاجز عن وقف المقتلة أو التخفيف من فضائحها.
– مشهد المنطقة التي أتى “الطوفان” من وراء ظهرها فراحت تقارب تداعياته بما ارتجلته من همم وجهود ومواقف.
– إيران التي داهمها حدث غزّة فراحت بارتباك تتبرّأ منه وتنهل بخبث من أرباحه.
لن يتغيّر شيء في خطاب الحزب غير “النصر”. فالنصر وحده وراء أزمة إسرائيل السياسية، ووراء إقالة وزير الأمن فيها، ووراء انتخاب ترامب
– مشهد لبنان، الذي لا تقوى هياكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وركاكة علاقاته مع العالم على تحمّل حرب قرّرها الحزب بأمر واضح من طهران أن تكون إسناداً واهماً.
لن يتغيّر شيء في خطاب الحزب غير “النصر”. فالنصر وحده وراء أزمة إسرائيل السياسية، ووراء إقالة وزير الأمن فيها، ووراء انتخاب ترامب. النصر وراء فشل اتفاق سابق. وهو وحده سيكون وراء نجاح اتفاق مقبل. فحتى حين ينتخب رئيس جديد للجمهورية فذلك سيكون من ثمار نصر سيحاول المنكوبون بإخلاص أن يجدوا له تعابير في شتاتهم.
إقرأ أيضاً: عرب ومسلمو أميركا.. ترامب سيوقف الحرب
لمتابعة الكاتب على X: