هوكستين عائد بعد الانتخابات: التسوية تنتظر الرئيس الجديد

مدة القراءة 6 د

واشنطن

 

ليست سهلة الانتخابات التي تخوضها الإدارة الديمقراطية. فهي تنافس الحزب الجمهوري على “المنخار” بحسب التعبير اللبناني. كثيرة هي التناقضات التي أصابت جمهور الحزب الديمقراطي تحديداً. منها ما هو داخلي محض متعلّق بالمجتمع الأميركي، ومنها ما هو متعلّق بالاقتصاد، ومنها ما هو متعلّق بالسياسة الخارجية… لكنّ الأكيد أنّ هذه الإدارة، فازت أو خسرت، مستمرّة في مساعيها لوقف إطلاق النار. في حين يبدو أنّ ديربورن، في متشغان، التي تسمّى “الضاحية الجنوبية”، قد يكون لها صوت حاسم في هويّة الرئيس المقبل.

العائلات الأميركية المحافظة التي اعتادت أن تكون ديمقراطية أصابها الذعر من الأخبار عن “التحرّر” والقضايا المتعلّقة بتسويق الحرّية في تحديد الهويّة الجنسية للفرد وتغييرها. والعائلات الليبرالية أصابها الذعر من الكلام عن الذهاب إلى أقصى اليمين والتحوّل في القيم المحافظة إلى حدّ لا يشبه ليبرالية المجتمع الأميركي.

ليست سهلة الانتخابات التي تخوضها الإدارة الديمقراطية. فهي تنافس الحزب الجمهوري على “المنخار” بحسب التعبير اللبناني

متشغان: اللّبنانيّون يحسمون؟ 

في هذا السياق، سيحدّد عدد قليل من الولايات مصير نتائج الرئاسة. أمّا متشغان، موطئ قدم اللبنانيين على مرّ مراحل الهجرة من لبنان إلى الولايات المتحدة، فلها قصّة أخرى عنوانها هذه المرّة “الحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان” التي قلبت كلّ المعايير الانتخابية في الولاية. وهي من الولايات المتأرجحة التي قد يكون لها نصيب في حسم هويّة الرئيس المقبل.

لكن بالتزامن مع كلّ هذا المشهد المتشابك انتخابياً، لا يزال الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لن يخرج من البيت الأبيض حتى شهرين من اليوم، مصمّماً على إنهاء الاتّفاق بين لبنان وإسرائيل على وقف إطلاق النار.

لا يزال الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لن يخرج من البيت الأبيض حتى شهرين من اليوم، مصمّماً على إنهاء الاتّفاق بين لبنان وإسرائيل على وقف إطلاق النار

هوكستين إلى تل أبيب بعد الانتخابات 

في خضمّ المعارك الانتخابية الطاحنة، تقول معلومات “أساس” إنّ الموفد الأميركي آموس هوكستين سيزور تل أبيب الأسبوع المقبل، أي بعد الانتخابات الأميركية. وبالتالي سيكون الجميع متحرّراً من ثقل استثمار نتائج أيّ تسوية لمصلحة دونالد ترامب أو كامالا هاريس.

يأتي ذلك وفق اتّفاق جرى بين هوكستين وبين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الزيارة الأخيرة التي قام بها هوكستين مع ماكغورك لتل أبيب قبل موعد الانتخابات بأسبوع.

قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ الاجتماع الأخير توقّف على حدّ أدنى من الإيجابية التي استدعت أن يعود هوكستين بعد الانتخابات لاستكمال المفاوضات مع نتنياهو حول النقاط العالقة، وأبرزها الضمانات التي تطلبها إسرائيل لتطبيق القرار 1701 وعدم تكرار تجربة ما بعد حرب عام 2006. ومنها:

–  ضمان القضاء كليّاً على سلاح الحزب وعدم تسليحه مجدّداً.

–  ضمان ضبط المعابر على الحدود البرّية والجوّية والبحرية وفق آليّة مراقبة يُتّفق عليها.

–  ضمان أمن حدود إسرائيل عبر قوّات اليونيفيل وإعطائها مجالاً للتحرّك أوسع من ذلك الذي أعطي لها منذ عام 2006.

–  نشر الجيش اللبناني وإعطاؤه الغطاء السياسي ليكون حاضراً لمنع تسليح أيّ فصيل خارج الشرعية اللبنانية.

مصادر دبلوماسية لـ”أساس”: الاجتماع الأخير توقّف على حدّ أدنى من الإيجابية التي استدعت أن يعود هوكستين بعد الانتخابات لاستكمال المفاوضات مع نتنياهو حول النقاط العالقة

الآليّة التّنفيذيّة… بلاس

تتطلّب هذه البنود الاتفاق على آليّة واضحة لا تزال موضع نقاش وستحضر في اجتماع هوكستين مع نتنياهو الأسبوع المقبل، لا سيما أنّ وثيقة سرّبت منذ أيام عن اتفاق ثنائي بين واشنطن وتل أبيب تتحدّث عن ضمانات واشنطن لرقابة عسكرية ضمن لجنة مراقبة مؤلّفة من عدّة دول.

في الخلاصة، بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، يكمل هوكستين مهامّه في سبيل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار وترسيم الحدود البرّية وضمان سلام الحدود المستدام. وذلك سيتقاطع بحسب المصادر مع مجموعة عناوين داخلية يحضّر لها تباعاً.

ديربورن: أهلاً بكم في الضّاحية 

المسعى الديمقراطي للوصول إلى وقف إطلاق نار لا تصدّقه نسبة كبيرة من الجالية اللبنانية في ولاية متشغان الأميركية. في هذه الولاية حوالي 250 ألف لبناني و200 ألف متحدّرين من أصل لبناني. يبلغ مجموع مقاعد هذه الولاية 15 مقعداً: 13 عضو كونغرس وشخصان لمنصب السناتور. في حال حصول أيّ من الحزبين على 51 في المئة من أصوات المقترعين في الولاية، تذهب كلّ المقاعد له. وتعتبر هذه الولاية من الولايات المتأرجحة أوّلاً لشدّة المنافسة، والمرجّحة ثانياً لأهمّيتها تاريخياً بالنسبة للحزب الديمقراطي. غالباً ما كانت تصوّت هذه الولاية بـ65 في المئة للديمقراطيين و35 في المئة للجمهوريين. لكنّ هذه المرّة المزاج مختلف تماماً مع ضخامة الموجة الاعتراضية على سياسة بايدن في دعم إسرائيل في الحرب على غزة ولبنان.

بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، يكمل هوكستين مهامّه في سبيل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار وترسيم الحدود البرّية وضمان سلام الحدود المستدام

وبدا ذلك في الانتخابات التمهيدية التي حصلت في الحزبين، إذ خسر الحزب الديمقراطي ما يقارب 100 ألف صوت لبناني وعربي ومناصر للقضية الفلسطينية.

بالتالي هناك شريحة من ناخبي ديربورن، التي تسمّى في متشغان “الضاحية الجنوبية لبيروت”، سيتّجهون إلى عدم التصويت لأحد، وهناك من سيتّجه إلى الاقتراع للمرشّحة ديلشتاين من حزب الخضر لتسجيل صوتهم كصوت اعتراضي فقط.

أمّا الجمهوريون فهم موجودون، وقد عزّزوا مكانتهم في الولاية، واستفادوا من الحرب على غزة ولبنان ليكسبوا دعم الأصوات المستقلّة المتأرجحة تحت عنوان “لا يريد ترامب الحرب وسيوقف الحرب فور وصوله” .

لا يعني كلّ هذا المشهد من متشغان حتماً خسارة كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية ووصول ترامب. بل إنّ النتائج لا يمكن حسمها قبل ساعات الصباح من يوم الأربعاء إن لم يتوجّه أيّ من المرشّحين إلى المحكمة العليا للمطالبة بإعادة الفرز. وفي هذه الحال تكون الانتخابات قد دخلت فصلاً آخر.

إقرأ أيضاً: لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

ليست متشغان الولاية الأكثر تأثيراً على الرغم من أنّها مرجّحة. قد تكون بنسلفانيا الولاية الأكثر ترجيحاً، وإليها ستتّجه الأنظار لمعرفة من سيكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

في كلّ الأحوال، ننتظر في لبنان وواشنطن نتيجة زيارة هوكستين لتل أبيب عساها تحمل جديداً في موقف نتنياهو الذي يمكن أن يؤجّل كلّ شيء إلى مطلع العام المقبل، ويمكن أن يمضي في الاتفاق بحسب مسار التفاوض والضمانات.

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

نعيم قاسم: هادئ وصلب ومتعدّد المشارب الفكرية

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصر الله، من حيث خصائص الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديين في حركة أمل،…

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….