أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق إلى البيت الأبيض. كان الأمر آمالاً وتمنّيات قادها الموفد الأميركي آموس هوكستين الذي خرج من إسرائيل ولم يعُد.
لم تتوّج مهمّة هوكستين كما أراد لها أن تنتهي، بصياغة اتفاق غير مباشر بين لبنان وإسرائيل يقضي بالالتزام بمندرجات القرار 1701. وهذه القناعة كانت شبه راسخة لدى الكثير من المسؤولين اللبنانيين وبعض الدبلوماسيين العاملين في لبنان، بناء على أكثر من اعتبار، أهمّها أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يستكمل لائحة الأهداف التي وضعها لنفسه من خلال العدوان الذي يشنّه على لبنان. وبالتالي ستكون المهلة الفاصلة بين خروج الإدارة الأميركية الحالية من البيت الأبيض وإنتاج الإدارة الجديدة، فرصة مُمدّدة أمام حكومة العدوّ للمضيّ في حربها العدوانية على لبنان تحت عنوان القضاء على الحزب.
لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق إلى البيت الأبيض
في الواقع، لا تزال “ساعة الصفر” المرتبطة بوقف إطلاق النار موضع تكهّن معقّد، يعجز الكثير من الدبلوماسيين عن فكفكة ألغازه، خصوصاً أنّ تجربة غزّة لا تزال حيّة، وتدفع للاعتقاد بأنّ المشهد اللبناني غارق في نفق مظلم يصعب معرفة نهايته. ومع ذلك، ثمّة تقديرات متفائلة ترجّح أن تكون الأسابيع المقبلة حاسمة، بمعزل عن الانتماء الحزبي للرئيس الأميركي الجديد، لأنّها ستعزّز المفاوضات الدبلوماسية الباحثة عن صيغة تحكم المرحلة المقبلة.
يرى أصحاب هذا الرأي أنّ جزءاً كبيراً من الفاتورة المالية للعدوان الإسرائيلي يقع على عاتق الولايات المتحدة الأميركية، سواء في ما خصّ الجبهة المفتوحة في غزة أو في لبنان. إذ نشرت “تايمز أوف إسرائيل” مطلع الشهر الماضي، نقلاً عن تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأميركية، أنّ الولايات المتحدة أنفقت رقماً قياسياً لا يقلّ عن 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل خلال عام منذ هجوم “طوفان الأقصى”.
يقول الباحثون الذين أعدّوا التقرير إنّ 4.86 مليارات دولار إضافية ذهبت إلى تكاليف الحملة التي تقودها البحرية الأميركية ضدّ الحوثيين. ومنذ أسبوع تقريباً أنهى المدير العامّ لوزارة الدّفاع الإسرائيليّة بالإنابة إيال زمير ووكيل وزارة الدّفاع الأميركيّة للمشتريات وليام لابلانت تبادل الرّسائل الّتي تشرع في تنفيذ المساعدات الطّارئة الخاصّة بقيمة 5.2 مليارات دولار لتعزيز الدّفاع الجوّي الإسرائيلي.
في الواقع، لا تزال “ساعة الصفر” المرتبطة بوقف إطلاق النار موضع تكهّن معقّد، يعجز الكثير من الدبلوماسيين عن فكفكة ألغازه
يضيف هؤلاء أنّ استمرار الحرب لفترات مفتوحة يعني تكبيد الخزينة الأميركية المزيد من المبالغ المالية، وهو ما قد يسرّع من عملية التفاوض بحثاً عن حلول دبلوماسية. أكثر من ذلك، يرى هؤلاء أنّ الظروف المناخية مع قدوم فصل الشتاء قد لا تكون ملائمة لعمل الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، التي لا تشبه بتضاريسها العسكرية والجغرافية قطاع غزّة. ولذا يرجّح هؤلاء أن يعود الزخم إلى المشاورات العابرة للجبهات، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
نظرة أكثر سوداويّة
مقابل هذه النظرة التفاؤلية، تبرز مقاربة أكثر سوداوية بيّنها سلوك نتنياهو منذ بدء عدوانه على لبنان، حيث يقول البعض إنّ حكومة العدوّ تتصرّف وكأنّها تعلّمت من “درس” حرب تموز 2006 والنتائج التي أفرزتها، على قاعدة أنّها “خطأ” ارتكبته وترفض تكراره. ولذلك ترفض وقف إطلاق النار إذا لم تحقّق كلّ أهدافها، بمعنى أن تضمن أن لا يكون “اليوم التالي” “يوماً جديداً” لاستعادة الحزب لترسانته العسكرية. ولهذا قد لا تكتفي بإرجاع الحزب إلى شمال الليطاني، كما حصل في عام 2006، بل تعمل على محاصرته وإقفال خطوط إمداده. وباختصار، تسعى إلى الاستفادة من كلّ مندرجات القرار 1701.
يقول الباحثون الذين أعدّوا التقرير إنّ 4.86 مليارات دولار إضافية ذهبت إلى تكاليف الحملة التي تقودها البحرية الأميركية ضدّ الحوثيين
في هذا السياق تتحدّث معلومات عن محاولات تقودها بعض الدول العربية مع النظام السوري من خلال تقديم إغراءات جديّة، لإخراجه نهائياً من “الحضن الإيراني” على أن يتولّى مراقبة الحدود البرّية مع لبنان لمنع وصول الأسلحة للحزب. وقد تحمل القمّة العربية – الإسلامية المرتقب عقدها في 11 تشرين الثاني في السعودية، مؤشّرات مدى نجاح هذا المسعى.
بالنتيجة، تشهد الجبهة اللبنانية حرب “عضّ أصابع”، قد تكون الكلمة الأخيرة فيها لمن سيتمكّن من الصمود والتحمّل أكثر، حتى لو أنّ ميزان الربح والخسارة العسكرية لا يصبّ لمصلحة “الحزب”. ويمكن الاستخلاص أنّ ساعة الصفر مرتبطة بعوامل عدّة أبرزها:
– صغط الإدارة الأميركية الجديدة لفرض مسار دبلوماسي يوقف الحديد والنار.
إقرأ أيضاً: لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟
– ضغوطات الميدان، في حال كثّف العدوّ من ضرباته لتحقيق أهداف استراتيجية تسمح له بإطلاق عجلة المفاوضات، أو في حال نجح الحزب في تنفيذ عمليات مؤلمة قد تدفع العدوّ إلى مراجعة حساباته. وهذا صعب.
لمتابعة الكاتب على X: