إيران لإسرائيل: لبنان ساحة الحرب بيننا

مدة القراءة 6 د

حصل الردّ الإسرائيليّ الموعود والمنتظر. صباح 26 تشرين الأول استفاق العالم على خبر قيام الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة بالهجوم على إيران. بحسب بيان للجيش الإسرائيليّ، فإنّ طائراته “ضربت المنشآت المستخدمة لإنتاج الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل”. كما تمّ “ضرب منظومة صواريخ أرض-جو وقدرات جوّية إيرانية إضافية كانت تهدف إلى تقييد حرّية عمل إسرائيل الجوّية في إيران”. من جهتها قالت إيران إنّ دفاعاتها الجوّية نجحت في صدّ الهجمات الإسرائيلية، لكنّ “أضراراً محدودة” وقعت في بعض المواقع.

 

على مدى أربعة أسابيع خاضت الدولتان، إسرائيل وإيران، حرباً إعلاميّة وحرب أعصاب كبيرة. إسرائيل توعّدت بهجوم كبير على الردّ الإيراني الذي استهدفها بحوالي 180 صاروخاً بالستيّاً ومسيّرة. من جهتها خاضت إيران حرب تصعيد كلاميّ عالي النبرة، فتوعّدت إسرائيل بردّ “مؤلم”. اللافت أنّ التصعيد الإيرانيّ لم ينحصر بفريق المرشد الأعلى وضبّاط الحرس الثوريّ، إنّما جاء أيضاً على لسان وزير الخارجية الذي من المفترض أن يكون كلامه دبلوماسيّاً. واللافت أكثر في كلام عباس عراقتشي أنّه أطلقه خلال جولته الدبلوماسيّة في الشرق الأوسط التي كان هدفها طمأنة دول المنطقة إلى رغبة إيران بالسلام والتأكيد على مسار الانفتاح في الإقليم.

نجاح واشنطن

في قراءة أوّليّة للهجوم الإسرائيليّ على إيران يظهر ما يلي:

1- نجاح الولايات المتّحدة الأميركيّة في إجبار بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيليّة على احترام الخطوط الحمر التي رسمتها وشملت:

– عدم استهداف المنشآت النوويّة لأنّ من شأن استهدافها التسبّب بكارثة بيئيّة وإلزام إيران بالردّ.

– عدم استهداف المنشآت النفطيّة لأنّ من شأن استهدافها إحداث أزمة حادّة عالميّة في أسواق الطاقة ستؤدّي إلى ارتفاع في أسعار النفط والغاز وستكون لها تداعياتها على الانتخابات الأميركيّة مباشرة، إذ إنّ أيّ ارتفاع في أسعار الطاقة سيشعر به مباشرة الناخب الأميركيّ. وهو ما سينعكس سلباً على حملة المرشّحة الديمقراطيّة كامالا هاريس.

 نجاح الإدارة الأميركيّة في فرض ردّ على إسرائيل لا يجرّ واشنطن إلى مواجهة عسكريّة مباشرة مع إيران

– عدم استهداف شخصيات إيرانيّة (وجرى الحديث عن استهداف المرشد علي خامنئي) كي لا تُجبَر إيران على الردّ كما حصل بعد اغتيال محمد رضا زاهدي في قنصليّتها في دمشق.

2- نجاح الإدارة الأميركيّة في فرض ردّ على إسرائيل لا يجرّ واشنطن إلى مواجهة عسكريّة مباشرة مع إيران، لأنّ أيّ هجوم إيرانيّ آخر على إسرائيل سيُلزم أميركا بالمشاركة في صدّه، وربّما بشكل أكبر ممّا حصل في صدّ الهجومين الإيرانيَّين في 13 نيسان والأول من تشرين الأوّل.

إسرائيل لا تريد حرباً مباشرة

3- المواقع التي استهدفتها الغارات الإسرائيليّة وما سبقها من كلام وحملات وأخذ وردّ، كلّ ذلك أكّد أنّ إسرائيل لا تريد اندلاع حرب مباشرة مع إيران. وهذا ما أكّده موقع “أكسيوس” بعد ساعات على الهجوم الإسرائيليّ. فقد نقل الموقع عن مصادر وصفها بالـ”مطّلعة” أنّ الإسرائيليين استبقوا الهجوم برسالة إلى الإيرانيين نقلتها عدّة “أطراف ثالثة” وحدّدوا فيها مسبقاً “ما الذي سيهاجمونه بشكل عامّ، وما الذي لن يهاجموه”. ومن الواضح أنّ “الرسالة الإسرائيليّة كانت محاولة للحدّ من تبادل الهجمات المستمرّ بين إسرائيل وإيران، ومنع تصعيد أوسع”، بحسب الموقع الأميركيّ “أكسيوس”.

4- أكّد الهجوم الإسرائيليّ، الذي لن يُلزم إيران بالردّ، أنّ إسرائيل تخشى أيّ هجوم إيراني آخر. على خلاف ما يقول بعض المحلّلين، وما اعتقده البعض، فقد ثبت أنّ إيران قادرة على استهداف إسرائيل وإيلامها بواسطة منظومة الصواريخ البالستيّة والمسيّرات. وإسرائيل تريد تفادي ردّ كهذا. وهذا ما أدركه القادة العسكريون في تل أبيب، خاصّة بعد الهجوم الإيرانيّ الأخير الذي أطلقت فيه طهران ما يُقارب 180 صاروخاً بالستيّاً ومسيّرة، أي أكثر ممّا أطلقته في هجوم 13 نيسان (حينها أطلقت 120). يؤكّد بعض الخبراء أنّ إيران قادرة على رفع هذه النسبة إلى 300، وهو ما سيفوق قدرة منظومة القبّة الحديديّة ومقلاع داوود على الاعتراض. لذلك قامت الولايات المتّحدة الأميركيّة بنشر منظومة صواريخ “ثاد” المضادّة للصواريخ قبل الهجوم الإسرائيليّ.

على مدى أربعة أسابيع خاضت الدولتان، إسرائيل وإيران، حرباً إعلاميّة وحرب أعصاب كبيرة. إسرائيل توعّدت بهجوم كبير على الردّ الإيراني

المواجهة في لبنان

أكّد الهجوم الإسرائيليّ أيضاً أنّ المواجهة بين إسرائيل وإيران ستستمرّ في لبنان، بعدما اقتربت الحرب في غزّة من بلوغ خواتيمها الدمويّة والكارثيّة. وهي مواجهة مباشرة بين القوات الإسرائيليّة وقادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ. فقد تكلّمت تقارير استخباريّة ودبلوماسيّة عن وجود ضبّاط من الحرس الثوريّ الإيرانيّ في لبنان. وهم من عملوا على إعادة تنظيم القيادة العسكريّة في الحزب. وربّما هم من يقودون عمليّاته العسكريّة. وما يعزّز فرضيّة هذه التقارير غياب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني عن المشهد في إيران بعد الردّ الإيرانيّ على إسرائيل. ثمّ ظهوره في تشييع القائد في “فيلق القدس” عباس نيلفروشان في طهران. تقرير نشر في “أساس” يفيد بأنّ قاآني كان في لبنان لعدّة أيام قام خلالها بإعادة تنظيم القيادة العسكريّة للحزب، وربّما من خلال ضبّاط في الحرس الثوريّ الإيرانيّ. وأضافت التقارير أنّ إيران نجحت في تمويه وجود قاآني في لبنان وتنقّله في مواقع عسكريّة تابعة للحزب في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، وربّما في مواقع عسكريّة في الجنوب.

مواجهة طويلة ومؤلمة

ستكون المواجهة في لبنان طويلة ومؤلمة لكلا الطرفين. وهنا لا بدّ من قراءة هادئة للحرب الحامية في الداخل وعند الحدود:

1- إنّ معارك الكرّ والفرّ التي تدور في البلدات الحدوديّة في جنوب لبنان تؤكّد أنّ “الحزب” استعاد السيطرة على الإمرة والقيادة. عناصره يخوضون مواجهة عسكريّة شرسة على الأرض ضدّ القوات الإسرائيليّة، ويوقعون بها خسائر بشريّة، ويدمّرون دبابات الميركافا، فخر الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة.

إقرأ أيضاً: لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى “البريكس”؟

2- إنّ تدمير إسرائيل لكلّ مراكز القرض الحسن التابع للحزب، واستهداف الهيئة الصحّيّة أيضاً التابعة للحزب، واستهداف إعلاميين عاملين في قناتَي الميادين والمنار، تؤكّد أنّ إسرائيل مصمّمة على تدمير كلّ البنى التحتيّة للحزب العسكريّة واللوجستيّة والماليّة والصحّيّة والإعلاميّة، وربّما فيما بعد السياسيّة!

يستمرّ لبنان ساحة حرب بين قوى إقليميّة. لكن ستكون هذه المرّة حرباً مدمّرة أكثر من أيّ حرب أخرى. إنّها “نكبة”، ليس فقط للحزب وبيئته، إنّما للبنان بأكمله.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…