يصل المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين إلى تل أبيب خلال ساعات حاملاً معه بنود “التّفاهم” حول آلية تطبيق قرار مجلس الأمن الدّوليّ 1701. يسود التّرقّب لموقف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو حول مبادرة وقف إطلاق النّار مع لبنان، بالتّوازي مع مقترحٍ مصريٍّ لعمليّة تبادلٍ محدودة للأسرى مقابل هدنة أسابيع في قطاع غزّة. إذ أعطت زيارة وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن للمنطقة دفعاً لـ”محاور” المفاوضات، حيث بدأت المحرّكات القطريّة – المصريّة – الفرنسيّة بالتّحرّك على أكثر من اتّجاه.
قبل وصول هوكستين إلى تل أبيب، وبدءِ جولة المفاوضات في العاصمة القطريّة بشأن غزّة، كانَت الطّائرات الإسرائيليّة تُنفّذ هجوماً بأكثر من 100 طائرة حربيّة على إيران، كان مفعولها السّياسيّ – العسكريّ يُشبه خرقَ جدار الصّوتِ فوق أيّ مدينةٍ لبنانيّة، فكانَ الهجوم بمنزلة صفّارة النّهاية للأخذ والرّد الإيراني – الإسرائيليّ.
وسط التّرقّب، خرجَ موقف لافت للقيادة العسكريّة الإسرائيليّة التي تحدّثت عن إمكانيّة إعلان الانتهاء من العمليّات البرّيّة على حدود لبنان بعد أسبوع أو أسبوعيْن، قبل ساعات من ضرب إيران. فماذا يحمل هوكستين إلى تل أبيب؟
يقول مصدر دبلوماسيّ عربيّ لـ”أساس” إنّ المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين يُظهر تفاؤلاً حذراً حول إمكانيّة التّوصّل لاتفاقٍ لوقف إطلاق النّار بين إسرائيل والحزب في لبنان. مردّ حذر هوكستين هو ترقّب موقف رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو الذي أطلقَ تصريحاتٍ ناريّة قبل أيّام لوسائل إعلام فرنسيّة اعتبر خلالها أنّ وقف إطلاق النّار في لبنان هو “حلم”.
لكنّ المصدر يقول إنّ تصريحات نتنياهو كانت موجّهة للمؤتمر الفرنسيّ لدعم لبنان، وإنّ المواقف العالية تهدف للتشويش على دور فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون بعد تصاعد التّوتّر بين باريس وتل أبيب حول الحربِ الإسرائيليّة على لبنان.
بحسب المعلومات، فإنّ لبنان لم يرفض هذه الورقة. لكنّ الوسطاء يترقّبون الموقف الإسرائيليّ الذي سيستطلعه هوكستين في تل أبيب بعد ساعات
ورقة هوكستين: 11 نقطة
يحملُ هوكستين في جعبته ورقةً لآليّة التفاهم حولَ تطبيق القرار 1701. إذ إنّ الإدارة الأميركيّة حسمت أمرها بأنّ القرار الأمميّ هو المخرج الوحيد والممرّ الإلزامي لوقف إطلاق النّار في لبنان. وقد صرّح وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن أنّه ينبغي تطبيق القرار الصّادر في آب 2006. وكذلكَ فعل هوكستين الذي قال إنّ لبنان وإسرائيل لم يُطبّقا القرار وإن أعلنا التزامهما به. وهو ما يعني أنّ مهمّته اليوم أساسها تحويل الالتزام إلى تطبيق ورقة التفاهم التي يحملها وتضمّ بحسب المصدر الآتي:
1- 1701 تبدأ هدنة لمدّة 21 يوماً، إفساحاً في المجال للبدءِ بتطبيق القرار.
2- وقف الأعمال العدائيّة بين إسرائيل والحزبِ وأيّ فصيل مُسلّح آخر. يتضمّن ذلك كلّ أشكال الأعمال الحربيّة من الطّلعات الجويّة الإسرائيليّة وقصف الصّواريخ والمسيّرات من قبل الحزب.
3- ينسحبُ الحزبُ بسلاحه وعتاده من منطقة جنوب نهر الليطانيّ إلى شمال النّهر.
4- تنسحبُ إسرائيل إلى وراء خطّ الانسحاب عام 2000 (الخطّ الأزرق).
5- تعزيز وجود الجيش اللبنانيّ في منطقة جنوب نهر الليطاني بـ8,000 جنديّ.
6- الدّعوة إلى مؤتمر دوليّ لدعم الجيش اللبنانيّ بالعتاد والتمويل والتدريب لإنجاز المهمّة.
7- تشكيل لجنة أميركيّة – فرنسيّة – بريطانيّة – ألمانيّة، ويُمكن إضافة دول أخرى إليها، مهمّتها مراقبة آليّة التطبيق، خصوصاً لجهة انسحاب الحزبِ إلى شمال الليطانيّ وانسحاب إسرائيل خلف الخطّ الأزرق.
8- العمل على إيجاد آليّة قانونيّة تتيح لقوّات الطوارئ الدّوليّة (اليونيفيل) العمل بحرّيّة في منطقة جنوب نهر الليطانيّ، وذلكَ بالتنسيق مع الجيش اللبنانيّ، في حال تبيّن وجود أيّ منشأة أو مبنى يُشتبه بخرقه القرار الأمميّ.
9- تعزيز الرّقابة من قبل الجيش اللبنانيّ في مطار رفيق الحريري الدّوليّ والمعابر الحدوديّة الرّسميّة بين لبنان وسوريا وفي مرفأ بيروت. وتزويد هذه المرافق بالتقنيّات المطلوبة لمنع استخدامها لتهريب السّلاح إلى لبنان.
يقول مصدر دبلوماسيّ عربيّ لـ”أساس” إنّ المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين يُظهر تفاؤلاً حذراً حول إمكانيّة التّوصّل لاتفاقٍ لوقف إطلاق النّار
10- العمل على إغلاق معابر التّهريب البرّيّة بين لبنان وسوريا.
11- إطلاق مفاوضات تثبيت الحدود البرّيّة بين لبنان وإسرائيل وإقفال الملفّ بشكلٍ نهائيّ، خصوصاً ما يتعلّق بنقطة الـB1 ومنطقة جبل عديسة (تلّة مسكاف عام)، عبر تنازل لبنان لإسرائيل عن المنطقة مقابل أراضٍ تتنازل عنها إسرائيل للبنان في مناطق أخرى.
هل يوافق نتنياهو… والقطريّ إلى بيروت؟
بحسب المعلومات، فإنّ لبنان لم يرفض هذه الورقة. لكنّ الوسطاء يترقّبون الموقف الإسرائيليّ الذي سيستطلعه هوكستين في تل أبيب بعد ساعات. والمؤشّرات السّياسيّة تشير إلى أنّ تل أبيب قد لا تُمانع التفاهم إذا ما كانَ يضمن ابتعاد الحزبِ عن حدودها. وذلكَ بعدما نجحت إسرائيل في اغتيال قيادته العسكريّة والسّياسيّة، وتفجيرها لعدد كبير من الأنفاق الهجوميّة على الحدود، ومصادرة عدد كبير من الأسلحة.
في هذا الإطار كانَ لافتاً الموقف الذي صدَرَ عن رئيس الأركان هرتسي هاليفي بأنّ الجيش الإسرائيليّ اقتربَ من إنجاز مهمّته في الجنوب، وما نقلته هيئة البثّ الإسرائيليّة عن مسؤولين رفيعين في الجيش تقديرهم أنّ العمليّات البرّيّة قد تنتهي خلال أسبوع أو أسبوعيْن.
تكشف معلومات “أساس” أنّه في حال لمسَ هوكستين إيجابيّة جدّيّة من نتنياهو، فإنّ رئيس الاستخبارات الفرنسيّة نيكولا ليرنر ورئيس جهاز أمن الدّولة القطريّ عبدالله الخليفي سيتوجّهان إلى بيروت لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النّار.
مفاوضات الدّوحة.. توازياً مع لبنان
توازياً مع الجهود الرّامية لوقف إطلاق النّار في لبنان، عادَت المُحرّكات السّياسيّة للعمل على خطّ صفقة التبادل في قطاع غزّة. تعتقد واشنطن أنّ اغتيال الأمين العام للحزب ورئيس المكتب السّياسيّ لحركة “حماس” يحيى السّنوار. يتيحُ العمل مجدّداً نحو إتمام صفقة تبادلٍ في غزّة.
كشفَ موقع “أكسيوس” أنّ رئيس الموساد ديفيد برنياع سيتوجّه اليوم الأحد إلى العاصمة القطريّة للقاء رئيس الوزراء القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني ونظيريْه الأميركيّ والمصريّ وليام بيرنز وحسن محمود رشاد. وتأتي هذه الخطوة بعد زيارة بلينكن لتل أبيب والدّوحة.
يحملُ هوكستين في جعبته ورقةً لآليّة التفاهم حولَ تطبيق القرار 1701. إذ إنّ الإدارة الأميركيّة حسمت أمرها بأنّ القرار الأمميّ هو المخرج الوحيد
بحسب معلومات “أساس” فإنّ المقترح المصريّ – الأميركيّ يتضمّن الآتي:
– هدنة قصيرة الأجل من أسبوع إلى 6 أسابيع، عادت وعُدِّلَت إلى 3 أسابيع بعد معارضة جهاز الأمن العامّ الإسرائيليّ.
– الإفراج عن 4 إلى 7 أسرى إسرائيليين في المرحلة الأولى.
– سحب الآليّات الإسرائيليّة من وسط وجنوب قطاع غزّة إفساحاً في المجال لحصر حركتَيْ “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ” عدد الأسرى الباقين على قيد الحياة في القطاع. وتتضمّن هذه الخطوة أيضاً وقف الطّلعات الجويّة الاستطلاعيّة فوق القطاع لـ8 ساعات يوميّاً.
– إطلاق مفاوضات أوسع لإتمام صفقةٍ شاملة تتضمّن انسحاب إسرائيل من القطاع ومن محور فيلادلفيا (صلاح الدّين).
مصر وافقت على ترتيب “فيلادلفيا”
بحسب مصادر “أساس” فإنّ رئيس الاستخبارات المصريّة الجديد حسن محمود رشاد أبلغَ رئيس “الشّاباك” الإسرائيلي رونين بار الذي زارَ القاهرة الأحد الماضي أنّ مصر لا تزال تصرّ على انسحاب إسرائيل بشكلٍ كاملٍ من محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
إقرأ أيضاً: الـ1701: تعديلات… واسم الدّلع “آليّة تنفيذيّة”؟
لم تغِب هذه المسألة عن زيارة بلينكن الأخيرة لتل أبيب والدّوحة، فاقتَرَح نشرَ قوّات دوليّة مؤقّتة على الحدود المصريّة مع قطاع غزّة، على أن تُسلِّم في وقت لاحق المعبر ومحور فيلادلفيا لقوّات فلسطينيّة تُدرّبها الولايات المتحدة ودول عربيّة. وبحسب مصادر “أساس” فإنّ القاهرة لم تمانع المقترح الأميركيّ ما دام يتضمّن انسحاب إسرائيل من منطقة الحدود.
هكذا تسير المفاوضات بشكلٍ متوازٍ في لبنان وغزّة. لكنّ مفتاح الحلّ وزرّ التفجير لهذه الجهود عندَ رجلٍ واحدٍ يترقّب الشّرق الأوسط برمّته موقفه من كلّ ما هو مطروح على الطّاولات اليوم. وهو بنيامين نتنياهو. فهل يأذن ببدءِ المفاوضات؟ أم يقلب الطّاولات جرياً على عادته منذ تشرين الثّاني 2023 وصولاً إلى اليوم؟
لمتابعة الكاتب على X: