هل هناك عصر إسرائيلي مقبل؟ لا يبدو ذلك صحيحاً على الرغم من تأكيدات نتنياهو. فالقضية الفلسطينية هي همٌّ عالمي وليست همّاً عربيّاً وحسب. أمّا الميليشيات الإيرانية في الدول العربية فتحتاج إلى مفاوضات عربية ودولية. وتبدو إيران قابلةً لذلك… الآن على الأقلّ.
يجد الإسرائيليون دائماً أسباباً لاستمرار الحرب أو لتوسيعها. وآخِر تلك الأسباب استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصاروخ. الإسرائيليون اتّهموا إِيران ليزيدوا من علل الردّ المرتقب عليها. والطريف أنّ الإيرانيين اهتمّوا مراراً وتكراراً بالقول إنّهم ليسوا مسؤولين عن الهجوم وإنّما المسؤول هو الحزب وحده!
عندما قتل الجيش الإسرائيلي يحيى السنوار بعد الأمين العام للحزب، قالت عدّة أطراف إنّه ما دام “الانتصار” الإسرائيلي بذلك قد تحقّق فليكن التوجّه لوقف القتال في لبنان وفي غزة. لكنّ نتنياهو يريد الآن تصعيد القتال في لبنان، وتسريع الردّ على إيران في إيران.
يجد الإسرائيليون دائماً أسباباً لاستمرار الحرب أو لتوسيعها. وآخِر تلك الأسباب استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصاروخ
لا يهتمّ المسؤولون العرب والدوليون بوقف النار خشيةً على المدنيين وعلى مصائر المجتمعات والدول. بل يخافون لأنّ نتنياهو يقول لهم إنّه سيغيّر مصائر المنطقة لأجيالٍ مقبلة ومن حقّهم أن يخافوا.
إنّما بالفعل من هو المسؤول عمّا حصل؟ وكيف الإفادة من دروس التجربة الفظيعة، وبالتالي منع الدخول في “العصر الإسرائيلي” الذي يريده نتنياهو أن يستمرّ لعدّة أجيال؟ لكنْ هناك من يقول إنّه لا تساؤل أولى من وقف النار بأيّ ثمن. أمّا الأسئلة الأخرى فتستطيع الانتظار لحين حصول السكون (وليس السكينة) بعد العاصفة المدمّرة.
هل تتخلّى إيران عن الحزب؟
الذين أثاروا العاصفة أو أعطوا الفرصة لإسرائيل للتدمير هم حماس والحزب. وقد تضرّروا ضرراً كبيراً جرّاء ذلك. لكنّ الضرر الذي نزل بهم على ضخامته، لا يقاس بما أصاب المدنيين وأصاب العمران وأصاب الأمن بالمنطقة. والإسرائيليون يزعمون أنّ همّهم صَون مدنيّيهم وإعادة مهجّريهم إلى مساكنهم. أمّا حركات “المقاومة”، كما تسمّي نفسها، فآخِر ما فكرّت فيه عندما قامت بهجماتها هو حفظ مدنيّيها وبيئاتها الحاضنة. وحتى يوم أمس كان الإسرائيليون والأميركيون يعيّرون الحزب بأنّه يضع مراكزه العسكرية وسط مساكن المدنيين.
لا حدود للتداعيات التي يمكن توقّعها أو عدم توقّعها. أوّل التداعيات أو التوقّعات هو ما يحدث لهذه الجبهات التي أقامتها إيران ليس في لبنان فقط وإلى حدٍّ ما في غزة، لكن أيضاً في سورية والعراق واليمن.
يريد الإيرانيون وقاية العراق وهو خلفيّتهم الاستراتيجية، إنّما لا يعرف أحد بالتأكيد نواياهم تجاه لبنان وسورية واليمن
يريد الإيرانيون وقاية العراق وهو خلفيّتهم الاستراتيجية، إنّما لا يعرف أحد بالتأكيد نواياهم تجاه لبنان وسورية واليمن. وإذا كان قاليباف يريد التفاوض على وقف حرب الحزب، فهل يعني ذلك تخلّي إيران عن اعتبار الحزب درعاً واقياً عنها، وكذلك الحوثيون؟
الحزب وحماس يتحرّشان بإسرائيل منذ مدّة. لكنّ المغامرة الأخيرة هي التي تسبّبت في الحرب الشعواء على مراكزهم التسلّحية والاستخبارية. فمن الذي يعلّق الجرس أو يمكّن إدارات الدول من استعادة القوام حتى لا نقول السيادة؟!
إنّ حرب الأجيال الإسرائيلية يعني تحوُّل المنطقة إلى الوقوع في أسر العصر الإسرائيلي، وهو ليس تعبيراً مجازياً لأنّه صارت هناك قضيّتان بدلاً من قضية واحدة، الأولى القضية الفلسطينية التي ازدادت ابتعاداً عن الحلّ، والثانية استعادة الدول من الميليشيات.
أمّا القضية الفلسطينية فالعرب والدوليون معنيّون بها، وبشأنها لا بدّ من الحديث بالطبع مع الإسرائيليين. والعقبة هنا عقبتان: الرفض الإسرائيلي، والدور المستجدّ للميليشيات المسلّحة. وعلى الرغم من قسوة الضرب الإسرائيلي فإنّ “الكفاح المسلّح” لن يزيله غير الفلسطينيين أنفسهم. ويساعدهم في ذلك العرب مع توافر بعض الثقة بإمكانات الحلّ الدولي. الحلّ الممكن للقضية الفلسطينية صعب، لكنْ ليس الفلسطينيون أو العرب معنيّين به وحدهم، ومن هنا يبقى الأمل الذي لا شفاء منه.
الحزب وحماس يتحرّشان بإسرائيل منذ مدّة. لكنّ المغامرة الأخيرة هي التي تسبّبت في الحرب الشعواء على مراكزهم التسلّحية والاستخبارية
التّفاوض مع إيران.. لأنّ ضربات إسرائيل لا تكفي
القضية الثانية: استعادة الدول من الميليشيات في لبنان وسورية واليمن. وهناك ميليشيات في ليبيا والسودان وحتى الصومال، لكنّ إيران ليست مسؤولةً عنها. ينادي الإسرائيليون اللبنانيّين: جئنا لنحرّركم من سطوة إيران. وبالطبع هذا ليس صحيحاً، مع أنّ إسرائيل أقنعت أخيراً الأميركيين والأوروبيين بأنّ إيران خطر على الكيان بالفعل. إنّ الصحيح أنّ التحرّر من الميليشيات الإيرانية في الدول العربية لن يحدث من خلال الضربات الإسرائيلية مهما بلغ عمقها وامتدادها، بل لا بدّ من مفاوضات مع إيران بمساعدة دولية. ما عاد من مصلحة أحد في المنطقة والعالم هذا الانتشار الإيراني، وهذا الاختراق الانقساميّ للمجتمعات العربية.
لن يكون هناك عصر إسرائيلي في الشرق الأوسط أو المشرق العربي. وهو عصر لا يريده العرب ولا الأتراك ولا الإيرانيون ولا الدوليون.
بيد أنّ المشرق العربي لا يحتاج فقط إلى المعاونة كما سبق أن ذكرنا. بل هو محتاج على الدوام إلى دول الخليج العربي في المتابعة السياسية والدبلوماسية وفي عمليات إعادة الإعمار والاستقرار السياسي.
إقرأ أيضاً: هل ينقذ النأي بالنفس رأس سوريا من العاصفة؟
لا يحبّ أحد مقارنة التدخّل الإيراني بالتدخّل الإسرائيلي. لكنّ الواقع أنّ الحلّ في فلسطين، والحلّ في استعادة الدول لسيادتها، يُظهران الحاجة إلى التواصل ولو بالواسطة مع إسرائيل (في الحلّ بفلسطين) كما مع إيران (في دول المشرق واليمن).
لمتابعة الكاتب على X: