بدعم أممي كبير بخاصة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية. تستضيف فرنسا في العاصمة باريس يوم 24 تشرين الأول الجاري مؤتمر دعم لبنان 2024. محاولة فرنسية جديدة للدخول بشكل جدّي وفعال إلى الملف اللبناني يتزامن مع اشتباك فرنسي إسرائيلي غير مسبوق بين الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فهل تنجح فرنسا هذه المرة على عكس كل المحاولات السابقة؟
هدف المؤتمر
يهدف المؤتمر إلى دعم لبنان الدولة والشعب والسكّان، وتظليل سيادة السلطات. إذ تعمل الإدارة الفرنسية على مزيد من التعبئة الدولية التي تقوم على جمهرة ممثّلي كلّ الدول، في محاولة لجمع أكبر مروحة تمثيلية صديقة وشريكة ممكنة للبنان عبر مظلّة خاصة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى فريق موثوق جداً من المنظّمات الدولية الإقليمية وأجهزة المجتمع المدني.
يشدّد اللقاء على تحقيق الحماية والإغاثة المباشرة للمدنيين، ومراعاة الإجراءات الطارئة، والاتّفاق على كيفية دعم المؤسّسات اللبنانية الرسمية والشرعية، وتأتي قي مقدَّمها المؤسّسة العسكرية وما في كنفها من مؤسّسات أمنيّة حكومية.
يركّز مؤتمر الدعم على ضرورة المساعدة الملحّة للبنان لمواجهة الوضع الإنساني اللبناني المقلق، كما يشدّد على ضرورة المحافظة على الجسر الجوّي مع لبنان وعدم السماح بتعطيله وعرقلته، وعلى ضرورة ضمان استمرارية سلاسل التوريد والمساعدات اليومية لبيروت. تنقسم هذه الضرورة الملحّة بدورها إلى ثلاثة أجزاء:
– الجزء الأوّل: المساعدات الصحّية الملحّة، ودعم القطاعات الطبّي والاستشفائي والدوائي، وإمدادها بكلّ ما يعتبر حاجة إلزامية.
– الجزء الثاني: يتمثّل في وجوب متابعة الحفاظ على مستوى التمويل المناسب في لبنان لجهة منتجات الطوارئ اليومية الغذائية، وأحقّية تسهيل المرور الجوّي والبحري لكلّ الشحنات التي تحتوي على السلع التي تدخل في الأمن القومي المجتمعي، سواء الحبوب أو القمح أو الطاقة.
– الجزء الثالت: النازحون. تسعى الإدارة الفرنسية إلى الحثّ على حمايتهم ومساعدتهم وتخفيف معاناتهم، توازياً مع مساعدة المجتمع المضيف لهم أيضاً.
يركّز مؤتمر الدعم على ضرورة المساعدة الملحّة للبنان لمواجهة الوضع الإنساني المقلق، كما يشدّد على ضرورة المحافظة على الجسر الجوّي مع لبنان
يحشد المؤتمر لمساعدة لبنان على تخطّي الأزمة عبر مرحلتين:
– الأولى: سيُسيّر خلالها جسر أمميّ صديق إلى لبنان لتقديم المساعدات الاجتماعية الشاملة والإنسانية والصحّية والغذائية. سيواكب الجسر الإنساني سير العمليات الدبلوماسية الدولية بين دول أطراف النزاع والمؤثرين عليهم. يتجلّى هذا في حال عدم التوصّل إلى قرار بوقف إطلاق النار. سيجهد أيضاً في عدم تثبيط آليّات وخطوات الحراك الأممي في أروقة منظّمة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث سيتحوّل حينها إلى كتلة مؤازرة دولية وخليّة مساعدة رديفة للتوصّل إلى صيغة لوقف إطلاق النار.
– الثانية: تتجلّى هذه المرحلة في حال التوصّل إلى قرار وقف الحرب والعمليات العدائية، حيث سيصبح داعماً ومساعداً للبنان في تشكيل السلطة، وتحديد أولويّات اليوم التالي على الأرض الواقعية، عبر تقديم الدعم وتعزيز سبل تغطية المؤسّسات الرسمية، وخاصة الحكومة السياسية والأمنيّة الرسمية والمشروعة، صاحبة الشرعية السياسية الوحيدة، ومركز بداية التسوية. تتبلور في مساندة الجيش اللبناني والمؤسّسات الأمنيّة التنفيذية، المنوطة بها مسألة الشرعية الأمنيّة اللبنانية الوحيدة. يعني ذلك صراحة الدفع ناحية معالجة الشغور في كرسي الرئاسة الأولى.
توليفة التّسوية الممكنة
تسعى فرنسا من خلال المؤتمر إلى اطلاق أولويّات التسوية من نقطة التوصّل إلى وقف إطلاق نار، وإيقاف المشهدية المتحاربة عبر تكثيف وفتح مجال القنوات الدبلوماسية القائمة على القرار 1701 الذي يعتبر المدخل الأساس لأيّ حلّ، وتشاركه ضمناً كلّ القرارات التي يحتويها والملحقة به، وصولاً في التصاعد الزمني إلى اتفاقية الهدنة 1949.
تهتمّ الإدارة الفرنسية بضرورة بلوغ التسوية في لبنان سريعاً، وإعادة الاستقرار من جديد. وتسعى دبلوماسية الإليزيه مع مختلف الدول الصديقة لإيجاد المخرج العمليّ الناجع المؤدّي إلى تنفيذ القرارات الصادرة في السابق. فرضت من قبل مرحلةً من السلم والهدوء المهمَّين على الحدود الجنوبية اللبنانية طوال فترة الـ18 سنة الماضية منذ نهاية حرب تموز 2006، وساعدت في التوصّل إلى اتّفاق الترسيم البحري في تشرين الأوّل من عام 2022.
تسعى فرنسا من خلال المؤتمر إلى اطلاق أولويّات التسوية من نقطة التوصّل إلى وقف إطلاق نار، وإيقاف المشهدية المتحاربة
تركّز فرنسا على توليفة قانونية شاملة، مدمجة ببنود، ومنظّمة من آليّات كلّ القرارات الدولية الصادرة آنفاً. أصبح لهذه القرارات خطّ سير ومقياس تدرّجي ضمن الحدّين الأدنى والأقصى. يتألّف الخطّ من طرفين، الأوّل هو اتفاقية الهدنة 1949 والثاني القرار 1701 المعبر الأصلي إلى سلّم التسوية. تلعب على الخطّ فيما بينهما القرارات الدولية الباقية، وأهمّها القراران 1559 و1680. تعكس هذه القرارات بشكل واقعي مرآة الدستور اللبناني، واتفاق الطائف المنادي بضرورة بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، وتعميم صلاحيّة المؤسّسات اللبنانية الرسمية السياسية والمدنية والعسكرية على كلّ التراب اللبناني.
يُدرس في هذا الشأن أفكار حول مسألة تقديم الدعم الوقائي الإضافي غير اللوجستي إلى اليونيفيل لكي تكون قادرة على مساعدة القوات العسكرية اللبنانية في المهامّ المستقبلية غير الأمنيّة، من ناحية إدارية وتنظيمية فقط وغير استفزازية، لا تؤدّي حتماً إلى تلبّك مجتمعي، ودون تبديل في مهامّها الأصلية المتمثّلة في كونها قوّات سلام.
إقرأ أيضاً: فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟
يتمّ العمل على إيجاد حلّ شامل، وهذا ليس أمراً سهلاً بتاتاً. يبدأ من وقف العدوان وكسر مشهديّة الحرب، ثمّ الانتقال إلى اليوم التالي، والمباشرة في مشروع إعادة تكوين السلطة، وتعتبر الإدارة الفرنسية أنّ نقطة الانطلاقة الأساسية تكون عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومية إصلاحية تحاكي الظروف، مع أولوية مسألة وقف إطلاق النار الدائم. أفكار فرنسية تقدّم بغطاء دولي عبر مؤتمر دعم لبنان في باريس. فهل تتخلّص الإدارة الفرنسية من عقدة مراوحة الحركة “البلا بركة”؟ وهل تنجح في تنفيذ أفكارها في حلّ الأزمة اللبنانية عمليّاً؟
لمتابعة الكاتب على X: