الأردن على خطّ وقف إطلاق النّار… والفرنسيّون متمسّكون بـ1701

مدة القراءة 5 د

هو الدوران في حلقة مفرغة. الأعمال العسكرية في شقّيها، اللبناني والإسرائيلي، تتصدّر المشهد وتتحكّم بمفاتيح اللعبة ومعادلتها. أمّا الكلام في السياسة فلا يعدو كونه محاولة بائسة لملء الفراغ القاتل.

 

لم يخرج كلام نائب الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم عن السياق المفاجىء. الأولوية هي لمخاطبة الجمهور والبيئة الحاضنة لطمأنتها إلى أنّ الحزب لم ينهَر ولم يسقط بضربة قاضية. صحيح أنّه تلقّى الكثير من الضربات المؤلمة، لكنّه استعاد المبادرة وقادر على الصمود. وهنا جوهر الرسالة الثانية التي أراد قاسم تمريرها ومفادها أنّ الحزب ليس في وارد الاستسلام أو التراجع، بل هو يعمل على رفع وتيرة ونوعية استهدافاته. أمّا الجانب الثالث من الإطلالة، الذي يختصرها، فيتّصل بطلب وقف إطلاق النار، الذي لا يزال صعب المنال.

عاد قاسم وكرّر من جديد طلب وقف إطلاق النار، لكنّه هذه المرّة لم يغفل ذكر غزة وفلسطين في كلامه، معتبراً أنّه “لا يمكن أن نفصل لبنان عن فلسطين ولا المنطقة عن فلسطين”، مشيراً إلى أنّ “مساندتنا للفلسطينيين مساندة للحقّ لأنّهم أصحاب حقّ”، مضيفاً: “نساند الفلسطينيين لندفع الخطر عنهم ومنعاً لتوسّع إسرائيل”. لكنّ التجارب بيّنت أنّ إسرائيل التي رفضت منح وقف لإطلاق النار في غزة، حين كان الحزب بكامل لياقته العسكرية، لن تمنحه اليوم بعدما عرّضته لأكثر من ضربة مؤلمة، بل تدلّ التطوّرات على أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ماضٍ في مشروعه التدميري، إمّا لتنفيذه بالكامل، وإمّا لحين يقتنع أنّه بلغ طريقاً مسدوداً وصار لا بدّ من العودة إلى التفاهمات السياسية.

مبادرة أردنيّة

لهذا يبدو الحراك الحاصل من خلف الحدود، في محاولة لإحداث خرق ما، غير ذي جدوى. ثمّة الكثير من الكلام عن محاولات لإصدار قرار عن مجلس الأمن، لكنّه لا يزال ضمن إطار التمنّيات، ومحاولات الحفاظ على ماء الوجه لا أكثر.

يتبيّن وفق مصادر دبلوماسية أنّ الفرنسيين، وهم أكثر المنخرطين في الملفّ اللبناني وأكثر العاملين على تهدئة الوضع العسكري

لقد تبيّن أنّ زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للأردن تأتي في سياق الجهود التي تقوم بها المملكة الهاشمية مع الإدارة الأميركية لتليين موقف الأخيرة في مجلس الأمن للحؤول دون لجوئها إلى فيتو يمنع إصدار قرار يوقف الأعمال العسكرية. هذا مع العلم أنّ بعض الكواليس الدبلوماسية تحدّثت خلال الساعات الماضية عن مبادرة عربية – أوروبية لمعالجة الأزمة اللبنانية انطلاقاً من وقف إطلاق النار. ولكن فعليّاً تبدو إسرائيل في وادٍ، وكامل المجتمع الدولي (باستثناء واشنطن) في وادٍ آخر، وقد عاودت آلة الحرب تركيزها على الضاحية الجنوبية بعد هدوء استمرّ لبضعة أيام بفعل الضغط الأميركي فيما يشهد الجنوب أسوأ أيّامه ولياليه.

إذاً لا جديد تحت سماء وقف إطلاق النار. الكلمة للميدان، ولو أنّ الكواليس الدولية تشهد حراكاً خجولاً في محاولة لصياغة سيناريوهات لليوم التالي، الذي لا يزال بعيداً نسبيّاً. ولكن إلى الآن، الصدارة هي للقرار 1701 الذي تتمسّك به القوى اللبنانية، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن خلفه الحزب ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ليكون ركيزة المرحلة المقبلة، ولو أنّه يحمل في مندرجاته القرار 1559 الذي أعادت إحياءه المعارضة من باب المطالبة بتطبيقه.

وقف اطلاق النار

إلى الآن أيضاً، يتبيّن وفق مصادر دبلوماسية أنّ الفرنسيين، وهم أكثر المنخرطين في الملفّ اللبناني وأكثر العاملين على تهدئة الوضع العسكري والبحث عن أطر دولية موائمة، متمسّكون بالقرار 1701 ولا يرون بديلاً عنه في رعاية المرحلة المقبلة.

تراجع الرّئاسة

في هذه الأثناء، تراجع الاهتمام نسبياً بالاستحقاق الرئاسي بعدما أقفل الحزب الباب على كلّ نقاش سياسي، حاصراً الأولوية بوقف إطلاق النار، فيما يبدو أنّ الرئيس بري راح يتفرّج عن بُعد وقد تراجع خطوتين إلى الوراء بعد الاندفاعة التي أظهرها خلال اللقاء الثلاثي الذي جمعه مع ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

 لا جديد تحت سماء وقف إطلاق النار. الكلمة للميدان، ولو أنّ الكواليس الدولية تشهد حراكاً خجولاً في محاولة لصياغة سيناريوهات لليوم التالي

هكذا يمكن الإشارة إلى أنّ الاستحقاق الرئاسي محكوم بمسارَيْن غير متوازيَين في الثقل:

1- مسار أميركي بامتياز يقضي بتمرير الرئاسة تحت النار وكأنّها محاولة للهروب من رفض الإدارة الأميركية لفرض وقفٍ لإطلاق النار وتهريب الرئاسة تحت وطأة التدمير الممنهج والقتل الجماعي للّبنانيين، لكنّ هذا المسار مطوّق برفض الحزب وممانعة رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل لأنّ المرشّح المقصود بهذا المسار هو قائد الجيش جوزف عون.

إقرأ أيضاً: تطمينات أميركيّة بخفض الضّربات على الضّاحية!

2- مسار لبناني يهندسه جبران باسيل مع الرئيس بري على قاعدة انتخاب رئيس مقبول من الحزب، والمقصود أحد مرشّحي المسار العميد المتقاعد جورج خوري، لكنّه غير محصّن دولياً، كما أنه مرفوض من “القوات”، ذلك لأنّ رئيس الحزب سمير جعجع قفز إلى الأمام من خلال شطب كلّ الترشيحات الوسطية، وبات يتصرّف على قاعدة إمّا هو وإمّا سليمان فرنجية، وبينهما لم يُخرج العماد جوزف عون من السباق ولم يعطه كامل تأييده، تاركاً إيّاه معلّقاً بانتظار نضوج التسوية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@clairechakar

مواضيع ذات صلة

الجيش “جاهز”… من دون مال ولا عتاد!

للمرّة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي الجوّي على لبنان في 23 أيلول وبدء ما وصفه العدوّ بـ “عمليّة توغّل بريّة محدودة وموضعيّة ومحدّدة الهدف” في…

“تفريغ” الجنوب حتى الأوّلي!

عَكَس التحذير الأميركي المُتجدّد للرعايا الأميركيين بمغادرة لبنان فوراً ووضع ما يُشبِه الـ deadline لعمليات الإجلاء مزيداً من الضغوط التي توحي بقرب خروج الواقع العسكري…

الغرب يُخيّر إيران.. الأذرع أم النّوويّ؟

كانت لافتة الدّعوات التي صدَرت عن برلمانيّين إيرانيين للمرشد علي خامنئي إلى تغيير العقيدة الدّفاعيّة لإيران والبدء بصنع قنبلةٍ نوويّة. تبيّن منذ ما بعد السّابع…

فوضى النازحين في بيروت… وبركان ديمغرافيّ في طرابلس

لم يعد بالإمكان التعامل مع ما يحصل في العاصمة بيروت من تجاوزات واعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة على أنّها مجرّد حوادث فردية، وليس عملاً تخريبياً…