عَكَس التحذير الأميركي المُتجدّد للرعايا الأميركيين بمغادرة لبنان فوراً ووضع ما يُشبِه الـ deadline لعمليات الإجلاء مزيداً من الضغوط التي توحي بقرب خروج الواقع العسكري عن السيطرة واحتمال تحوّل لبنان برمّته إلى أهدافٍ عسكرية كما هدّد بذلك رئيس وزراء العدوّ.
في ما يخصّ وضع مطار رفيق الحريري الدولي تؤكّد مصادر رسمية لـ “أساس” أنّ “الجداول لكلّ رحلات الميدل إيست، الوحيدة العاملة على أرض المطار، لا تزال كما هي ولم يطرأ عليها أيّ تغيير، ونراقب التطوّرات ونتصرّف على أساسها، كما أنّنا على تنسيق دائم مع عدّة دول مؤثّرة، فيما لا يزال المطار يستقبل على أرضه ملايين أطنان المساعدات عبر جسر جوّي محميّ دولياً حتى الآن ونرى فيه رسالة تتخطّى البعد الإنقاذي لتعكس انخراطاً واضحاً في المساندة التي قد يكون لها امتداد في مرحلة ما بعد الحرب”. تضيف المصادر: “المساعدات هي جزء أساسي من المواجهة في هذه الحرب المدمّرة، ونتمنّى أن تتوسّع أكثر لأنّ الحرب ستطول على الرغم من كلّ الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار، ونحن نتوقّع أن تمتدّ إلى ما بعد موعد الانتخابات الأميركية”.
عزّز مشهد القتل الجماعي للنازحين في بلدة أيطو الزغرتاويّة بعد سلسلة من الاستهدافات المماثلة في مناطق أخرى مخاوف كثيرين من حصول عمليات “نزوح” من أماكن إيواء إلى أماكن إيواء أخرى، إذ يعتمد العدوّ الإسرائيلي نهجاً في الإبادة طوّره بعد حرب تموز يقضي بملاحقة من يزعم أنّهم عناصر من الحزب في بيئات حاضنة لهم في المناطق كي يخلق شرخاً طائفياً ومذهبياً بين النازح والبلدة المضيفة.
عزّز مشهد القتل الجماعي للنازحين في بلدة أيطو الزغرتاويّة مخاوف كثيرين من حصول عمليات نزوح
مواجهة مؤامرة التّفجير من الدّاخل
تؤكّد مصادر وزارية لـ “أساس” رصد العديد من الإشكالات والتوتّرات على خلفية هذا الواقع، وتتدخّل القوى الأمنية لضبطها قدر الإمكان، إلا أنّ المؤكّد أنّ حالة الاحتضان الوطني لهذه الكتلة البشرية الهائلة وغير المسبوقة هي السِمة الطاغية على الرغم من كلّ شيء. فصحيح أنّ الغالبية العظمى من النازحين هم من الطائفة الشيعية، إلا أنّ مأساة النزوح تتشارك فيها كلّ الطوائف، وأكثر من ذلك هناك خطاب وطني استيعابي عامّ يتمّ رصده حتّى في بعض مواقع أخصام الحزب، وهو ما يُسهّل تحصين واقع النزوح من مؤامرة التفجير من الداخل التي تحاول إسرائيل تنفيذها.
موجات نزوح إضافيّة؟
تضيف المصادر: “تتحسّب الحكومة لموجات نزوح إضافية من مناطق جنوبية وبقاعية باتت في عين الاستهداف الإسرائيلي، وآخرها من قضاء الزهراني الذي كان لا يزال مأهولاً بنسبة عالية بعد التحذير الإسرائيلي بإخلاء بلدات فيه، ويجري التنسيق مع الدول الداعمة بالمساعدات لتوفير مراكز إيواء جاهزة لأنّه حتّى لو توقّفت الحرب الآن فالعودة غير متاحة لمئات آلاف النازحين في المدى القريب”.
هذا ما يفرض، برأي المصادر، “المزيد من توافر اللحمة الوطنية بين النازحين ومراكز وجودهم، مع العلم أنّنا نلحظ يقظة كبيرة بين صفوف النازحين لحماية أنفسهم والمحيط، فيما يُترجَم الوجه الآخر للإجرام في استهداف العدوّ لسيّارات الإسعاف بذريعة استخدامها من قبل مخرّبين ونقل أسلحة”.
الحزب ثابت: لا لقصف المدنيّين
أمّا في التفاصيل فقد بَرَز مثلاً إعلان النائب السابق سليمان فرنجية عن حصول اتّفاق مسبق مع الحزب مع بدء موجات النزوح على التزام الحزب النزوح المُسالِم لناحية عدم قدوم عناصر مسلّحة، مؤكّداً أن “لا سلاح بين المنازل بل سلاح للحماية الشخصية، وما يقوم به العدوّ هو حرب إبادة”.
بالمقابل يتحدّث مسؤولو الحزب عن “خطط وُضِعت لحالة الحرب، فهناك خريطة واضحة لتوزّع أسر المجاهدين من نساء وأطفال وأقرباء لا علاقة تنظيمية لهم بالحزب، وأمّا المكان الطبيعي للمجاهدين فعلى الجبهات وليس الأحياء والمنازل”.
كما وَصَلت إلى المسؤولين اللبنانيين تأكيدات أنّ “إسرائيل ماضية في تفريغ الجنوب من أهله حتى خطّ الأوّلي مع استثناء لبعض المناطق المسيحية
يلفت هؤلاء إلى أنّه “في مقابل قيام إسرائيل بحرب إبادة ضدّ المدنيين لا يزال الحزب يُحاذر ضرب أهداف مدنية في الكيان المحتلّ في سياق مسار حماية المدنيين في لبنان، لكنّ الإسرائيلي أثبت وحشية لا مثيل لها في التاريخ”.
تفريغٌ حتّى الأوّلي؟
في الصورة الكبرى، تكمن المخاوف الرسمية الجدّية والحقيقية التي لا تجد من يمنح ضمانات أو تطمينات لدحضها، خصوصاً من الجانب الأميركي، بل يحصل العكس تماماً. فقد وصلت تحذيرات واضحة للمسؤولين اللبنانيين، تحديداً الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، بأنّ تهديدات نتنياهو باعتبار “نهر الأوّلي حدودنا ليست ضمن سياق الحرب النفسية بل تكتسب الكثير من الجدّية، ولأوّل مرّة سيخلق الإسرائيلي منطقة حدودية محروقة خالية من السكّان بقاعاً”.
إقرأ أيضاٌ: “مطار خامنئي” أم “مطار بايدن”؟
كما وَصَلت إلى المسؤولين اللبنانيين تأكيدات أنّ “إسرائيل ماضية في تفريغ الجنوب من أهله حتى خطّ الأوّلي مع استثناء لبعض المناطق المسيحية بعد التأكّد من عدم وجود خطر مسلّح داخلها. وهناك ضغوط لم تنفع معها مناشدات مجلس الأمن الدولي لدفع قوات اليونيفيل للتراجع بضعة كيلومترات، وقريباً ستجدون القوات الإسرائيلية في مناطق حدودية متقدّمة ومئات المنازل “المجروفة” لكن ليس للبقاء إنّما لفرض أمر واقع والتفاوض عليه، فيما الورقة “الذهبية” التي يحملها الإسرائيلي هو ملفّ النازحين مع تحذير شبه يوميّ بعدم التوجّه جنوباً، وذلك ضمن سياق فرض معادلة: “نازحو الجنوب ليسوا مقابل مستوطني الشمال، بل أمن “دولة إسرائيل” على مسافة 60 كلم حتى نهر الأوّلي خالية من الحزب وسلاحه مقابل عودة النازحين إلى قراهم، مع رفض إدراج بند عودة هؤلاء النازحين في أيّ اتّفاق محتمل حتّى إشعار آخر”.
لمتابعة الكاتب على X: