ما الذي تغيّر بين الأمس واليوم حتى أصبحت الرئاسة قاب قوسين من التحقّق بحسب ما يقول النواب في كواليسهم وفي نصائحهم الإعلامية؟
ببساطة، هناك خياران: رئيس يحظى بثقة المجتمع الدولي لتحقيق النهوض وتحديداً إعادة إعمار المناطق المستهدفة في هذه الحرب، أو الذهاب إلى غزّة ثانية.
وصلت هذه المعادلة إلى عين التينة. فكانت الصورة التي جمعت الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي خير دليل على التغيّرات في الموقف اللبناني. اقتنع الجميع أن لا خيار للبنان سوى الذهاب في مسار دولي إقليمي، مكرهاً أو راضياً، مهما كانت المواقف الصادرة عن الحزب. فماذا في معطى عين التينة وصولاً إلى مبادرة كتلة الاعتدال الوطني، التي استعادت نشاطها من صلب البيان الثلاثي الشهير؟
في ثمانٍ وأربعين ساعة صدر موقفان مختلفان: الأوّل عن بري والثاني عن الشيخ نعيم قاسم. الأوّل يحدّد خارطة طريق تبدأ بانتخاب رئيس قبل وقف إطلاق النار. والثاني يقول إنّه لا رئيس قبل وقف إطلاق النار.
تقول مصادر سياسية إنّ برّي استشعر توجّه لبنان ليكون “غزة ثانية”، وإنّ الحزب قراره ليس داخلياً بل إيراني.
في المحصّلة، انطلقت مبادرة “كتلة الاعتدال الوطني” من عين التينة باتجاه كلّ القوى وفق خارطة الطريق نفسها التي أعلنها ميقاتي في الاجتماع الثلاثي الشهير. وللمناسبة تتطابق خارطة الطريق هذه مع خارطة الطريق التي وضعتها القوى الدولية للمسار اللبناني.
أحمد الخير: الحلّ بانتخاب جوزف عون
يقول عضو كتلة الاعتدال النائب أحمد الخير لـ”أساس” إنّ ما تغيّر اليوم هو الحرب القاسية على لبنان، وإنّ المطلوب هو انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الثقة للنهوض وإعادة الإعمار، وهي مصلحة للحزب أوّلاً. وتعليقاً على التناقض بين كلام بري والحزب يضيف الخير: “لقد تواصلنا مع الرئيس بري بعد عدد من التصريحات التي صدرت عن الحزب، وقال لنا إنّ خريطة الطريق لا تزال كما هي، ونحن نعمل على أساسها”.
يقول مصدر سياسي مسيحي، إنّ أكبر كتلة مسيحية قد دخلت التسوية الرئاسية بانتظار ترجمتها في خطوات لاحقة هذا الشهر
يؤكّد الخير أنّ لقاءات وفد الكتلة مع كلّ القوى التي زارتها كانت إيجابية. وبالتالي يتوقّع أن يكون موعد انتخاب الرئيس قريباً من دون أن يستطيع تحديد توقيت معيّن لذلك. والأهمّ ما قاله ردّاً على سؤال حول من الأكثر تقدّماً في المسار إلى قصر بعبدا: “إذا أردت أن أدخل في الأسماء فسأكون صريحاً. قائد الجيش جوزف عون هو الأكثر تقدّماً والأكثر تلبية للشروط والمواصفات الرئاسية للمرحلة المقبلة، خصوصاً مع الحديث عن حلّ أمنيّ وتطبيق الـ1701”.
ضغط دوليّ عربيّ لإنجاز الرّئاسة
ما قاله النائب الخير ليس بعيداً، بحسب مصادر دبلوماسية لـ”أساس”، عن أجواء الحراك الدبلوماسي. فبين واشنطن وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر حراك خلف الكواليس يسعى للدفع باتجاه تنفيذ الاستحقاق الرئاسي، وبعض السفراء يجولون بعيداً عن الإعلام أو يتّصلون بالقوى السياسية.
كانت العين متّجهة إلى معراب لقراءة خطاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اتّهمه البعض بأنّه لا يزال “معرقلاً” للرئاسة لأنّه يراهن على انتهاء الحرب بخسارة مدوّية للحزب.
في المعلومات أنّ الجواب جاء مباشرة من واشنطن إلى معراب في كلام مع السفيرة الأميركية أوّلاً، وثانياً عبر تصاريح إعلامية للموفد الأميركي آموس هوكستين يقول فيها إنّ واشنطن تريد رئيساً لكلّ اللبنانيين.
علّقت مصادر في القوات اللبنانية على هذا الكلام قائلة إنّها ستحضر أيّ جلسة سيدعو إليها الرئيس بري لانتخاب رئيس، وإنّ من يعرقل الرئاسة هو “الثنائي الشيعي” لا القوات اللبنانية.
أمّا عن خطاب جعجع الذي انتظرته الساحة السياسية لجسّ نبض حجم السقف الذي يواجه به جعجع، فبدا وكأنّه مستعدّ للتسوية بعدما أصبحت شبه منجزة.
يفضّل جعجع في أسوأ الخيارات أن يكون هو شريكاً في التسوية لا جبران باسيل الذي سيقتنص فرصة أيّ تباين مع جعجع ليحلّ مكانه في تسوية عنوانها رئيس غير جوزف عون.
مصادر سياسيةٌ مطّلعة على جوّ معراب قالت لـ”أساس” إنّ جعجع وجَّه ثلاثَ رسائلَ أساسيةٍ في خطابه الأحد
لماذا على الحزب أن يقبل؟
في ظل ّغياب القيادة العليا في الحزب والتشرذم وعدم القدرة على التواصل بالشكل الكافي، يبدو الحزب الأكثر حاجة إلى تسوية تعيد لملمة تماسكه وأشلاء الوطن، وتعيد إعمار ما تهدّم ليعود مئات آلاف النازحين إلى منازلهم بعدما اعتذر المسؤول الإعلامي في الحزب محمد عفيف من النازحين على تقصير الحزب.
الأهمّ أنّ ما يصدر عن بنشعي حالياً ليس سوى رسائل إيجابية تؤكّد ما سبق أن قاله رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يوماً: “أنا أو جوزف عون”. والعارف بعلاقة الحزب بقيادة الجيش يعرف أنّ من حمى ظهر المقاومة في الحرب هو الجيش لا حلفاء الحزب السياسيون الذين تركوه يتخبّط بالحرب وحيداً تحت عنوان كبير: “أنت جلبت ذلك علينا”.
معراب تتقاطع مع عين التينة
وفيما تستمر الحركةُ السياسية في الساحة الداخلية لانضاج تقاطعٍ على انتخاب رئيس للجمهورية بـ86 صوتاً ليؤمّن أكبرَ قدْرٍ من المشروعية والتمثيل اللبناني. مصادر دبلوماسية قالت لـ”أساس” إنّ الانظارَ كانت متجهةً إلى معراب وإلى مضمون كلمة رئيسِ حزب القوات اللبنانية، وما إذا كان سيلاقي بها هذه الجهودَ أو سيصعّدُ معرقِلاً محاولاتِ إنضاج الرئاسة.
مصادر سياسيةٌ مطّلعة على جوّ معراب قالت لـ”أساس” إنّ جعجع وجَّه ثلاثَ رسائلَ أساسيةٍ في خطابه الأحد:
– الأولى: أولويةُ الرئاسة على وقف إطلاق النار وهو بالتالي سَجل تقارباً في منطقه مع خارطة الطريق للحلّ التي خَرجت من عين التينة في اللقاء الثلاثي الأخير.
وأضافت المصادر أنّ قوله إنّ مقاربته لا تعني أنّ فريقاً سيكون غالباً وآخرَ مغلوباً، لا بل سيكون لبنان هو المنتصر لمصلحة شعبه كلِه، هي بحد ذاتها ليست رسالةَ تحدٍّ لأحد في هذه المرحلة القاسية.
– الثانية: كان في توجهه إلى النازحين بـ”أهلنا” وهي رسالةٌ واضحة باحتضان الأزمة والاستعدادِ للمشاركة في معالجتها.
في ظل ّغياب القيادة العليا في الحزب والتشرذم وعدم القدرة على التواصل بالشكل الكافي، يبدو الحزب الأكثر حاجة إلى تسوية تعيد لملمة تماسكه
– الثالثة: تطبيق القرار 1701 كاملاً. وهو بذلك يلاقي بيانَ عين التينة أوّلاً ولكنَّ تطبيقَه القرارَ كاملاً سيَخصع لنقاش، منه ما هو سلبي ومنه ما هو إيجابي في المرحلة المقبلة. أكان مع قوى الاجتماع الثلاثي أو معَ المعارضة الغائبة عن الحضور.
في خلاصة رسائل معراب، يقول مصدر سياسي مسيحي، إنّ أكبر كتلة مسيحية قد دخلت التسوية الرئاسية بانتظار ترجمتها في خطوات لاحقة هذا الشهر.
إقرأ أيضاً: لغز “رئيس الـ86″… ونتنياهو يسوّق خسارته البرّيّة..
في المحصّلة، الأسابيع المقبلة ستكون مليئة بالأحداث المتسارعة محلياً وإقليمياً ودولياً تحت وقع النار والحرب على لبنان، ويفترض أن يُفتح باب التسوية بدءاً من انتخاب رئيس يملك وحده مفتاح وقف إطلاق النار .
لمتابعة الكاتب على X: