دعونا نبدأ الحكاية من حزيران 1967، مع أن ما قبلها كان يشبهها، حيث عقدة التفوّق والقدرة العسكرية، استحكمت في نفوس الإسرائيليين وعقولهم لدرجة اليقين بأنهم من خلال “جيشهم الذي لا يقهر” يستطيعون فرض سيطرة لا تنازع، ليس فقط على الجوار العربي اللصيق الذي احتلت أهمّ أراضيه، بل على الشرق الأوسط كله.
في ذلك الحزيران، احتلت أوسع مساحة من أرض عربية هي سيناء، وأهم موقع استراتيجي هو مرتفعات الجولان، وأهم ما تبقى من فلسطين وشعبها غزة والضفة، بما فيها القدس التي تعني أكثر من مدينة عادية فهي قبلة العالم كله.
عقدة التفوق أصابت إسرائيل بحالة شاملة من العمى السياسي، وها هي تستفحل لتصيبها بحالة من الجنون، وهذه أمثلتنا على ذلك. ولنبدأ بآخر تصريح جنوني.
– وزير خارجية إسرائيل كاتس، يعلن أن السيد غوتيريش إرهابي وممنوع من دخول إسرائيل، مع أن الرجل يمثل أعلى هرم المجتمع الدولي، ولا يخرج في أقواله وأفعاله عن قرارات ومبادئ الأمم المتحدة.
عقدة التفوق أصابت إسرائيل بحالة شاملة من العمى السياسي، وها هي تستفحل لتصيبها بحالة من الجنون، وهذه أمثلتنا على ذلك. ولنبدأ بآخر تصريح جنوني
– مثال آخر.. هو حاصل جمع تصريحات القادة حول تهديد العالم كله بجملة ساذجة “إن إسرائيل تستطيع الوصول إلى أي مكان في العالم وضربه” مع أنها تعاني الأمرّين في غزة وجنوب لبنان، وهما أصغر بقعتين جغرافيتين في الكون.
– مثال آخر.. لا توجد دولة طبيعية يقودها نظام طبيعي، تتباهى بخوض سبعة حروب في وقت واحد، وكأن جمع الحروب وزيادة أرقامها، هي الدليل الوحيد على وجود الدولة ومصدر بقاءها.
– مثال آخر.. على مدى حرب غزة التي يبلغ عمرها هذه الأيام سنة، والتي امتدت إلى لبنان وسوريا واليمن والعديد من دول الإقليم، ولا مؤشر على نهايتها أو حتى انحسارها، تقول الأرقام الإسرائيلية، إن أكثر من ثلث الشعب لا يرغب بالبقاء في الدولة العبرية بعد أن كان اليهود فيها وفي العالم يرونها الملاذ وواحة الأمن والأمان.
هذا غيضٌ من فيض كما يقال… للتدليل وبالوقائع على أن عقدة التفوق لم تأخذ الدولة وقادتها إلى عقلانية وثقة بالنفس، يبلور سلاماً مع من تتباهى بمحاربتهم، بل جرّتها إلى جنون تتفرد به عن كل كيانات العالم، إذ لم يعد للدولة العبرية من منطق سوى التعلق بالقوة العسكرية، التي هي في المنشأ وبالجملة والتفصيل غير إسرائيلية.
*نقلاً عن موقع “مسار”