شهدت حقبة المرشد الإيراني علي خامنئي استثماراً كبيراً بمشروعين غير مكتملين: الحزب والبرنامج النووي الإيراني، لكنّ المشروعين اليوم دخلا في مرحلة دقيقة تهدّد استمراريّتهما ومعهما مستقبل النظام بعدما ربط النظام مستقبله بنجاح هذين المشروعين.
مشروع “المقاومة”، الذي كان يعرف يوماً بتصدير الثورة، الذي موّلته إيران مادّياً وحقنته أيديولوجياً، وصل إلى ذروته مع بقاء نظام بشار الأسد في سوريا بدعم إيران، سيطرة الحوثيين على شمال اليمن والعاصمة صنعاء، تراجع الوجود الأميركي في العراق وانسحاب القوات الأميركية، وصولاً إلى وقوع حماس كلّياً في الحضن الإيراني. هذا المشروع عبّر عنه وقاده بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي اغتالته إسرائيل.
مشروعان مترابطان
المشروعان الإيرانيان مترابطان، فمحور “المقاومة” الذي يقوده الحزب الذي يرفع شعار المقاومة ونصرة فلسطين دعمته إيران بالمليارات لحماية الاستثمار في المشروع النووي وتعزيز نفوذها في المنطقة، أصيب بنكسة كبيرة مع اغتيال نصرالله الذي كان يعتبر النجاح الإيراني الوحيد خارج الحدود. الإيرانيون يعرفون تماماً ما تقوم به إسرائيل تحضيراً لضرب المشروع الآخر: البرنامج النووي، وهنا يكمن التردّد الإيراني بالردّ على الإهانات الإسرائيلية لإيران التي وصلت حدّ اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية وهو في ضيافتها.
طهران تعرف جيّداً القدرات العسكرية الإسرائيلية، وهي أوّل من اختبر التفوّق التكنولوجي والاستخباري حين نجحت إسرائيل في ضرب منشآت نطنز النووية من خلال هجوم سيبراني متطوّر مستعملة دودة حاسوب “ستاكسنيت” التي صمّمت خصيصاً لهذه الغاية. كما أنّ اغتيال العلماء الإيرانيين النوويين واستعمال الذكاء الاصطناعي لتنفيذ العمليات أعطيا إيران فكرة حول القدرات غير التقليدية الإسرائيلية. وهنا لا بدّ من التذكير باغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في تشرين الثاني 2020 في عملية معقّدة استخدمت فيها تقنية متطوّرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأسلحة أوتوماتيكية.
إصرار إيران على متابعة تطوير برنامجها النووي على الرغم من العقوبات الغربية يعود لقناعتها بأنّ دخول النادي النووي سيمنح النظام حصانة
فشل طهران مع الحزب
لكنّ طهران لم تنجح في تجنيب الحزب ومساعدته في تدارك التهديدات الإسرائيلية المستجدّة وتفوّقها التقني الذي أصبح يستخدم بشكل واضح في العمليات العسكرية. وعلى الرغم من الحذر الإيراني جاءت العمليات الإسرائيلية ضدّ الحزب في لبنان، وتحديداً ضربة “البيجرات”، لتذكّر إيران بطبيعة المواجهة مع إسرائيل في حال دخلت إيران في مواجهات واسعة مع إسرائيل. تتحدّث المعلومات من طهران عن إرباك كبير في المنظومة الأمنيّة للنظام وتشكيك في الإجراءات والبروتوكولات الأمنيّة المتّبعة في مواجهة الاختراقات والتهديدات الإسرائيلية على المستويين العسكري والاستخباري، خصوصاً إذا فقدت طهران أوراقها الضاغطة التي نسجتها في المنطقة لردع إسرائيل عن استهدافها وعلى رأسها تنظيم كالحزب ترأسه شخصية بحجم حسن نصرالله. بعد اغتيال قاسم سليماني، إسماعيل هنية وحسن نصرالله، لم تدخل إيران مباشرة في مواجهة شاملة مع إسرائيل، وهو ما بشّر بشكل قاطع بأنّ الخطّ الأحمر الوحيد في إيران هو النظام ومرشده.
إصرار إيران على متابعة تطوير برنامجها النووي على الرغم من العقوبات الغربية يعود لقناعتها بأنّ دخول النادي النووي سيمنح النظام حصانة للحؤول دون إسقاطه.
إقرأ أيضاً: نصرالله والتّاريخ: يومٌ طويلٌ في حياةٍ قصيرة
نتنياهو الذي يؤمن بالضغط العسكري الكبير لتليين الخصم في المفاوضات يقول في مجالسه الخاصة بأنّه لن يسمح بأن تصبح إيران دولة نووية في عهده. وكانت لافتةً الرسالة التي وجّهها إلى الشعب الإيراني أخيراً بعدما وصف إيران بأنّها تقود محور الشر في المنطقة في خطابه أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، وقبل ذلك أمام الكونغرس الأميركي. سقوط خطوط دفاع إيران خارج حدودها وأهمّها الحزب سيقود حتماً إلى المواجهة المباشرة الكبرى بين إسرائيل وإيران حيث ستكون الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل ولو كانت غير مقتنعة وتؤمن بالحلّ الدبلوماسي. هل مبالغة إيران بلعب أوراقها للضغط على إسرائيل بدأت ترتدّ عليها سلباً أم تمادي نتنياهو برفع سقف أهدافه سينقلب عليه وسيكون له ردّ فعل عكسي على إسرائيل؟ ستشكّل أساس التحذيرات الدولية لكلا الطرفين للتراجع وتجنّب المواجهة الشاملة.
لمتابعة الكاتب على X: