اغتيال “السّيّد”: عن “الخلافة” والمفاوضات… والتّشرّد

مدة القراءة 7 د

وقع الخبر كالزلزال ليل الجمعة. اغتيال إسرائيل الأمين العامّ للحزب. اعتبرته إسرائيل نصراً مبيناً. استمرّت في تأكيد نجاح عمليّتها طوال ساعات ما بعد الاعتداء ووثّقته بالحديث عن نوعية الصواريخ التي استهدفت مكان وجوده وزنة الصواريخ التي استخدمت، في وقت التزم الحزب الصمت المطبق وسط سرب من الشائعات والأخبار المفبركة. مجرّد الاحتمال كان مدعاة قلق وتشكيك وتساؤلات لا تعدّ ولا تحصى. استتبع الخبر الزلزال بسيل من الغارات التي استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وشرّدت أهلها، فافترشوا الطرق في أنحاء بيروت والمناطق، أو لازموا سيّاراتهم طلباً للمساعدة. تشرّد الشيعة مجدّداً وبات حضورهم مستهدفاً حيثما وجدوا. في رسالة ردّ إسرائيلية واضحة على جبهة الإسناد التي يخوضها الحزب وتسبّبت في هجرة سكان الشمال… والسؤال الأكبر: من أعطى إسرائيل “المعلومة الذهبية” التي أودت بحياة “السيّد”؟

 

في الساعات الأولى من ليل الجمعة، تراوحت الاحتمالات بين نجاح اغتيال الأمين العام للحزب ومن معه، وفشلها واستمراره على قيد الحياة. لم يؤكّد الحزب هذه الرواية أو تلك. وكان اللافت صدور بيان عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامئني قال ما مفاده أنّ إسرائيل أعجز من أن تنال من بنية الحزب، وهو ما فسّر على أنّه تمهيد ومحاولة لتطويق تداعيات الاغتيال على مستوى وضعية الحزب الداخلية وعلى مستوى جبهة الحرب.

ساعات الحيرة… قبل إعلان الخبر

مرّت ثقيلةً تلك الساعات التي لم تحمل الخبر اليقين حول مصير قائد لطائفة بغالبيّتها الساحقة، تشارك أبناؤها الدعاء والصلوات على نيّة نجاته. وعلى سبيل التمهيد حضرت العبارة الشهيرة: من كان يعبد محمّداً، فإنّ محمّداً قد مات، لكن ربّ محمّد حيٌّ لا يموت.

مسلسل من القلق استمرّت حلقاته على وقع تصعيد الميدان من جانب إسرائيل، بقصف عنيف دمّر أجزاء من ضاحية بيروت الجنوبية. بينما خفتت جبهة الردّ من جانب الحزب الذي أبقى على إصدار بيانات إطلاق صواريخه بشكله المعتاد ولم يطوّر جبهته إلى ما يوازي حجم المصاب.

باغتياله فتح الباب على مصراعيه حول خليفة الأمين العام ومصير جبهة الإسناد، وإن كان الإعلان عن الاستشهاد تمّ بعدما رتّبت إيران والحزب الأرضية

لربّما تقصّد الحزب أن يترك المجال لتحضير الأرضية لاستيعاب ما جرى. الأمل لم يزل موجوداً ردّد المقرّبون ..إلى أن صدر بيان الحزب بعد ظهر السبت يعلن استشهاد أمينه العام سماحة السيد: “سيد المقاومة، العبد الصالح، انتقل إلى جوار ربّه ورضوانه شهيداً عظيماً قائداً بطلاً مقداماً شجاعاً حكيماً مستبصراً مؤمناً، ملتحقاً بقافلة شهداء كربلاء النورانية الخالدة في المسيرة الإلهية الإيمانية على خطى الأنبياء والأئمّة الشهداء”.

ومن البيان: “لقد التحق سماحة السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحواً من ثلاثين عاماً، قادهم فيها من نصر إلى نصر مستخلفاً سيّد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000 وإلى النصر الإلهي المؤزّر 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولاً إلى معركة الإسناد والبطولة دعماً لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم.

أسئلة الخلافة… وجبهة الإسناد

باغتياله فتح الباب على مصراعيه حول خليفة الأمين العام ومصير جبهة الإسناد، وإن كان الإعلان عن الاستشهاد تمّ بعدما رتّبت إيران والحزب الأرضية لجمهوره ولجبهته. ترتيب كانت استبقته إيران بالإعلان أنّها أعدّت “قادة مؤهّلين” لتسلّم مهامّهم القيادية بمتفرّعاتها. وسيكون للحزب أن يختار خليفة السيد في الساعات القليلة المقبلة بالنظر إلى ضرورة الحرب والردّ المحتّم على اغتيال قائده.

فماذا بعد نصر الله داخل الحزب؟ ومن الذي غدر بالحزب فأودى بقادته من الصفّ الأوّل؟ ومن قدّم للعدوّ تلك المعلومة الذهبية التي أطاحت بأمينه العامّ.

الترتيبات انطلقت. كذلك محاولة إيجاد الأجوبة على الأسئلة المتداولة. أمّا بالنسبة إلى جبهة الإسناد فقد كان واضحاً ممّا تضمّنه البيان أنّ جبهة الإسناد مستمرّة، وأنّ الحزب سينفّذ ردّاً مزلزلاً على اغتيال نصر الله.

تدهور الميدان فجأة

في الجهة الأخرى، فإنّها حرب بلا قيود، تلك التي أعلنها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من مقرّ الأمم المتحدة بمواجهة مقاعد فارغة، وكأنّه يتحدّى العالم، بدليل ما قاله ممثّل الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: “لا أحد يستطيع منع نتنياهو من خوض الحرب”.

 تشير التقديرات الأوّلية إلى تسلّم السيّد هاشم صفي الدين مهامّه. وسيكون الحسم في غضون الساعات القليلة المقبلة

شبّه نتنياهو نفسه بالنبي موسى قبل 3,000 سنة في محاولة لاستقطاب التعاطف الدولي. مجرّد الإعلان عن ضرب مقرّ القيادة المركزية للحزب واستهداف الأمين العام شخصياً لهو أبعد من حرب مفتوحة وأوسع من حرب شاملة. علاوة على استهداف المباني السكنية في ضاحية بيروت الجنوبية بالشكل العنيف الذي تقصّدته إسرائيل وأخرجت الأمور من عقالها ودخلت مرحلة اللاعودة، أقلّه على المدى المنظور.

السيّد

قصف غير مسبوق والحسم بات للميدان ولتطوّرات العمليات العسكرية والأمنيّة في ظلّ تعرّض الحزب لضربات أمنيّة وعسكرية قاسية جدّاً ستغيّر الكثير من أنماط العمليات. ولا أحد يستطيع أن يتكهّن بالمآلات التي ستصل إليها، خصوصاً أنّ الحزب كان يعتمد الضربات الاستنزافية ويستهدف محيط المدن والبلدات الإسرائيلية مثل صفد وحيفا ويافا والجليل في محاولة للبعث برسائل للإسرائيلي أنّه لا يريد أن يستهدف المدنيين.

غير أنّ الإسرائيلي، من خلال التطوّرات الأخيرة واغتيال أمينه العام باستهداف مقرّه المركزي وتدمير مبان سكنية. وبالتالي فإنّ وقائع التطوّرات تنبىء بالأسوأ. وهنا السؤال المركزي عن قادة المحور، ولا سيما إيران. فهل تتدخّل إلى جانب الحزب وهي التي لا تزال تتريّث بالردّ على اغتيال إسماعيل هنية في طهران؟

… وسكتت المفاوضات في نيويورك

أمّا عن نيويورك، فلا مفاوضات ولا استعداد للخوض فيها مجدّداً. وقد فرضت التطوّرات عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى لبنان بعد فشل الولايات المتحدة في الترويج لاقتراحها هدنة من أسابيع ثلاثة.

تفيد المعلومات الواردة من نيويورك أنّ نقاش المقترح الأميركي الفرنسي كان شكلياً من ناحية إسرائيل، وأنّ أعضاء مجلس الأمن من الدول الكبرى تلمّسوا وجود نوايا إسرائيلية جدّية لتوغّل برّي في جنوب لبنان، وأنّ التصعيد سيكون عنوان المرحلة المقبلة بين لبنان وإسرائيل التي تعتبر من وجهة نظرها أنّ الحزب فقد توازنه ومربك وأنّ الوقت قد حان للإجهاز عليه.

اغتيال “السيّد” سيكون بمنزلة زلزال يطيح بالمنطق الذي عمل الحزب تحته طوال العام الماضي

كانت أجواء نيويورك سلبية للغاية وتوحي بأنّ إسرائيل ستمضي في شنّ عدوانها على لبنان. وقد تبلورت مثل هذه الأجواء في الخطاب الناري الصادر عن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي هدّد إيران والحزب وقال إنّ ذراعه طويلة. وما كادت تمضي ساعات قليلة على تهديداته حتى نفّذ الاغتيال الضخم.

اغتيل السيد نصر الله. استوعب الحزب الصدمة وانطلق إلى ترتيب بيته الداخلي لضرورات المرحلة. الأسماء المقترحة لخلافته محصورة بأشخاص محدّدين. قد لا يكون بينهم من يتمتّع بالكاريزما ذاتها والهدوء وقوّة الحضور التي للسيّد نصر الله. لكنّه سيكون على قدر المسؤوليات، خاصة أنّ الأيام المقبلة ستشهد تطوّرات في غاية الخطورة. حسب ما تؤكّد مصادر سياسية ملمّة بالميدان، تشير التقديرات الأوّلية إلى تسلّم السيّد هاشم صفي الدين مهامّه. وسيكون الحسم في غضون الساعات القليلة المقبلة.

إقرأ أيضاً: اغتيال نصرالله فتحٌ لأبواب جهنّم جديدة !

ستتطوّر المواجهات، وقد نكون أمام حرب واسعة النطاق لم يكشف الحزب عن كامل أوراقه بشأنها بعد. اغتيال “السيّد” سيكون بمنزلة زلزال يطيح بالمنطق الذي عمل الحزب تحته طوال العام الماضي.

مواضيع ذات صلة

الشّيعة وقّعوا الاتّفاق… والرّئيس المسيحيّ سينفّذه

تاريخ لبنان الحديث حافل بالاتّفاقات والانقلابات عليها، لا سيما تلك التي أبرمت في زمن الانقسام الكبير الذي انفجر في السبعينيات، واستمرّ حتى التسعينات، حين استقرّ…

هل قتل “الحاج حمزة” نصرالله وصفيّ الدّين؟

من أوقَع السّيّد حسن نصرالله والسيّد هاشم صفيّ الدّين في فخّ الاغتيال؟ هل استندَ الإسرائيليّون إلى خرقٍ بشريّ داخل “الحزب”؟ أم التقنيّة كانت هي السّبيل؟…

خمسة أيّام من “قصف” الهدنة: “الأمر” للعدوّ!

تتوالى الخروقات الإسرائيلية للترتيبات الأمنيّة المرتبطة بتطبيق القرار 1701، جنوب الليطاني وشماله وصولاً إلى صيدا وبعلبك، إلى حدّ التهديد بنسف هدنة الـ60 يوماً.  يحدث ذلك…

“الحزب” بعد الحرب: الولادة من “الخاصرة الأميركيّة”

أما وقد دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ منذ صباح 27 الجاري، ليشكّل حدّاً فاصلاً بين ما قبله وما بعده، ويدشّن مرحلة جديدة كليّاً،…