الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (2/2)

2024-09-27

الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (2/2)

في الجزء الثاني من هذه التحية إلى المثقف الراحل الياس خوري، يكتب كلٌّ من: علوية صبح، وواسيني الأعرج، ويوسف المحيمد، وليانة بدر، وطالب الرفاعي، وسمر يزبك ونبيل سليمان.

 

يوسف المحيميد: تسلّل من أصابعنا كالهواء

لم أكن محظوظاً بما يكفي لأن ألتقي بالذي فتح باب الشمس وغادر، يفيد الروائي السعودي يوسف المحيميد. “كنَّا إلياس وأنا معاً في مهرجان القلم “ذا بن” في نيويورك عام 2008. قرأت اسمه بين المشاركين، ولم تكن مشاركاتنا في توقيت واحد أو مكان واحد. مضت الأيام كالعادة ونحن نركض بحثاً عن أحلامنا، ولم نلتقِ قطّ، لكنّني بالتأكيد التقيت بشخصياته اللافتة… فيونس ونهيلة هما نموذج رائع. يعيشان قصّة حبّ إنسانية مدهشة في مغارة باب الشمس لا يمكن أن تُنسى. كذلك شخصية الشابّ يالو في روايته “يالو” التي تجعلنا في منطقة هي خطّ رهيف بين الغرائبيّ والواقعي. تلك الشخصية العجيبة تحفّزنا على الإيمان بها واليقين بأنّنا رأيناها أو ربّما نراها في أيّ زمان وأيّ مكان، لكنّها في لحظة حاسمة تنفلت من أيدينا ببراعة، وتذوب في الفراغ. هكذا هو إلياس خوري. يكتب في منطقة ليس من السهل الوصول إليها أو القبض عليها”.

لا شكّ أنّ فقده المباغت يعني أن تفقد الرواية العربية أحد عباقرتها الذين صنعتهم مرحلة السبعينيات، ذاك الجيل الذي يصنع شخصيّاته من الواقع المرّ الذي عاش فيه العالم العربي، ولا شكّ أنّ الحروب خلقت شخصيّاتها الإنسانية الخاصّة الذين لا يمكن أن يموتوا. هؤلاء الذين خلّدهم أدب الروائي اللبناني الكبير إلياس خوري.

من الطبيعي أنّ إلياس لم يدخل السعودية عبر مكتبة ورقيّة وإنّما تسلّل من أصابعنا كالهواء. قرأنا رواياته مطلع الثمانينيات مصوَّرة أو منسوخة، وأحياناً مستعارة من الأصدقاء الذين سبقونا، أو من مكتبة قريبة من المنزل كانت تعرض أعمالاً روائية عربية ومترجمة من دور نشر لبنانية. فقد كانت معظم الروايات تُباع فيها جديدة أو مستعملة، ومنها التقطت كثيراً من الأعمال الإبداعية التي أسهمت كثيراً في تكويني الثقافي في المملكة.

إلياس لم يدخل السعودية عبر مكتبة ورقيّة وإنّما تسلّل من أصابعنا كالهواء. قرأنا رواياته مطلع الثمانينيات مصوَّرة أو منسوخة، وأحياناً مستعارة من الأصدقاء الذين سبقونا

ليانة بدر… يا ابن أمّي وأمّ الفلسطينيّين

لإلياس خوري مكانة خاصة عند الفلسطينيين. فهناك كثيرين يعتقدون أنه فلسطيني لكثرة ما كتب عن القضية الفلسطينية ولأن انتمائه لها إنتماء وجودي. وتقول الروائية الفلسطينية التي تعيش بالقدس بعدما عاشت سنوات طويلة في بيروت وعرفت صاحب “باب الشمس” عن قرب: “لا أحد يصدّق أنّ الياس خوري قد دخل مملكة الصمت الآن”. وتسرد… تلك الحيوية المتفجّرة اندفاعاً نحو كلّ ما هو حقيقي وجميل في العالم. ذلك الإحساس القويّ بعدم التخلّي عن القضايا التي يراها حقّاً مقدّساً للبشر والإنسان، وعدم التواني والاختباء وراء الصمت كما يفعل كثيرون من أولي الكلمة ممّن يظنّون أنّهم أعلى من الواقع إن لم يستفيدوا منه .هكذا كانت القضية الفلسطينية جزءاً حيويّاً من كتاباته تظهر فيها شجاعته وقدرته على الصدق فيجعل لها كلّ الأولويات .لذا أحسست دوماً بأنّ محمود درويش كان يعني الياس خوري عندما قال في شعره “يا ابن أمّي” لأنّ الياس لا يقيم الحواجز المعتادة بين ذاته وبين القضية وبين أهلها. إنّه المثقّف العضويّ الذي لا يتخلّى عن البشر أو قضاياهم طمعاً بالترضيات والمكافآت .إن كان للنزاهة اسم فهو الياس، وإن كان للتضامن والوقوف بإنسانية أمام الضحايا فهو الياس. وهو رمز للتضحية والثبات منذ اليوم الأوّل الذي عرفته فيه خلال انتخابات اتحاد الصحافيين والكتّاب الفلسطينيين في البلد قرب اللعازرية قبل الحرب الأهلية وإلى يوم صعد إلى السماء

كان متواضعاً بشكل لا يصدّق، صديقاً للروح في الأدب والثقافة. ولطالما أُتيح لي الاستماع إلى القصص التي كان يكتبها ويستمتع بروايتها خلال كتابتها. كانت المدينة تعلّمنا أن ننتصر على هواجسنا وأن نبوح بما نراه داخل كتاباتنا، ولم يكن هناك شقّ أو أخدود بين رواية حياتنا وحياة الثورات التي نعيش فيها وتعيش حولنا .على الصعيد الشخصي ساعدني على الانحياز لاختيارات عديدة في حياتي. ففي أوّل ذهابي واستقراري في بيروت كنت أخاف من الكتابة لأنّني أجدها بعيدة عمّا يحدث أمامي. كنت مشبعة بالأدب العربي ولا يمكنني التخيّل كيف يمكن لي أن أصبح كاتبة إن كان توفيق الحكيم هو مثالي الأعلى. في كتابه “الجبل الصغير” ذهب الياس إلى واقع الحرب وتكلّم عن الأشياء الصغيرة التي لا يذكرها أحد، وبهذا وجدت الجرأة لأنطلق كي أكتب عن الحكايا اليومية بتفاصيلها الأدبية والثانوية. قدّم لي الياس خوري الجرأة على كتابة ما أودّ دون خوف أو رهبة أو إجراء حسابات ما،  وإذ كنت أحاول شكره على مساعدتي على اختيارات شجاعة في الحياة والكتابة كان يغلق الموضوع توّاً، كي نرجع إلى أحاديث السياسة والوقائع العجيبة التي تحدث ممّا يفتك ببلداننا .إلياس خوري! أنت تغيب. أنت.. بعيداً. الدمعة في الحلق لأنّ الجبل الصغير فقد الكثير في غيابه. ومع هذا سيظلّ أبداً معنا .

لإلياس خوري مكانة خاصة عند الفلسطينيين. فهناك كثيرين يعتقدون أنه فلسطيني لكثرة ما كتب عن القضية الفلسطينية ولأن انتمائه لها إنتماء وجودي

طالب الرفاع:  ولِد في الزّمن العربيّ الأجمل

وفي نصّه الذي أرسله الكاتب والدكتور الكويتي طالب الرفاعي كتب:

إلياس خوري (1948-2024)، وكما هو عدد من أهمّ كتّاب الفكر العربي والأدب العربي ورسم ونحت الوطن العربي، قدرهم أنّهم ولِدوا في الزمن العربي الأجمل، الزمن الذي حمل حلماً عربياً إنسانياً عريضاً، وتجرّع وتحمّل قسوة ذلك الزمن، أو الوجه الآخر لزمن يحقّ أن نصفه بأنّه عربي وعروبي بامتياز!

إذا كانت الزميلة رنا نجار قد اختارت “الجماهيرية” داخل كلّ قطر عربي، كمدخل رئيسي لهذه الكلمة، ومن أين جاء إلياس خوري بجماهيرية يدخل بها لأهل الكويت، فالجواب واضح هو أنّ الكويت كانت منذ ما قبل اكتشاف البترول ذات توجّه عروبي لا خيار فيه، وليس أدلّ على ذلك من أنّ الإصدار الأهمّ الذي قدّمته الكويت للأمّة العربية عام 1958 حمل اسم “العربي”. وإذا أخذنا في الحسبان أنّ إلياس ولد سنة نكبة 1948، ومات في سنة نكبة 2024، فإنّ انتماء إلياس الحزبي والإنساني وتشكُّل ذائقته في الفكر والفنون جاءا وفق هذا الانتماء العربي الإنساني، ولذا تأتي قضية الحرّية وقضية الحقّ متلازمتين في كلّ كتاباته. فلقد كتب انطلاقاً من فكرة تسكن عليه تفكيره وهاجسٍ لا يكاد يفارقه، ونعني قضية فلسطين التي كانت بنظر إلياس وزملاء زمانه هي قضية العدل وقضية العروبة وقضية المبدع والمثقّف العربي.

هناك مقولة إبداعية مفادها أنّ كلّ أديب ينتح من بئر واحد ويكتب قضية هاجس واحد بتلاوين متعدّدة، ومؤكّد أنّ قضية فلسطين هي البئر التي نتح منها إلياس طوال عمره، وأنّ الهمّ العربي سواء كان في لبنان أو مصر أو العراق أو في أيّ قطر عربي إنّما هو الهاجس الذي ظلّ يمسك بإلياس منذ أوّل حرف كتبه وإلى حين ودّع درب حياته. إلياس كما قلّة قليلة من المبدعين العرب سيبقى لأنّ كلماته وأعماله طرحت فكراً إنسانياً سيبقى خالداً ما بقي الإنسان.

إلياس كما قلّة قليلة من المبدعين العرب سيبقى لأنّ كلماته وأعماله طرحت فكراً إنسانياً سيبقى خالداً ما بقي الإنسان

واسيني الأعرج: آمن بالكتابة وانسحب

أما الكاتب الجزائري واسيني الأعرج فقال في مكالمة هاتفية مع “أساس ميديا”: “العزاء للشعب اللبناني والعربي والعالم أيضاً عن فقدان هذه القامة الثقافية والإبداعية والإنسانية”. ووصف خسارة الياس خوري خسارة بالكبيرة جداً “لأنّه يتمتّع أوّلاً بشخصية عظيمة جداً لناحية الجانب المرح الإنساني، وهو ما يجعله يدخل بسرعة إلى قلوب الناس، ثمّ لأنّه مبدع كبير، ثمّ لالتزامه القضية الفلسطينية، وهذا أعطاه سبقاً على غيره من الكتّاب العرب منذ الحرب الأهلية اللبنانية إلى حين وفاته، ليس بسبب مقالاته أو إبداعاته، ونعرف أنّها كانت مخصّصة بغالبيّتها للشعب الفلسطيني وظروفه القاسية، وخصوصاً الإبداعات الأخيرة”.

اكتسب الياس خوري هذه السُّمعة العظيمة في العالم العربي من خلال 3 قنوات: أوّلاً القناة الإبداعية وكانت مهمّة، فالإنسان لا يمكن أن يجد طريقه إلى الشهرة والاعتراف إلا إذا كان فنّاناً ومبدعاً كبيراً، والياس كان كذلك فعلاً. في كلّ رواياته فتحٌ جديد لمساحة استطاع أن يفتحها في الجسد الإبداعي العربي، بل إنّ هذه القيمة الثقافية جعلت من بعض أعماله ترتقي إلى السينما والترجمات العالمية المختلفة، وترتقي به إلى أن يكون أستاذاً محاضراً في جامعات أميركية وأنغلوساكسونية وحتى فرنسية.

الياس خوري ليس شخصية بسيطة وعادية، لذا كان فقدانه محزناً كثيراً وترك فجوة وألماً كبيرين

سمح هذا لإبداعاته بأن تنتشر كثيراً لأنّك عندما تحاور شخصاً بشكل مباشر من خلال لقائه، فهذا يمنح فرصة للناس للتعرّف عليه ليس فقط من خلال الكتب لكن أيضاً من خلال ردود فعله ومرحه وطريقته في الحديث ومن خلال وعيه الثقافي، لأنّ الياس خوري لم يكن كاتباً فقط، بل مفكّر وصحافي وإعلامي يدير العملية الثقافية بحكمة ورؤيا ويعطي كلّ مساحة وقتها وجدّيتها. وقد تابعته من خلال مقالاته في النهار، ثمّ أسّس الملحق الأسبوعي فيها الذي كان رائداً وفتح مساحات للرأي والجدل والحوار الجريء، ثمّ في أكثر من صحيفة هنا وهناك. وفي السنوات الأخيرة كنّا جيراناً على صفحة واحدة أسبوعياً في القدس العربي. إذاً هذه قناة أولى جعلت من نصوصه تصل إلى المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا)، ثمّ سنكتشف أنّ إبداعاته وصلت إلى الصروح الأكاديمية والعمق الجامعي هناك، وتحوّلت إلى مساحة للدراسات الأكاديمية في المغرب العربي. مثلاً عندنا كثير من البحوث والدراسات في جامعة الجزائر يجريها طلاب، خصوصاً حول القضية الفلسطينية من خلال أدبه ومن خلال ثلاثيّته الأخيرة، والنصّ الروائي وتحوّلاته من خلال بعض نصوصه. ففي الجزائر والمغرب العربي لا يمكن أن تجد طالباً في اللغة العربية لا يعرف الياس خوري. إذاً هذه قناة أولى أساسية، وهي القناة الإبداعية والمركزية التي ركّز عليها خوري لكي يمرّر خطابه وأفكاره وانشغالاته كمثقّف عربي وإنساني.

القناة الثانية ناضل فيها أيضاً، فإلياس خوري اعتبر أنّ المقالات التي يكتبها ليست من أجل شعبيّته أو الوصول إلى الناس أو إثبات إبداعاته. فقد اكتسب سمعة عبر الأدب، ويحاول عبر مقالاته الدخول في نقاش مع الناس عبر طرح قضايا إنسانية كبرى. وكان حاضراً دائماً في القضايا اللبنانية والعربية من فلسطين إلى الانتفاضات والثورات العربية وما آلت إليه المجتمعات العربية… نتّفق معه أو نختلف، لا مشكلة، لكنّه كان رجلاً مقداماً ورجلاً في الأمام، أي أنّه لم يصمت. وأعتقد أنّ هذه المقالات والمحاولات جعلته أيضاً مركز نقاش وتعرّف الناس عليه من خلالها وساجلوه وناقشوه.

 اليوم خسر العالم العربي وفلسطين تحديداً والعالم صوتاً عظيماً لا يُعوّض

القناة الثالثة هي البُعد التنقّلي له، فهو كان حاضراً في كلّ المساحات والفضاءات الحيّة والندوات، وفي اللقاءات العربية ومعارض الكتب. وهذا الحضور العربي المشعّ والمتنوّر فتح المساحات أكثر لكي يتعرّف عليه الناس والكتّاب والمبدعون، ويجادلوه أو يساجلوه. هذه القنوات التي ذكرتها سابقاً أعتقد أنّها هي الوسيط الأساسي لنقل تجربة الياس خوري الإبداعية والإعلامية خارج دائرة لبنان وخارج الدائرة العربية.

الياس خوري ليس شخصية بسيطة وعادية، لذا كان فقدانه محزناً كثيراً وترك فجوة وألماً كبيرين. اليوم خسر العالم العربي وفلسطين تحديداً والعالم صوتاً عظيماً لا يُعوّض. هو مبدع لا يعوّض لأنّه من الذين يؤمنون بالكتابة ثمّ الانسحاب، لأنّ قضيّته أن يوصل رأيه. هو مؤمن بالحرّية وآراء الناس ويهمّه أن يوصل هذا الانشغال وكان يوصله عن طريق الإبداع.

علويّة صبح: … فإنّ حياة أخرى له تحدث بعد الرّحيل

“كنت أتّفق مع الياس على أنّ الثقافة موقف، وإن كنّا نتفارق في هذا الموقف في كثير من الأمور ونتّفق على بعضها”، تشير الروائية اللبنانية علوية صبح. وتضيف: “ليس الآن سوى وقت للحزن… الإنسان يحتاج إلى مرحلة حداد ليس فقط حبّاً واحتراماً وألماً على الفراق، لكن لتقبّل الغياب ولو بحدّ أدنى”.

عرفت الياس منذ أصدر روايته “الوجوه البيضاء” التي أحبّها. عرفته صديقاً أنيساً متمرّداً عنيداً حنوناً وقاسياً ولاذعاً وصاحب مشروع روائي خاصّ، وإن كان من جيل الكتّاب الذين انضووا إلى اليسار والمقاومة وربطت أعمالهم بين الكتابة والأيديولوجية والأفكار والرؤى التغييرية والثورية.

هو كاتب ومثقّف كبير، وواحد من الكتّاب اللبنانيين والعرب الذين أحدثوا أساليبهم ومشاريعهم الروائية المرتبطة بزمن التحوّلات الصعبة في لبنان والمنطقة، كلٌّ بأسلوبه وعالمه الكتابي والروائي الخاصّ به. مكانته متميّزة وعمارته الكتابية راسخة في إنجازاته. وإن رحل الكاتب فإنّ حياة أخرى له تحدث بعد الرحيل. ومع الأجيال المقبلة، قد يولد مرّات ومرّات مع كلّ قارئ يعشق كتاباته .

هو مبدع لا يعوّض لأنّه من الذين يؤمنون بالكتابة ثمّ الانسحاب، لأنّ قضيّته أن يوصل رأيه. هو مؤمن بالحرّية وآراء الناس ويهمّه أن يوصل هذا الانشغال وكان يوصله عن طريق الإبداع

أعمال الياس خوري تحمل موت إرهاصات زمن وتجارب وتحوّلات الزمن والمكان .حلم القضية الفلسطينية هو أحلامه التي رسمها في أعماله، حيث كلّ عمل شاهد ومشهود له في كلّ رواية.

قد تختلف أو تتّفق مع الياس، لكنّ مكانته محفورة في الرواية اللبنانية .أحبّ أعمالاً له ولا أحبّ غيرها، لكنّ الحقيقة هي أنّه معلم من معالم هذه الرواية اللبنانية والعربية .

الياس، لا وقت الآن إلا للحزن، بعدما دخلت باب الشمس ليبقى مفتوحاً للضوء.

سمر يزبك: ترك همّاً ثقيلاً في البحث عن ذاكرة هويّاتنا

الكاتبة السورية المعارضة اعتبرت أن الياس خوري كان “أحد الكتّاب والمثقّفين الذين ارتبطت حياتهم بمعنى وجودهم وكينونتهم، ومن أولئك الذين يسعون إلى تغيير العالم ويحاولون إعادة بنائه عبر كلماتهم وأفعالهم. لم يلجأ إلى التورية ولا المظلوميّة. كان رجلاً مقاوماً للرداءة البشرية، ومحبّاً عظيماً للحياة”.

ككاتبة من جيل أصغر، تقول، “يشكّل الياس خوري في وجداني عالماً مختلفاً، تربّيت على كتبه، وساعدني على النشر في دوريّات عدّة وفتح أمامي آفاقاً أوسع، وفعل ذلك مع كثر. وقف إلى جانب الشعب السوري في ثورته ضدّ النظام الدكتاتوري، وكانت أنشطته وتأثيره يتنقّلان بين عدّة هويّات ثقافية وسياسية ومجتمعية… ترك لناً همّاً ثقيلاً في البحث عن ذاكرة هويّاتنا الوطنية، وقد فعل ذلك بجدارة المعلّم. أعزّي نفسي عن فقدانه، وأعزّي الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين. أعزّي كلّ أصحاب الكلمة الحرّة. قد يبدو هذا كلاماً قد مضى عليه الزمن! ولكنّه يستحقّ امتياز صفة المثقّف العضويّ متجرّدة من كلّ هالاتها وأوهامها وتسخيفها. لقد استنهض أحلام جيل كامل، وهو يذهب الآن تاركاً لنا حلم العدالة شاخصاً ومُنتظِراً”.

 وداعاً يا معلّم، أنت هنا بين كلماتنا وأفئدتنا!

أعمال الياس خوري تحمل موت إرهاصات زمن وتجارب وتحوّلات الزمن والمكان .حلم القضية الفلسطينية هو أحلامه التي رسمها في أعماله، حيث كلّ عمل شاهد ومشهود له في كلّ رواية

نبيل سليمان: عن أيّة جماهيريّة للرواية نتحدّث اليوم؟

الناقد والكاتب نبيل سليمان اعتبر أنه “حين يكون الجرح بفقد الصديق المبدع الأبهى طريّاً، يلتبس الحديث عنه”. وعلى الرغم من ذلك، “أرجّح أنّ جماهيرية الياس خوري ليست على ما يرام في سوريا، بفعل زلزالها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والروحي الذي قلب عاليها سافلها منذ عام 2011، حيث طغى القتال بكلّ سلاح، كما طغى التهجير والتجهيل والإفقار والفساد والاستبداد”، يؤكد سليمان. ويشير: “فما عاد للقراءة مطرح إلا ما ندر، حتى لدى من ضحكت لهم المنافي فكيف بملايين المخيّمات؟”

يسأل سليمان: “عن أيّة جماهيرية للرواية نتحدّث حيث تهاوت المدارس والجامعات والمكتبات، وتفشّت الثقافة الطائفية والعرقية؟ بل لا أظنّ أنّ جماهيرية الياس خوري أو أمثاله من كبار المبدعين هي أحسن حالاً في ليبيا أو اليمن أو… هل أقول: ولبنان؟”

ويرى أنه بفعل رواياته أوّلاً كانت لإلياس خوري جماهيريّته، وبفعل كتاباته وممارساته السياسية ثانياً أو ثالثاً، إلّا في لبنان وفلسطين، حيث قد تكون السياسة غلبت الأدب، والخبر اليقين عند دار الآداب، وإن يكن رواج ألف أو خمسة آلاف نسخة من كتاب في السنة لا يعني جماهيرية إلا في بلادنا.

إقرأ أيضاً: الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (1/2)

لكنّ هذا كلّه أمر، وأمر آخر أن يكون لروايات الياس خوري امتيازها. فقد تصدّرت المشهد الروائي العربي منذ رحلة غاندي والجبل الصغير ومملكة الغرباء إلى مجمّع الأسرار وباب الشمس وأولاد الغيتو…

 

*الملف من إعداد الزميلة رنا نجار

مواضيع ذات صلة

نداءٌ ثانٍ ودائم إلى دولة “النبيه”

هو صاحب الفكرة، حامل القلم، إبرة الميزان، والممسك بخيوط كثيرة. لا تخطئ بوصلة نبيه بري. السياسة عنده احتراف. أحد أبرز صنّاع الاستثناء في التاريخ اللبناني…

برّي أطلق مبادرة لوقف إطلاق النار في الجنوب

علم “أساس” أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي يعمل على مبادرة عنوانها التفاهم على خفض التصعيد في جنوب لبنان من الطرفين، ما يسمح بفتح مسار…

نداء إلى دولة “النبيه”

دولة الرئيس نبيه برّي، وحدك دون غيرك من اللبنانيين تملك مفتاح كسر عجزنا السياسي ومراوحتنا الوطنية وتكاسل المسؤولية في أعمالنا. وحدك دولة الرئيس، تملك فرصة…

التسريب المخرِّب لمهمّة صفا: ليست المرّة الأولى!

ليست المرّة الأولى التي يؤدّي فيها التسريب الإعلامي، العفوي أو المقصود، إلى “تخريب” ملفّ وطني أو إنساني. هذا ما يذكره متابعون لقضية المحكومين اللبنانيين في…