لبنان تحت النار. لم يعد السؤال هل ندخل الحرب أم لا. نحن في صميمها متروكون لتلقّي عقاب عدم تلبية النصائح الدبلوماسية السابقة بفصل جبهة جنوب لبنان عن غزة. قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يعيد سكّان المستوطنات إلى الشمال بالقوّة العسكرية. قال منذ ساعات: “يبدو أنّ الحزب لم يفهم جيّداً من أحداث تفجيرات البيجر واغتيال قادة الرضوان، وأنا سأجعله يفهم”. سرعان ما شنّت قوّاته سلسلة غارات على كامل مساحة الجنوب، بكلّ قراه، من الشريط الحدودي وصولاً إلى مداخل مدينة صيدا.
يبدو الأفق الأمنيّ والعسكري مقفلاً مع تمسّك الحزب بموقفه باستكمال ربط الجبهتين، وسقطت كلّ المحاولات الدبلوماسية لتجنّب هذا التصعيد. مبادرة وحيدة أخيرة تقوم بها باريس بدعوتها إلى جلسة طارئة في مجلس الأمن حول التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، فهل تنجح؟
يكثر الكلام عن الموقف الأميركي من الحرب التي أخذت تتوسّع على جبهة جنوب لبنان. لكنّ الخلاصة لا بدّ أن تكون الاعتراف بأنّه فشل في إقناع الاسرائيليين بأيّ شكل من أشكال الهدنة. لذلك لا بدّ من التوقّف عند الدور الفرنسي الذي لم ينكفئ حتى الساعة. فعلى الرغم من كلّ هذا المشهد السوداويّ، أصرّت باريس على الإبقاء على زيارة موفدها الرئاسي جان إيف لودريان لبيروت مدركةً أنّه لا يملك عصا سحرية.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ لودريان سيناقش التصعيد الخطير مع كلّ من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون. وسيناقش سبل الخروج من هذه الأزمة الكبيرة التي خرجت عن حدودها المفترضة. سيلتقي لودريان رؤساء الكتل النيابية كافّة بما فيها الحزب، كما هو مفترض، وبتنسيق أمنيّ. سيطرح لودريان على من سيلتقيهم خطورة الوضع، لا سيما أنّ لبنان متروك في هذه المرحلة الزمنية التي تنشغل فيها واشنطن بانتخاباتها ويستخدمها نتنياهو لتنفيذ مخطّطاته من دون أيّ رادع.
*لودريان الذي سبق أن حدّد زيارته قبل التصعيد الأخير، كان يستند على مؤشرات إيجابية من إيران والمملكة العربية السعودية للدفع باتجاه الملف الرئاسي. على أن يستغل مشاركته في العيد الوطني السعودي (الذي أُلغيَ “تقديراً للظروف الأمنية التي يمرّ بها لبنان”). للدفع باتجاه اجتماع القوى للتشاور حول الرئاسة. أما بعد حصول التطورات الأخيرة، فأبقى على زيارته لكنّه أضاف عليها مهمة جديدة وهي مناقشة القوى اللبنانية حول إمكانية إيجاد مخرج من الحرب. وعليه، سيقدم لودريان ملخّص زيارته في تقرير يسلمه إلى رئيسه قبل سفر الأخير إلى نيويورك. وهناك، يخطّط الرئيس الفرنسي لعرض الأزمة اللبنانية في اجتماع مع الرئيس الأميريكي جو بايدن. على أن يعرض على طاولة الجمعية العمومية للأمم المتحدة الملف اللبناني لإيجاد مخرج للصراع عبر تطبيق القرار ١٧٠١ أو التفكير بنصّ قرار جديد.
معلومات “أساس” تتحدث عن أنّ احتمالات ذلك ضئيلة بسبب اصطدام الرغبة الفرنسية بعدم استعداد واشنطن وتل أبيب لهذا الطرح.
يبدو الأفق الأمنيّ والعسكري مقفلاً مع تمسّك الحزب بموقفه باستكمال ربط الجبهتين، وسقطت كلّ المحاولات الدبلوماسية لتجنّب هذا التصعيد
لكن ماذا سيفعل اللّبنانيّون لمواجهة هذه الحرب؟
الواضح أنّ مواقف القوى المتخاصمة سياسياً مع الحزب في الداخل تعلن إرادتها الالتقاء معه لمواجهة موحّدة لهذه الحرب. لكن كيف يمكن أن يترجم ذلك؟
هذا ما سيبحثه لودريان مع من سيلتقيهم. سيطرح إمكانية الالتقاء لإحداث خرق، على الأقلّ في الملفّ الرئاسي، لعلّه يكون بوّابة لإيجاد مخرج للأفق المقفل على جبهة الجنوب.
في المعلومات أنّ لودريان الذي تأتي زيارته بعد لقائه مستشار الديوان الملكي نزار العلولا يعتقد أنّ مقاربة صحيحة للملفّ الرئاسي يمكن أن تقنع القوى بأنّها بداية مخرج للعقم الذي وصل إليه المشهد السياسي في لبنان، والمشهد الأمنيّ والعسكري أيضاً.
بعد جولته في لبنان سيقدّم لودريان تقريراً إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي لا يزال يتحرّك آملاً إيجاد مخرج للتصعيد بين لبنان وإسرائيل
… وماكرون في نيويورك
بعد جولته في لبنان سيقدّم لودريان تقريراً إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي لا يزال يتحرّك آملاً إيجاد مخرج للتصعيد بين لبنان وإسرائيل. سبق أن تساجل ماكرون مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية بينهما طلب فيها الرئيس الفرنسي وقف التصعيد. وعبّر ماكرون في اتصال مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس نبيه بري عن رغبته في لعب دور للوصول إلى حلّ.
عليه سيحمل ماكرون تقريره عن الوضع في لبنان وسيضعه، كما تقول المعلومات، على طاولة نيويورك في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها المقبلة. وفي المعلومات أنّ ماكرون سيطرح مناقشة قرار أممي يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن يشكّل حلّاً للنزاع بين لبنان وإسرائيل.
سيحمل ماكرون تقريره عن الوضع في لبنان وسيضعه، كما تقول المعلومات، على طاولة نيويورك في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها المقبلة
“الحرب الأخيرة”؟
لا بدّ من التذكير أيضاً بأنّ فرنسا هي “حاملة القلم” في إقرار الـ1701، وبالتالي ستحاول اليوم مجدّداً خلق ظروف لنقاش جدّي حول “حلّ نهائي” للنزاع، أكان ذلك عبر تنفيذ القرار 1701 أو عبر قرار أممي جديد يتعلّق بلبنان وغزّة ما دامت الجبهتان ارتبطتا.
في معلومات “أساس” أنّ كباشاً يتوقّعه الفرنسيون مع الأميركيين حول هذا الأمر، لا سيما أنّ مقاربتهم مختلفة، ووسط اتّهام إسرائيل لفرنسا بأنّها تساند بيروت على حساب تل أبيب.
يبدو صعباً اختراق الفيتو الأميركي الحاضر في مجلس الأمن دائماً. لكنّ لبنان سيكون حاضراً بقوّة على طاولة الجمعية العمومية عبر ضغط دبلوماسي لوقف العدوان.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّها لا تستبعد أن يتحوّل الجنوب إلى غزّة ثانية. لذلك هذه الحرب أخطر من أيّ حرب سبقتها لأنّه يراد لها أن تكون الأخيرة لتحقيق أمن مستدام لإسرائيل.
إقرأ أيضاً: مناقلات داخل الحزب استعداداً لـ “الثّأر”
فكيف سيواجه لبنان الحرب؟ وماذا سيفعل الحزب العالق بين غزة وبيروت وطهران؟
في خضمّ الغارات الإسرائيلية على لبنان، أعلن وزير خارجية إيران أنّ طهران مستعدّة لمفاوضات نووية في نيويورك، فهل تكون طاولة نيويورك هي المخرج وبداية “الحلّ النهائي”؟
لمتابعة الكاتب على X: