قد يكون انفجار الآلاف من أجهزة البيجر في أيدي نشطاء الحزب عملاً تخريبياً غير عاديّ، وأحد أكثر الأعمال إثارة للإعجاب من حيث المقدرة المذهلة لإسرائيل على اختراق سلسلة الإمداد الإيرانية والحزب على هذا النطاق الواسع، وبمثل هذا التأثير العنيف. لكنّ السؤال، بحسب مجلّة The Atlantic الأميركية، هو: “ما هو التأثير الاستراتيجي لهذه الهجمات؟ كيف سيؤثّر هذا العمل العنيف، مهما كان مذهلاً، على الحرب المستمرّة بين إسرائيل والحزب وإيران؟”.
يعتقد المحلّل السياسي الأميركي إليوت آشر كوهين الأستاذ الفخري في جامعة جونز هوبكنز الذي كان مستشاراً لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من عام 2007 إلى عام 2009 أنّ “مثل هذه الهجمات قد تؤدّي إلى المعركة الكارثية التي حذّر منها كثيرون، والتي يمطر فيها الحزب المدن الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الصواريخ، بينما تتوغّل الفرق المدرّعة الإسرائيلية في لبنان، وهو ما يتسبّب في فرار مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، شمالاً. قد يكون الدمار الناتج والخسائر المدنية هائلة، أو قد لا يحدث كذلك”.
يضيف كوهين أنّ “الحزب وإيران لا يرغبان حالياً في خوض مثل هذه المعركة المروّعة، وكان بإمكانهما اختيار خوضها في أيّ وقت خلال السنوات القليلة الماضية. وإذا تعرّض الحزب للضربات بالطريقة نفسها التي تعرّضت لها حماس، فإنّ إيران تخاطر بفقدان حليفها الأكثر فعّالية ضدّ إسرائيل، وبالتالي الولايات المتحدة. كما أنّه لمواصلة الحرب المفتوحة، يجب أن يكون الحزب على استعداد للتضحية بالسكّان الشيعة اللبنانيين مصدر كوادره من المقاتلين”.
يرى كوهين أنّ الهجمات الأخيرة تشكّل فوزاً استراتيجيّاً لإسرائيل وإذا وضعنا جانباً واقع إصابة الآلاف من عناصر الحزب
الحرب الوجوديّة
يتابع: “يجب أن تدرك إيران والحزب أنّ إسرائيل تخوض معركة وجودية وفقاً لمجموعة مختلفة من القواعد. فالكثيرون داخل إسرائيل، بما في ذلك من هم في الجانب الحمائميّ من الطيف السياسي، يعتقدون أنّ حرباً كبيرة من هذا النوع مع الحزب ليست حتمية فحسب، بل وضرورية أيضاً. ويعتبر العديد من الإسرائيليين أنّ الوضع الراهن، مع نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين من المنطقة الحدودية، وإخلائها من السكان، واستمرار سقوط الصواريخ القاتلة من الشمال، أمر غير مقبول. فالحرب على طول الحدود الشمالية لإسرائيل لم تكن لها علاقة بالسلوك الإسرائيلي الفوري، بل كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بادّعاء جدارة المشاركة، في وقت متأخّر، في الحملة التي انطلقت في 7 أكتوبر من غزة. وهذا جزء من استراتيجية تمّ وضعها في طهران لكن تمّ تنفيذها من بيروت وتهدف إلى سحق معنويات الإسرائيليين واستعدادهم للقتال بهدف استئصال الدولة اليهودية”.
يضيف: “إذا اندلعت حرب أوسع نطاقاً الآن، فإنّ قادة إسرائيل سيخوضون هذه المجازفة، ولن يواجهوا الكثير من المعارضة من الإسرائيليين مهما كان طيفهم السياسي إذا قاموا بذلك دون ضبط النفس ودون قيود”، يقول كوهين الذي كان أحد أوائل المحافظين الجدد الذين دعوا علناً إلى الحرب ضدّ إيران والعراق”.
الفوز الاستراتيجيّ
يرى كوهين أنّ “الهجمات الأخيرة تشكّل فوزاً استراتيجيّاً لإسرائيل. وإذا وضعنا جانباً واقع إصابة الآلاف من عناصر الحزب بالإعاقة أو الوفاة بسبب هذه الانفجارات، يجب أن نأخذ في الاعتبار التأثير النفسي. فمن غير المرجّح الآن أن يثق أعضاء الحزب بأيّ شكل من أشكال الأجهزة الإلكترونية: مفاتيح السيارات، والهواتف المحمولة، وأجهزة الكومبيوتر، وأجهزة التلفاز. لا شكّ أنّ الأساطير والخرافات، التي تعزّزها بلا شكّ حملة حرب معلوماتية، ستعمل على تضخيم نجاح إسرائيل في اختراق الصناديق السوداء مهما كان حجمها. إنّ الجيش الذي يخشى أيّ نوع من الأجهزة الإلكترونية هو جيش مشلول. فالقائد الفرد، مثل يحيى السنوار من حماس، يستطيع التواصل دون هاتف، لكنّ منظّمة بأكملها لا تستطيع ذلك”.
إيران تخاطر بفقدان حليفها الأكثر فعّالية ضدّ إسرائيل، وبالتالي الولايات المتحدة. كما أنّه لمواصلة الحرب المفتوحة
بالنسبة له “إيران، التي تعاني من صدمة اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس في دار ضيافة تابعة للحرس الثوري في يوم تنصيب الرئيس الجديد، لديها أيضاً الآن الكثير ممّا يجب أن تتساءل عنه: كيف اخترق الإسرائيليون سلسلة التوريد؟ كيف تمكّنوا من الوصول إلى أجهزة البيجر؟ وكيف عرفوا أنّ هذه الدفعة كانت في طريقها إلى الحزب؟ كيف تمكّنوا من الالتفاف على الإجراءات الأمنيّة التي تمّ اتّخاذها؟”.
يعتبر أنّ “فشلاً بمثل هذا الحجم سيؤدّي إلى حملة مطاردة تغذّيها بلا شكّ حملة حرب إعلامية قويّة. ومن المرجّح ألّا تكون المنظّمات التي تبحث عن جواسيس ومخرّبين، خاصة بعد مثل هذه الكارثة، متساهلة أو محسوبة، حيث من المحتمل أن تتبع ذلك دوّامة من الاتّهامات والتعذيب والإعدام. الحرب هي أوّلاً وقبل كلّ شيء مسألة تتعلّق بالعقل بقدر ما تتعلّق بأيّ شيء آخر. ومن خلال إظهار مدى نفوذها غير العاديّ، ستولّد إسرائيل الخوف والشكوك الداخلية التي قد تكون أكثر شللاً من الخوف من العدوّ. فبالنسبة لإسرائيل التي عانت من حرب شاقّة استمرّت عاماً كاملاً، تخلّلتها وفاة جنود، بل وما هو أكثر إيلاماً، قتل الرهائن قبل وقت قصير من تحريرهم، سيكون ذلك بمنزلة دفعة هائلة لمعنويّاتها. وهذا أيضاً من الفوائد المهمّة لهذه العملية، ولا ينبغي الاستهانة بها”.
قد يعتقد البعض أنّه عمل إسرائيلي متهوّر آخر، أو يستنكر العنف باعتباره غير فعّال، لكنّهم مخطئون. فكلّ الدلائل تشير إلى أنّ هذا كان عملاً مدروساً
يرى كوهين في الهجمات “رسالة للولايات المتحدة ودول أخرى. لقد تعلّم الإسرائيليون على حسابهم أن يطلبوا المغفرة بدلاً من الإذن، وأن يتصرّفوا بمفردهم عند الضرورة. إنّ مثل هذه السمعة تزيد من نفوذ الحليف لدى راعيه من القوى العظمى، وتحرّضه على مراعاة مخاوف شريكه الأكثر تواضعاً. كما أنّ هناك مجتمعاً كبيراً يعمل في الظلّ يشجّع الإسرائيليين مثال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووكالات الاستخبارات الأخرى في مختلف أنحاء العالم التي تعمل ضدّ الحزب أو ضدّ إيران، فهي ستوافق على الهجمات الجريئة والمنفّذة جيّداً ضدّ تلك المنظمة، ولا ينبغي لنا أن نستخفّ بالنوايا الحسنة الناتجة عن ذلك”.
إقرأ أيضاً: مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو
يخلص إلى القول: “لا أحد يعرف إلى أين قد تقود كلّ هذه الأحداث. فقد تندلع حرب كبيرة للغاية، أو قد يلجأ الحزب وإيران، كما حدث بعد اغتيال شكر وهنية، إلى ردود غير فعّالة أو رمزية. قد يعتقد البعض أنّه عمل إسرائيلي متهوّر آخر، أو يستنكر العنف باعتباره غير فعّال، لكنّهم مخطئون. فكلّ الدلائل تشير إلى أنّ هذا كان عملاً مدروساً، وأنّ العنف المستهدف الواسع النطاق، سواء كان مقصوداً أم لا، يمكن أن ينجح.. ومن خلال هذا العمل، وغيره من الأعمال الأخرى، تحوّل ميزان الخوف في الشرق الأوسط، مهما كان حجمه ومهما طال أمده، وهذا أمر جيّد بالنسبة لإسرائيل”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا