إيران والحزب: أنقذنا يا يزيد

2024-09-17

إيران والحزب: أنقذنا يا يزيد

لماذا عاد الشعار الحسينيّ/ اليزيديّ الآن؟

للشعار هذه المرّة أسباب مختلفة بعض الشيء. فقد خسرت إيران كثيراً من الهيبة في الحرب الأخيرة، وكذلك الحزب في لبنان. وظهرت تساؤلات بين الجمهور الشيعي: هل كانت حرب الإسناد من جانب الحزب والحوثيين ضرورية؟ هنا كان لا بدّ من القول إنّ الحرب هي حرب حسينية بين الحقّ والباطل (اليزيديّ)، ولا بدّ أن تستمرّ لأنّ مقاومة الشرّ هي مبدأ باقٍ لدى الشيعة منذ الحسين. ولذلك هبّ مشايخ من السنّة في لبنان (وليس في العراق!) للقول إنّ المقصود باليزيديّين إنّما هم الصهاينة، لكنّهم لم يوفّروا المتخاذلين والذين هم ضدّ محور الممانعة.

 

عادت في الأسابيع الأخيرة مسائل الصراع على التاريخ والرموز التاريخية، ومنها الصراع بين الإمام الحسين ويزيد بن معاوية، وآخر من صرّح بها وزير الخارجية الإيراني بالعراق إذ قال إنّ صراع الحسينيين مع اليزيديين هو صراعٌ بين الحقّ والباطل، صراعٌ بين الحقّ والسيف، وبين الشهادة والطغيان إلى أن ينتصر أهل الخير والعدل. أمّا زعيم الحزب فاحتفى في إحدى خطبه بأربعينية الإمام الحسين معتبراً الحرب على إسرائيل في قلب أربعينية الشهادة هذه. وتكرّرت هذه العودة لرموز شهادة الحسين وذكرياتها لمناسبة عاشوراء قبل شهرين وصارت سائدة في تصريحات الكثيرين بإيران والعراق ولبنان والحوثيين باليمن.

استخدام هذا الرمز (الحسين وشهادته) في مواجهة يزيد بن معاوية وإجرامه، عاد للواجهة بعد ملاحم العراق الطائفية ومذابحها (2005-2007) التي أثارها أبو مصعب الزرقاوي. وقتها قال المالكي الذي تولّى رئاسة الحكومة بالعراق بعد الغزو الأميركي لفترتين (بدعمٍ من الأميركيين) إنّ الصراع هو بين نموذج الحسين ونموذج يزيد، ويستمرّ لحين هزيمة اليزيديين واندحارهم! وكان قصده بذلك اجتذاب الناخبين الشيعة.

الأقطار التي نشرت فيها إيران نفوذها كانت ذات سلطات أو كثرة سنّية مثل سورية ولبنان والبحرين وأفغانستان وباكستان وأذربيجان ولاحقاً العراق

من يزيد إلى المغول

تولّى يزيد السلطة إثر وفاة والده معاوية عام 59هـ بعدما بويع في حياته، وتوفّي عام 64هـ. وقد ثار عليه الحسين بن علي بن أبي طالب عام 61هـ وأتى من المدينة المنوّرة لأنّ أنصاره بالكوفة استدعوه، فأرسل له عبيد الله بن زياد والي يزيد على العراق جيشاً واجهه خارج الكوفة، فاستُشهد مع العديد من قرابته (قرابة رسول الله)، وبعدها ثار أهل المدينة على يزيد فهزمهم جيشه في وقعة الحرّة عام 63هـ، وثار عبد الله بن الزبير بمكّة على يزيد أيضاً، وتوفّي يزيد عندما كانت جيوشه تحاصر ابن الزبير بمكّة. وفي السنتين اللاحقتين حاول أنصار آل البيت الانتقام للحسين من طريق تمرّد “التوّابين”، ثمّ تمرّد المختار الثقفيّ الذي استولى على الكوفة، بيد أنّ أنصار ابن الزبير كانوا هم الذين تمكّنوا من قتل عبيد الله بن زياد إلى أن استتبّ الأمر للأمويين من جديد عام 72هـ أيّام عبد الملك بن مروان. ذكرت هذا الاستطراد للقصّة بعد المأساة التي تركت أسىً عميقاً في سائر الأوساط، وبخاصّةٍ “شيعة علي” وآل البيت. وبعد صراعاتٍ قبلية وعسكرية اشتعلت عام 125هـ تمكّن العبّاسيون من سلالة العبّاس بن عبد المطلب عمّ النبي من هزيمة الأمويين في موقعة الزاب عام 132هـ، فأقبلوا على إبادة الأمويين ثأراً للحسين. ثمّ اشتبكوا مع الفرع الحَسنيّ من آل البيت من أجل الاحتفاظ بالسلطة التي ظلّوا فيها حتى عام 656هـ حين أزالهم المغول!

ليس هناك أنصارٌ ليزيد بن معاوية بين السنّة في الماضي ولا اليوم. وهناك قصّة طريفة بهذا الصدد

بين صدّام والخمينيّ

إبّان الصراع الذي استمرّ لحوالي قرن، كان هناك شيعةٌ كثيرون لعليّ وأعقابه، وما كان الافتراق بين الشيعة والسنّة، بل كان الصراع بين فريقٍ من شيعة عليّ وبين الأمويين ثمّ العباسيين. بيد أنّه خلال القرون التالية وإلى قيام الدولة الفاطمية، وقد تكوّنت الأحزاب السياسية/الدينية، ظلّت هناك ظلال لتعيير بعض السُّنّة بالأُمويّة أو اليزيديّة. إنّما غالباً كان خصوم عليّ من الأفراد يسمَّون “نواصب” وهو التعبير الذي استعمله أمين عام الحزب في واحدة من كلماته الأخيرة وليس سنّة. ذلك أنّ العقائد السنّية الرسمية ظلّت تعتبر الحسين شهيداً، وتعتبر عليّاً رابع الراشدين أو ثالثهم، وإن لم تقل إنّ أعقاب عليّ هم ورثة السلطة أو الأحقّ بها بعد رسول الله(ص). ومرّةً أخرى إنّما ذكرتُ هذه التفصيلات، لأنّ القضيّة أثيرت مرّةً ثالثةً أو رابعةً في الصراع بين العثمانيين وبين الصفويين والقاجاريين بإيران بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر للميلاد. وقد خفت الصراع السلطوي/ الديني هذا وكاد يزول بعد قيام الدول الوطنية بالمشرق لحين قيام الثورة الإسلامية بإيران عام 1979. وقد كان من سوء الحظّ والتقدير أنّ صدّام حسين (السنّي) كان أوّل من شنّ الحرب على العهد الثوري الجديد عام 1980.

إيران

مع أنّ الإمام الخميني (توفّي 1989) وبمقتضى مبدأ تصدير الثورة في الدستور الإيراني كان يعتبر نفسه زعيماً للإسلام بصورةٍ عامّة، فإنّ الاستراتيجية الإيرانية ذات الشقّين الاستراتيجي والمذهبي أعادت الصراع التاريخي إلى الأذهان، بسبب الردّ على حرب صدّام، ولأنّ الأقطار التي نشرت فيها إيران نفوذها كانت ذات سلطات أو كثرة سنّية مثل سورية ولبنان والبحرين وأفغانستان وباكستان وأذربيجان ولاحقاً العراق (بعد الغزو الأميركي عام 2003) واليمن بعد فترة 2012-2014، وفي كلّ الظروف اعتبار الثورة الإسلامية نفسها مسؤولةً عن القضية الفلسطينية ومصارعة الأميركيين وإسرائيل.

للشعار هذه المرّة أسباب مختلفة بعض الشيء. فقد خسرت إيران كثيراً من الهيبة في الحرب الأخيرة، وكذلك الحزب في لبنان

لماذا العودة إلى هذه الشّعارات؟

ظللتُ لوقتٍ متأخّر (حوالى عام 2015) أعتبر تمدّد النفوذ الإيراني في العوالم العربية والسنّية تنافساً أو صراعاً استراتيجياً. وقد بدأتُ الاهتمام بذلك أواخر الثمانينيات من القرن الماضي عندما قرّرت ترجمة كتاب الراحل روي متحدة (الذي توفّي في 31 تموز 2024): “بردة النبي، الدين والسياسة في إيران” (1986). ومنذ ذلك الحين تابعتُ باستمرار تطوّر السياسات الإيرانية تجاه العرب عبر التصريحات والوقائع. ونشرتُ بين عامَي 2008 و2010 عدّة دراسات عن الأمرين الاستراتيجي والمذهبي في السياسات الإيرانية. ومن بينها جدالات مع الشيخ الراحل يوسف القرضاوي رئيس هيئة علماء المسلمين (بقطر) الذي تخلّى عن حياده الإيجابي تجاه إيران الإسلامية واتّهمها بالعمل على تشييع السنّة.

لا أنصار ليزيد

ليس هناك أنصارٌ ليزيد بن معاوية بين السنّة في الماضي ولا اليوم. وهناك قصّة طريفة بهذا الصدد. ففي مجلس للإمام الغزالي بمدينة طوس (مشهد اليوم) جلس رجل صامتاً على مدى ثلاثة أيام وعندما سأله الغزالي أخيراً إن كان له تعليق قال: إنّك لم تلعن يزيد في المجالس الثلاثة، فصمت الغزالي قليلاً ثمّ قال: يا ابن أخي، هل الشيطان أكثر شرّاً أم يزيد؟ قال: بل الشيطان، فقال الغزالي: فهل لعنت الشيطان اليوم أو أمس أو أوّل من أمس؟ قال: لا! قال: إذا كان بوسعك أن لا تلعن الشيطان لأنّه لم تكن هناك مناسبة، فبوسعي أيضاً أن لا ألعن يزيد بدون سياق، لعن الله يزيد، لكنّني والله يا ابن أخي لا أحبّ أن ألعن أحداً، رحم الله الحسين ووالد الحسين وأمّ الحسين ورسول الله (ص) جدَّ الحسين، ونصر الحقّ وأهله!

إقرأ أيضاً: نتنياهو يريد ضرب إيران… وخامنئي “يتراجع تكتيكيّاً”

هي حساسيّاتٌ عميقةٌ والإخوة (وبينهم سنّة) يعتبرون أنّ الشيعة يقدّمون لفلسطين من سنوات أكثر ممّا يجب عليهم. وهو الأمر الذي أبلغهم به يحيى السنوار في رسالته الشاكرة والممتنّة إلى زعيم الحزب قبل أيام. ومنطق حسينيّي هذا الزمان: من لم يعجبه ذكر يزيد بالإنكار واللعنة فهو من أحبابه!

 

لمتابعة الكاتب على X:

@RidwanAlsayyid

مواضيع ذات صلة

لبنان ضحيّة المفهوم الخاطئ للانتصار!

يُخشى تحوّل لبنان ضحيّة أخرى للمفهوم الخاطئ للانتصار، وهو مفهوم رائج لدى قسم كبير من الأنظمة السياسية في المنطقة. ليس مفهوماً إلى الآن كيف يمكن…

“علوّ اليهود في الأرض”.. كيف نواجهه؟

“إعصار البايجر” هو النقطة الفاصلة في هذه الحرب، الإسنادية في شكلها، الاستنزافية في جوهرها. هو ليس تفصيلاً بسيطاً، بل رأس الجبل من تجويف خطير لخطاب…

بزشكيان ابن مهاباد يفعّل كرديّته في العراق !

لا تطلب إيران المساعدة من أحد لمعالجة مشاكلها الداخلية والخارجية، لكنّها لا تتردّد في فرض خدماتها على الآخرين في الإقليم.   قرار الرئيس الإيراني مسعود…

نكسة لبنان الرقمية

هل يمكن، بالمعنى العسكري، إلحاق الهزيمة بإسرائيل، من طرف “حزب الله”، أو حتى الأم الراعية، إيران، ناهيك، حتى لا ندخل في دائرة المزح، من طرف…