مفاوض إسرائيليّ: نتنياهو لن يقبل بصفقة تنهي الحرب

مدة القراءة 9 د

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة. وحركة حماس لن توقّع اتفاقاً لا ينهي الحرب. ويعتبر باسكين أنّ اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية سيترافق مع مفاوضات إقليمية من أجل الاستقرار والأمن والتنمية الاقتصادية، وأنّ هذا هو الطريق إلى الأمام لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

كان غيرشون باسكين المفاوض في المناقشات السريّة بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح أكثر من 1,000 أسير فلسطيني في عام 2011، بما في ذلك يحيى السنوار، الرئيس الحالي لحركة حماس في قطاع غزة، مقابل إطلاق سراح الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي تمّ أسره عام 2006، وتفاوض في مراحل لاحقة في كثير من الأحيان مع حركة حماس. لهذا يدرك الصعوبات والعراقيل التي تواجه المناقشات في المفاوضات على ما يطرح من خطط لإنهاء الحرب في غزة.

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة

في مقابلة مع صحيفة “لومانيته” l’Humanité الفرنسية يشرح باسكين، وهو مؤسّس ومدير “مركز الأبحاث والمعلومات الإسرائيلي الفلسطيني”، أنّ “الخطّة الأخيرة التي تتمّ مناقشتها حالياً هي التي قدّمها الرئيس الأميركي جو بايدن علانية في أيار الماضي وتتضمّن اتفاقاً على ثلاث مراحل:

– مرحلة أولى تستمرّ 42 يوماً، وتفرض وقفاً لإطلاق النار.

– تتبعها إعادة انتشار إسرائيل خارج المناطق المأهولة بالسكان، على أن تطلق حماس خلال هذه الأسابيع الستّة سراح 32 رهينة”.

ويدّعي أنّه “تتمّ حالياً مناقشة قائمة الأسماء. وفي إطار هذه المفاوضات، يدفع الأميركيون إسرائيل إلى فكّ الارتباط مع ممرّ فيلادلفي الذي يمتدّ 14 كيلومتراً على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة والذي يعتبرونه منطقة مأهولة بالسكّان. ويتمّ التركيز في القاهرة والدوحة على انسحاب القوات الإسرائيلية من خمسة إلى ثمانية مواقع عسكرية على طول ممرّ فيلادلفي خلال الأسابيع الستّة لوقف إطلاق النار”.

كان غيرشون باسكين المفاوض في المناقشات السريّة بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح أكثر من 1,000 أسير فلسطيني في عام 2011، بما في ذلك يحيى السنوار

حماس لن توقّع

يستبعد باسكين التوصّل إلى اتفاق لأنّ “حماس لن توقّع على صفقة لا تنهي الحرب، ولن يقبلها نتنياهو إذا أنهت الحرب. جميع النقاط الأخرى هي تفاصيل: السجناء، وإعادة الانتشار، وممرّ فيلادلفي… وفي هذه النقطة بالتحديد لم يكن هناك اتفاق. وتعارضها مصر وحماس، ويرفض الإسرائيليون الانسحاب من هذه المنطقة”.

يعتقد خبير التفاوض أنّ “هذه الاستراتيجية سيّئة لأنّه لا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد هذه الأيام الاثنين والأربعين”. وفي رأيه أنّه يجب “وقف إطلاق النار لمدّة ثلاثة أسابيع، وبدء وقف كامل لإطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، وعدد متّفق عليه من السجناء الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية”. ويزعم أنّه طلب من حماس تكليف المصريين والقطريين العمل في هذا الاتجاه. كما طلب ذلك من الأميركيين والإسرائيليين.

في رأي باسكين أنّه “عندما لا تكون لديك مناقشة مباشرة، تصبح المحادثات معقّدة. إنّ الأطراف الثلاثة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، لكلّ منها مصالحها الخاصة، وطريقتها الخاصة في التواصل. لا يمكن أن نعرف هل الرسائل التي يتمّ تسليمها صحيحة في ما ذكرته وهل الإجابات التي تتلقّاها قد تمّ نقلها بدقّة. وبالتالي المستندات المكتوبة هي الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها، لكنّها لا تساعد في الفهم الأمثل. يركّز الجميع على الشكل، أحياناً على حساب الجوهر. وهذه طريقة سيّئة للغاية لإجراء المفاوضات”.

يستبعد باسكين التوصّل إلى اتفاق لأنّ “حماس لن توقّع على صفقة لا تنهي الحرب، ولن يقبلها نتنياهو إذا أنهت الحرب

نتنياهو يريد البقاء في منصبه

ردّاً على سؤال عن كيف تتّخذ حماس القرارات، يشرح باسكين أنّه “تتمّ استشارة جميع القادة، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو الدوحة أو إسطنبول أو بيروت. كما حاولت حماس التشاور مع الموجودين في السجون الإسرائيلية لكن عبثاً. إنّهم يحاولون التوصّل إلى توافق في الآراء، لكنّهم لا ينجحون دائماً”. ويُنقل عن بعض أعضاء الحركة قولهم له في الشهر الثاني من الحرب إنّ “يحيى السنوار لم يكن صانع القرار الوحيد. وعندما يتّخذ القرار يعلنه ممثل حماس في بيروت أسامة حمدان. وحتى لو كان هناك خلاف فالجميع يلتزم بهذا القرار”. ويشير إلى أنّ “خليل الحية، نائب السنوار، موجود خارج غزة منذ بداية الحرب. وقام خلال الأسبوعين الماضيين بنشر بيانات على حساب المنظمة على تيليغرام تحت اسمه. ويبدو أنّ هذا هو التعبير الأخير لحماس. هذه حقيقة جديدة”.

بحسب باسكين فإنّ “هدف نتنياهو هو البقاء في منصبه لأطول فترة ممكنة لأنّه يؤمن بأسطورة التدمير الشامل لحماس. يريد تصفية يحيى السنوار. لكنّ مقتل ستّ رهائن إسرائيليين أخيراً غيّر الوضع قليلاً. إذا قُتل السنوار، فستقوم حماس بإعدام جميع الرهائن. لا يوجد سبب لعدم تصديق ذلك، والجميع يدرك ذلك”.  ويعتبر في هذا السياق أنّ “بن غفير وسموتريتش (وزيرَي الأمن القومي والمالية الإسرائيليَّين اليمينيَّين المتطرّفين) يريدان حدوث انفجار في الضفة الغربية حتى تتمكّن إسرائيل من القيام بما فعلته في غزة: تدمير البنية التحتية والمنازل وإجبار السكان على المغادرة. وفي الوقت نفسه، لم يعد بإمكان الفلسطينيين القدوم للعمل في إسرائيل وبدأوا يتضوّرون جوعاً. المدارس مغلقة لأنّ السلطة الفلسطينية المفلسة لم تعد قادرة على دفع رواتب المعلّمين. وينزل مئات الآلاف من الشباب إلى الشوارع، وهو ما يزيد من مناخ التوتّر. كما نشهد عودة إلى استخدام السيارات المفخّخة والانتحاريين، وهو ما لم يحدث منذ نهاية الانتفاضة الثانية”.

بحسب باسكين فإنّ “هدف نتنياهو هو البقاء في منصبه لأطول فترة ممكنة لأنّه يؤمن بأسطورة التدمير الشامل لحماس

يحذّر من أنّ “هذا الأمر خطير للغاية، فهذا بالضبط ما يريده بعض مشعلي الحرائق في الحكومة الإسرائيلية… بينما الإسرائيليون لا يعرفون ماذا يحدث، لا ينظرون، ولا يهتمّون، وما زالوا يعانون من صدمة 7 أكتوبر ويخشون أن يحدث ذلك مرّة أخرى من الضفة الغربية. يسمعون في وسائل الإعلام الإسرائيلية أنّ الإرهاب يتزايد في هذه الأراضي الفلسطينية، وأنّ هناك المزيد من الهجمات ومن الخلايا الإرهابية، والمزيد والمزيد من الأسلحة المتداولة… يعيشون في خوف. لذلك عندما يسمعون أنّ الجيش الإسرائيلي يدخل الضفة الغربية كلّ ليلة ويقتل الفلسطينيين، فإنّهم يشعرون بالارتياح. إنّهم لا يفهمون أنّ كلّ هذا، في الواقع، لا يؤدّي إلّا إلى صبّ الزيت على النار”.

وفقاً لباسكين “عاد حلّ الدولتين إلى المناقشات الدولية، وهو أمر مهمّ، لكنّه لم يدخل الوعي الإسرائيلي بعد. وربّما سيحدث هذا بعد الانتخابات المقبلة. لكن ما دام نتنياهو رئيساً للوزراء، فلن يكون هناك نقاش حول عملية السلام وحلّ الدولتين”. وهو يؤكّد “وجود صراع بين الإدارة الأميركية ونتنياهو. فالسياق الانتخابي له ثقل كبير. وبما أنّ بايدن لم يعد مرشّحاً، فقد يضطرّ إلى اتّخاذ قرارات لم يكن يفكّر فيها. تودّ كامالا هاريس أن تنتهي هذه الحرب لأنّها لا تساعد حملتها. وتعتمد إسرائيل على الولايات المتحدة، سواء في استخدام حقّ النقض في الأمم المتحدة أو في تسليم الأسلحة. لدى الأميركيين قنوات متعدّدة لإرسال رسائل واضحة إلى إسرائيل، سرّاً أو علناً، إذا فشلت المناقشات المغلقة”.

وفقاً لباسكين “عاد حلّ الدولتين إلى المناقشات الدولية، وهو أمر مهمّ، لكنّه لم يدخل الوعي الإسرائيلي بعد

في رأيه “يجب أن يصبح اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية أمراً واقعاً، وهو ما من شأنه أن يزيل حقّ النقض الإسرائيلي بشأن قضية الدولة الفلسطينية. لن يغيّر الاحتلال، بل سيفرض إعادة تنظيم المجتمع المدني والسياسة في إسرائيل وفلسطين. وسيساعد هذا الاعتراف على توضيح أنّ عملية السلام جزء من المفاوضات الإقليمية من أجل الاستقرار والأمن والتنمية الاقتصادية. فهذا هو السبيل لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكنّنا سنحتاج إلى القليل من المساعدة من الأميركيين والأوروبيين في هذا الشأن. ويجب على جميع البلدان التي لم تعترف بإسرائيل وفلسطين أن تفعل ذلك”.

هذا ما كتبه غيرشون باسكين على منصّة “إكس” X في 8 و10 أيلول الجاري:

لا يعتقد أغلب الإسرائيليين أنّ السنوار سيوافق على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين. وهذا هو السبب الرئيسي وراء عدم وجود أكثر من مليون إسرائيلي في الشوارع كلّ يوم يطالبون بالتوصّل إلى اتفاق. وبمجرّد أن يتّضح أنّ حماس ستقبل صفقة إطلاق سراحهم جميعاً، فسنرى المزيد من الإسرائيليين يطالبون نتنياهو بقبول الاتفاق لإنهاء الحرب والانسحاب من غزة.

لا يعتقد أغلب الإسرائيليين أنّ السنوار سيوافق على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين. وهذا هو السبب الرئيسي وراء عدم وجود أكثر من مليون إسرائيلي في الشوارع

في اليوم التالي لانتهاء الحرب، يتعيّن على الشعب الفلسطيني أن يبدأ تنفيذ خطّة متماسكة لإنشاء حكومة مؤقّتة شرعية وذات مصداقية في غزة ليست من حماس. وإذا استمرّت حماس في السيطرة على غزة، فلن يدخل دولار واحد من المساعدات الدولية إلى غزة لإعادة الإعمار. وسيستمرّ شعب غزة في المعاناة من العواقب المروّعة للحرب التي بدأتها حماس. يريد غالبية سكّان غزة ألّا تحكمهم حماس وتسيطر عليهم مرّة أخرى. إنّ الفلسطينيين في الضفة الغربية يجب أن يحلّوا محلّ قيادتهم الضعيفة وغير الشرعية في السلطة الفلسطينية (في حكومة دولة فلسطين) لأنّها تتحمّل المسؤولية القانونية عن تعيين سلطة الحكم المؤقّت في غزة التي يجب أن تكون في الأساس حكومة تكنوقراطية مكلّفة بإنشاء القانون والنظام ورسم خرائط إعادة إعمار غزة. لقد تمّ تدمير القدرات العسكرية لحماس بشكل خطير، لكنّها قادرة على الاستمرار في القتل وإيذاء الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء، والمسؤولية الأساسية عن إبعادهم عن السلطة تقع على عاتق الشعب الفلسطيني نفسه (غيرشون باسكين، 8 أيلول 2024).

إقرأ أيضاً: أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

قال لي صديق فلسطيني مقرّب في بداية الحرب: “إذا كان علينا أن نقتل أطفالاً إسرائيليين لكي نقيم دولة فلسطينية، فأنا لا أريدها”. لقد رأيت للتوّ صور الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا الليلة الماضية في القصف الإسرائيلي على غزة، وأقول: ماذا نفعل بحقّ الجحيم؟ هل نستطيع أن نبرّر وجودنا كدولة إذا كنّا نقتل أطفالاً فلسطينيين في غزة كلّ يوم؟ يجب أن تنتهي هذه الحرب. من أجل الرهائن الإسرائيليين ومن أجل الجنود الإسرائيليين الذين يتمّ إرسالهم للموت ومن أجل جيراننا الفلسطينيين، يجب أن تنتهي هذه الحرب حتى اليوم ويجب أن تكون آخر حرب بين إسرائيل وفلسطين. لا يمكننا أن نستمرّ في فعل هذا.

مواضيع ذات صلة

تريليون دولار لعمالقة “وول ستريت”.. بين الرّياض وأبو ظبي

بعدما كان من بين الشخصيات الرئيسية في المؤتمر السنوي لـ”مبادرة مستقبل الاستثمار” في نسخته الثامنة الذي عقد في الرياض في 29 تشرين الأول الفائت، ظهر…

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…