من خارج سياق الأحداث طَرَح رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الإعلام مسألة تعديل قانون الانتخاب. لا كلام سياسياً في هذا الملفّ راهناً في ظلّ التعقيدات الرئاسية المستمرّة وملفّ الجنوب الساخن، لكنّه بالتأكيد سيكون جزءاً أساسيّاً من ترتيبات ما بعد أزمة 2019.
ثمّة لازمة ترافق مواقف بعض القوى السياسية عن عجز مجلس النواب الحالي بتركيبته غير الممسوكة، التي زادها حدّة انفصال نواب من مختلف الانتماءات عن كتلهم، عن انتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما يعني في هذه الحالة الوصول إلى تاريخ أيار 2026 من دون رئيس وفي ظلّ حكومة تصريف أعمال مشكوك في أهليّتها لإجراء انتخابات نيابية، وشغور “تاريخي” في المواقع الإدارية والعسكرية والأمنيّة والقضائية.
يبدو هذا الاحتمال أقرب إلى السوريالية، لكن ما يُخرِجه إلى الواقعية تأكيد مرجع رسمي كبير أنّ “الرئاسة قبل النيابة حتماً. المسألة مسألة وقت وفي اللحظة التي ستنفرج إقليمياً وتهدأ لغة الحرب في غزة سيدشّن مسار التسوية الداخلية”.
مصير مقاعد الاغتراب
بهذا المنطق يفترض في سياق مهلة زمنية هي أقلّ من عام ونصف انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تدشّن “عهدها” بتعيينات في المراكز الكبرى الأساسية لتنصرف بعضها القوى السياسية إلى النقاش في التعديلات المحتملة على قانون الانتخاب.
بغضّ النظر عن “دروس” تحالفات وانتخابات 2022 الماضية التي ستفرض وقعها على المفاوضات المقبلة حول وجهة قانون الانتخاب فإنّ المعضلة تكمن في مدى رغبة القوى السياسية في إعادة إنتاج قانون يؤّمن الغاية من تطبيق النسبة والالتزام بإصلاحات تحرّر الناخب من قبضة الأحزاب والمحادل الانتخابية.
يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ “أساس”: أتوقّع عدم إدخال تعديلات على قانون الانتخابات الذي اعتمد في انتخابات 2018 و2022
فبعد إقرار قانون الانتخاب رقم 44 عام 2017 نصّت المادّة 41 على انتهاء ولاية مجلس النواب، أي المجلس الذي أقرّ القانون، استثنائياً في 21 أيار 2018 إفساحاً في المجال أمام الحكومة لاتّخاذ الإجراءات اللازمة حيال بعض أحكام القانون، ومنها اعتماد البطاقة الإلكترونية المُمَغنطة، لكنّ الحكومة تخاذلت حيال عدّة بنود إصلاحية، فصدر القانون رقم 76 عام 2018 الذي علّق العمل بها لمرّة واحدة، ثمّ لاحقاً صدر القانون النافذ رقم 8 عام 2021 الذي علّق العمل بها مجدّداً وأيضاً لمرّة واحدة، والأهمّ علّق العمل بمادّة اقتراع اللبنانيين للمقاعد الستّة المخصّصة للمغتربين.
بالتالي ثمّة سؤال يُطرح عن مصير هاتين المادّتين وعن مصير قانون الانتخاب ككلّ، حيث لم تقدّم الخلطة النيابية الحالية بين قوى سلطوية تقليدية وقوى التغيير أيّ إضافة إصلاحية على أداء البرلمان، كما أنّ الضغط الدولي المستمرّ على لبنان قد يفرض قواعد عمل نيابية لجهة الترشيحات والتحالفات وتعديلاً على قانون الانتخاب توائم متطلّبات المرحلة دولياً.
كان لافتاً في حديث الرئيس برّي إلى الزميل نقولا ناصيف في جريدة “الأخبار” تأكيده أنّ “هناك حاجة إلى إعادة النظر في القانون. فالقانون النافذ لا يَصلح للتطبيق لأنّنا ملزمون انتخاب ستّة نواب للاغتراب لم يصَر بعد إلى تحديد توزّعهم على الطوائف والقارّات”.
لا اتّفاق على السّتّة؟
يخفي كلام برّي واقعاً مبطّناً يشمل صعوبة الاتفاق على “التوزيعة” الاغترابية، وهو ما يعني أنّ التعديل قد يعني مجدّداً تعليق العمل بهذه المادّة (والأرجح البطاقة الممغنطة أيضاً)، واستطراداً إدارة الظهر مجدّداً لـ “ميغا سنتر” والبطاقة الممغنطة، والتنعّم المستمرّ بخيرات الصوت التفضيلي الواحد الذي يُصنّف أسوأ المعايير الانتخابية على الإطلاق وأكثرها ظلماً وتشجيعاً للفتك بـ “الشريك قبل الغريب”.
كلّ ذلك في ظلّ عيون دولية “مفتّحة ومستنفرة” على الداخل اللبناني تهدف إلى قصقصة جوانح المنظومة، ورأس خيطها الأوّل بدأ مع توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
قانون الانتخاب الحالي قسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية ودَمجَ أقضية وفصل أخرى، كما وزّع المقاعد أقلّها 5 مقاعد وأكبرها 13 مقعداً من دون معايير علمية
يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ “أساس”: “أتوقّع عدم إدخال تعديلات على قانون الانتخابات الذي اعتمد في انتخابات 2018 و2022 حيث إنّ دوائره الـ 15 قسّمت بطريقة هجينة من دون معايير منطقية وعلمية وباعتماد صوت تفضيلي واحد، وهو واقع استفادت منه القوى المُمسِكة بالسلطة. والقانون الذي خضع لتعديل وسمح مجدّداً لغير المقيمين بالاقتراع للنواب الـ 128، أضرّ قوى السلطة بهذه النقطة كحركة أمل مثلاً والتيّار الوطني الحرّ، فيما استفادت منه قوى التغيير، لا سيما في الجنوب وبيروت والشمال.
لذلك أرى أنّ هذا القانون لن يعدّل في انتخابات 2026، مع العلم أنّ القانون نفسه أقرّ بأنّ عدد المقاعد سيرتفع إلى 134 بإضافة ستّة نواب للقارّات في الاغتراب. فالمغتربون الذين بلغ عدد المقترعين منهم في الانتخابات الماضية 144 ألفاً سيقترعون عام 2026 لستّة نواب في الخارج بحيث تمّ إبعاد تأثير غير المقيمين على تركيبة الـ 128 نائباً، وهذا ينعكس سلباً بالتأكيد على قوى التغيير الذين قد يتقاسمون مع قوى السلطة النواب الستّة من كلّ الطوائف. لذلك نحن أمام قانون يكرّس السلطة السياسية الحالية، واقتراع المغتربين سيفقد قيمته وأهمّيته بحيث ينحصر تأثيره على النواب الستّة في الاغتراب”.
يضيف شمس الدين: “كلّ ما يُحكى اليوم عن طروحات وتعديلات على القانون، خصوصاً لجهة اعتماد صوتين تفضيليَّين في الدائرتين الصغرى والكبرى، لن تبصر النور”.
في هذا السياق برز أمس موقف نائب القوات اللبنانية جورج عقيص الذي أصرّ على ضرورة تعديل القانون لجهة إلغاء المقاعد الاغترابية الستّة نهائياً وإقرار حقّ المغترب بالتصويت لـ 128 نائباً في البرلمان.
ثمّة سؤال يُطرح عن مصير قانون الانتخاب ككلّ، حيث لم تقدّم الخلطة النيابية الحالية بين قوى سلطوية تقليدية وقوى التغيير أيّ إضافة إصلاحية
كان مجلس النواب في جلسة 19 تشرين الأول 2021 قد أسقط المادّة 122 حول استحداث 6 مقاعد للمغتربين ومعها كلّ الموادّ الإصلاحية، أي الكوتا النسائية، البطاقة الممغنطة والميغاسنتر… في تلك الجلسة انفرزت الجبهات بين التيّار الوطني الحرّ والحزب الذي تمسّك بالمقاعد الستّة، فيما عارضها “القوات” و”الاشتراكي” و”حركة أمل” و”تيّار المستقبل”، وبعضهم انقلب على تفاهمات سابقة في هذه المسألة كالقوات.
طالب يومها النائب جبران باسيل بإعادة التصويت، فوافق برّي وأعيد التصويت بالمناداة بطريقة سريعة أوقفها بري، كالعادة، قبل إتمامها عبر التأكيد شفهياً من منبره بوجود أكثرية مؤيّدة لإسقاط البند.
إقرأ أيضاً: ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل
ما حدا بهدّدني
يومها أيضاً سُجّلت سابقة بقول الرئيس برّي في مستهلّ الجلسة “ما حدا بهدّدني” ردّاً على تلويح نائب الحزب حسن فضل الله بإمكانية الطعن نتيجة وجود نصّ قانوني واضح يعطي للمغتربين حقّ انتخاب نوابهم.
يُذكر أنّ قانون الانتخاب الحالي قسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية ودَمجَ أقضية وفصل أخرى، كما وزّع المقاعد أقلّها 5 مقاعد وأكبرها 13 مقعداً من دون معايير علمية أو ديمغرافية أو جغرافية، بل فقط على أساس مذهبي-طائفي وعلى قياس القوى السياسية.
لمتابعة الكاتب على X: