رسالة إلى نتنياهو: لا تلعب بالنّار مع جيش مصر!

مدة القراءة 7 د

يخطئ تماماً بيبي نتنياهو في فهمه للقوانين الحاكمة في الفعل وردّ الفعل عند المؤسّسة العسكرية المصرية. يستطيع نتنياهو أن يمارس جرائمه في الأراضي الفلسطينية المحتلّة وأن يلاعب إيران بالاختراقات الأمنيّة وأن ينفّذ اغتيالات في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنّه حتماً لا يستطيع أن يتلاعب مع الجيش المصري في ملفّ الأمن القومي المصري.

 

كان عزيز المصري الذي عُرف بأنّه أبو المدرسة الوطنية العسكرية المصرية دائم الترديد لمقولة تحوّلت إلى مناهج تدريس راسخة في الكلّيات العسكرية المصرية. وعزيز المصري هو الأب الروحي للجيش المصري بين الحربين العالميّتين 1880- 1965، كما هو رائد من روّاد التحرّر والقومية العربية. حصل على رتبة فريق.

نتنياهو المأزوم

كان عزيز المصري يقول في الثلاثينيات من القرن الماضي إنّ حدود مصر الدولية السودان جنوباً وليبيا غرباً وفلسطين شرقاً، وتُضاف إليها سواحل مصر المطلّة على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وإنّها أقدم حدود برّية وبحريّة على مرّ التاريخ منذ 4982 عاماً قبل الميلاد، ولم تتغيّر ولن تتغيّر ويجب أن لا تتغيّر. وخرائط هذه الحدود هي التي درسها الضبّاط الأحرار حين قاموا بثورتهم في 23 تموز 1952، ودرسها جيل أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وجيل حرب تحرير الكويت والجيل الذي أنتج المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الذي ساند حركتَي الشعب في 2011 و2013.

منظومة هذه القيم التي ترسّخ فكرة استحالة التفريط بحبّة رمل واحدة هي التي كوّنت الثقافة السياسية للرئيس عبد الفتاح السيسي وكلّ قيادات جيشه العامل الحالي.

أزمة ثقافة نتنياهو في الصراعات أنّ حصيلة معاملاته في المواجهات كانت مع:

1- سكّان فلسطين الذين يتمّ الاعتداء عليهم من قبل المستوطنين الليكوديّين التوراتيّين بحماية من الحكومة والشرطة والجيش.

2- ميليشيا محارِبة مزوّدة بأسلحة خفيفة (حماس وشباب رفح والجبهة الشعبية والجهاد).

3- ميليشيا الحزب التي هي مجموعة مقاتلين غير نظاميين مدرّبين من قبل الحرس الثوري الإيراني لا يملكون غطاءً جوّياً، ولذلك هم صيد سهل يمارس عليهم الجيش الإسرائيلي السيادة العسكرية والاستبداد الأمنيّ.

أكّد رئيس الأركان المصري أمام الجنود والضبّاط وأمام كاميرات الإعلام أن مهمّة القوّات المسلّحة المصرية الاستراتيجية هي حماية حدودها الدولية

في الحالة المصرية لم يحارب نتنياهو ضدّ الجيش المصري بشكل نظامي، وحينما وصل إلى مراتب السياسة كانت القاهرة وتل أبيب تعيشان تحت قواعد اتفاقية معاهدة السلام، واعتقد نتنياهو في تعاملاته المختلفة مع الرئيس الأسبق حسني مبارك أنّ رغبة الرجل في تجنّب المواجهات أو التصعيد تمثّل جيشاً يخشى المواجهة مع الجيش الإسرائيلي بينما لم يلتفت إلى ردّ مبارك العلني على تصريحات ليبرمان حينما هدّد بكسر أنف أبي الهول فكان ردّ مبارك المباشر سوف تصلكم صواريخنا قبل أن تنطلق قاذفاتكم من على مدرّجاتها. لم يفهم نتنياهو أنّ حرص القيادة في مصر على تجنّب المواجهة هو حرص على السلام أكثر منه موقفاً يعكس أيّ قبول بأيّ رضوخ أو بإمكانية لأيّ حدّ من الحدود في قواعد السيادة الوطنية أو أيّ تفريط بالأمن القومي.

ما لا يفهمه نتنياهو

لم يفهم نتنياهو أنّ مصر استخدمت كلّ وسائل الحرب والسلام المتاحة الممكنة وغير الممكنة لاستعادة كلّ أراضيها والمحافظة على حدودها، مثل:

1- حرب استنزاف من خريف 1967 حتى 1973.

2- حرب محدودة أدّت إلى استعادة سيناء بعمق ما بين 10 إلى 35 كيلومتراً على خطّ طول 172 كيلومتراً في سيناء.

3- مفاوضات عسكرية في الكيلو 101.

4- مؤتمر دولي للسلام في جنيف.

5- تفاوض بوساطة أميركية (جولات هنري كيسنجر المكّوكية) أدّى إلى حدوث فكّ الاشتباك الأوّل ثمّ الثاني.

6- تفاوض مباشر على مستوى القمّة إثر قيام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة سلام للقدس المحتلّة وإلقاء خطاب تاريخي في الكنيست.

7- إبرام اتفاقيّتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام وإعلان انتهاء حالة الحرب بين البلدين.

لم يفهم نتنياهو أنّ حرص كلّ قيادة مصرية على إيجاد حلّ سلميّ عادل للقضية الفلسطينية يدخل في صميم تحقيق الأمن القومي المصري وضمان سلامة واستقرار حدود مصر الشرقية.

لم يفهم نتنياهو أنّ تعاطف الرأي العامّ المصري مع المواطنين المدنيين الفلسطينيين هو أمر إنساني عاطفي مطروح تاريخياً بقوّة في الثقافة الوطنية المصرية.

لم يفهم نتنياهو أنّ حرب مصر ضدّ الإرهاب الديني في سيناء لسنوات هي ملفّ يندرج تحت عنوان مختلف تماماً عن ملفّ الدعم الكامل للقضية الفلسطينية

لم يفهم نتنياهو أنّ الجيش المصري على كلّ مستوياته يعلم جيّداً وهو يراقب سلوك المرافعة الإسرائيلية في التهرّب من التوصّل إلى حلّ الدولتين مع الفلسطينيين ويشعر بالقلق الشديد من هذا السلوك، ولم يفهم نتنياهو أنّ عمليات القمع والاستبداد الأمنيّ والعنف المروّع والوحشية المعتمدة ضدّ المدنيين الفلسطينيين تعكس حالة من الغضب والاشمئزاز لدى المصريين كافّة ولا تؤدّي إلى أيّ ثقة في مستقبل السلام الموعود.

لم يفهم نتنياهو أنّ حرب مصر ضدّ الإرهاب الديني في سيناء لسنوات هي ملفّ يندرج تحت عنوان مختلف تماماً عن ملفّ الدعم الكامل للقضية الفلسطينية على أساس أنّ القاهرة تؤمن بأنّ حماس ليست كلّ غزة، وغزة ليست كلّ القضية الفلسطينية، وأنّ أمن فلسطين يدخل في نظرية المنظور الاستراتيجي لثوابت الأمن القومي المصري.

ولأنّ نتنياهو أصابته حالة غطرسة القوة واعتقد أنّه قادر على تهديد كلّ ميليشيات المنطقة يساعده في ذلك دعم أميركي غير محدود في زمن معركة الرئاسة، فإنّه يقدر أيضاً أن يمارس السلوك نفسه مع دولتين لهما جيشان منظّمان في مصر والأردن.

نتنياهو

هذا الفهم المغلوط تماماً هيّأ له أن يكون حلّ مشكلة غزة الأمنيّة عبر مشروع جيورا كوهين 2002 بتوسيع نطاق غزة إلى سيناء وترحيل الفلسطينيين جميعهم 7 كلم وبطول 100 كلم، أي 700 كلم2.

هذا الفهم المغلوط أيضاً كان يهدف إلى تهجير سكان 12 مخيّماً إلى الأردن.

حينما رفضت مصر السيسي كما رفضت مصر السادات ومصر مبارك أيّ تعديل أو تنازل أو قبول بأيّ تفريط في سيناء بأراضيها وحدودها، اعتبر نتنياهو هذا الرفض موقفاً مصريّاً عدائيّاً.

أخيراً انتقلت الأزمة إلى مسألة معبر فيلادلفي.

محور فيلاديلفي أو محور صلاح الدين هو اسم شريط حدودي ضيّق داخل أراضي قطاع غزة يمتدّ بطول 14 كلم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر.

لم يفهم نتنياهو أنّ مصر استخدمت كلّ وسائل الحرب والسلام المتاحة الممكنة وغير الممكنة لاستعادة كلّ أراضيها والمحافظة على حدودها

نتنياهو الهارب

تكتيك نتنياهو الدائم هو الهرب من حلّ الأزمة بإيجاد أو اختراع أزمة أكبر بديلة تحلّ محلّها.

لذلك هرب نتنياهو من أزمة الصراع الداخلي مع سلطات المحكمة الدستورية إلى ملفّ الثأر من حماس، ثمّ هرب منه إلى الثأر من الحزب، ومنه إلى الردّ على إيران، ومنه إلى تصفية المخيّمات في الضفة، والآن أزمة محور فيلادلفي.

لذلك فوجئ نتنياهو بزيارة تفتيش التعبئة التي قام بها رئيس الأركان المصري أحمد خليفة لمعبر رفح الحدودي ووقف مع كامل قادة أسلحة الجيش المصري على بعد أمتار معدودة من معبر رفح الحدودي للتأكّد والاطمئنان على جهوزية القوات الموكل إليها تأمين هذه المنطقة.

القوات هي قوات مشتركة من القوات الخاصة والمشاة مسلّحة بأعلى درجات التسلّح الشخصي تدعمها سيّارات مدرّعة ومدفعية خفيقة ومتوسّطة محمولة على آليّات مدرّعة.

أكثر ما أثار القلق هو وجود ما لا يقلّ عن 300 دبّابة حديثة على طريق العريش-رفح، وهو أمر مفاجئ يخالف بنود ملاحق الاتفاق العسكري المصري الإسرائيلي الذي لا يصرّح بالدبابات وبهذه الكمّية.

أكّد رئيس الأركان المصري أمام الجنود والضبّاط وأمام كاميرات الإعلام أن مهمّة القوّات المسلّحة المصرية الاستراتيجية هي حماية حدودها الدولية.

إقرأ أيضاً: “قانون نتنياهو”؟!

القيادة المصرية التي تحمل في عقلها السياسي شرف الخدمة العسكرية لسنوات تدرك أكثر من غيرها أنّ الحرب هي عمل مكلف من كلّ النواحي. لذلك تسعى دائماً إلى إرسال رسائل ردع لعلّها قادرة على منع نشوب حرب يمكن أن تتحوّل إلى حرب إقليمية لا سيطرة عليها.

نتنياهو لم يستمع إلى أخيار الأمّة الذين كتبوا له تقريراً رسمياً يحذّر من اللعب بالنار مع مصر لأنّ المصريين يعتبرون شؤون الحدود مسألة وجود.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Adeeb_Emad

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…