الاحتجاجات ترفع منسوب “الألم الاقتصاديّ” الإسرائيلي

مدة القراءة 6 د

أعلن اتحاد النقابات العمّالية الإسرائيلية “الهستدروت” الأحد إضراباً اقتصاديّاً شاملاً بدأ صباح الإثنين الماضي، تلبية لدعوة منتدى عائلات الأسرى في قطاع غزة، بغية الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ودفعها إلى إبرام صفقة تبادل مع حركة “حماس”، في وقت يئنّ فيه الاقتصاد الإسرائيلي من تبعات الحرب.

 

أدّت الاحتجاجات على مدى اليومين المنصرمين إلى شلّ الحياة والاقتصاد الإسرائيليَّين، منذرة بوقوع اضطرابات كبرى في حال لم تستجب الحكومة. كما يُنتظر أن تتحوّل المستشفيات الإسرائيلية إلى وضع الطوارئ من أجل الدفع نحو المزيد من التصعيد.

أغلقت المكاتب الحكومية وأكبر البلديّات خلال اليومين المنصرمين. ولم تعمل العديد من محطّات القطارات وشركات النقل. ويُتوقّع أن تقفل شركات في القطاع الخاصّ أبوابها، مثل البورصة والمصارف وقطاع التكنولوجيا.

مناعة الاقتصاد الإسرائيليّ تتراجع

مع تعاقب الأشهر، أظهر الاقتصاد الإسرائيلي قدرات أقلّ على تحمّل تبعات الحرب، وذلك على الرغم من الكمّ الهائل من المساعدات التي تتلقّاها إسرائيل من الغرب، وخصوصاً من الولايات المتحدة. وهو ما قد يحاصر نتنياهو في الأيام المقبلة ويدفعه صوب تبنّي حلّ سريع لأزمة الرهائن خوفاً من انهيار حكومته.

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي المزيد من مؤشّرات التباطؤ نتيجة أطول حرب في تاريخ إسرائيل، وظهرت ملامحه في النقاط التالية:

– انكماش الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثاني من هذا العام، وذلك وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء، حيث سجّل الاقتصاد الإسرائيلي نموّاً بنسبة 1.2% على أساس سنوي. وهو رقم بعيد عن التقديرات التي كانت بحدود 4.4% قبل الحرب.

– تجاوزت فاتورة الحرب المباشرة عتبة 67 مليار دولار منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفق الأرقام الرسمية. مع العلم أنّ هذا الرقم يُحصي النفقات المباشرة فقط.

– العجز المالي يكاد لا يتوقّف، متجاوزاً حدّ 8%، ومبتعداً عن الرصيد المقدّر بـ 6.16%.

مع تعاقب الأشهر، أظهر الاقتصاد الإسرائيلي قدرات أقلّ على تحمّل تبعات الحرب، وذلك على الرغم من الكمّ الهائل من المساعدات التي تتلقّاها إسرائيل

– الأسواق الدولية بدأت تفقد صبرها مع تل أبيب. حيث بدأ منذ أشهر انخفاض التصنيف الائتماني وارتفاع المخاطر التي لم تعد خافية على أحد في العالم. فعلامات انخفاض الاستثمار الأجنبي في إسرائيل تتصاعد نتيجة خشية المستثمرين الأجانب من ضخّ رؤوس الأموال في بيئة غير مستقرّة. كما بدأت المصارف الإسرائيلية تتحدّث عن “ضرورة استعادة الثقة”، التي انهارت في أوساط المؤسّسات الاقتصادية الدولية وشركات التصنيف.

– ارتفع التضخّم السنوي خلال شهر تموز إلى 3.2% بواقع 0.3%، وذلك من 2.9% عند نهاية شهر حزيران، وفق أرقام أصدرها المكتب المركزي للإحصاء قبل أسابيع. وبالتالي، فقد ارتفع مؤشّر أسعار المستهلك مجدّداً فوق الحدّ الأقصى عند 3%.

الاقتصاد الإسرائيلي

شملت الزيادات أسعار الفواكه والخضراوات، التي ارتفعت بنسبة 3.2%، وأسعار الثقافة والترفيه التي ارتفعت بنسبة 1.8%، والإيجارات وصيانة المساكن، التي ارتفعت بدورها بنسبة 0.8%، والأغذية والنقل اللذين ارتفعا بنسبة 0.5% لكلّ منهما. علاوة على التغيير في أسعار المساكن في الأشهر الثلاث الفائتة بنسبة 0.7%.

– بعدما خفّض المصرف المركزي الإسرائيلي سعر الفائدة الرئيسي بداية العام، عاد وتركه بلا تغييرات خلال الاجتماعات التالية. عزا “المركزي” ذلك إلى التوتّر الجيوسياسي وارتفاع ضغوط الأسعار، والسياسة المالية غير المحكمة بسبب زيادة الإنفاق في ظلّ الحرب ضدّ قطاع غزة. لكن على الرغم من ذلك، أبقى سعر الفائدة على ما هو عليه الأسبوع الفائت عند 4.5%، وهذا مؤشّر إلى أنّ الحرب ما زالت تدفع نحو المزيد من التضخّم، وأن خفضها مؤجّل حتى نهاية 2024 أو حتى مطلع 2025 (الحكومة الإسرائيلية انتقدت هذا الإجراء).

 في حال لم تستجب الحكومة. كما يُنتظر أن تتحوّل المستشفيات الإسرائيلية إلى وضع الطوارئ من أجل الدفع نحو المزيد من التصعيد

– تراجع الاستقرار نتيجة للحرب، وتجلّى في تخفيض التصنيف الإسرائيلي على يد شركة عالمية ثالثة، حيث خفضت وكالة “فيتش” قبل أسابيع تصنيف إسرائيل من “A+” إلى “A”، نتيجة ما سمّته “تفاقم المخاطر الجيوسياسية” مع استمرار الحرب، والتهديد بانتقالها إلى جبهات أخرى مثل لبنان، مبقية في الوقت نفسه نظرتها المستقبلية لإسرائيل عند مستوى سلبيّ. رأت “فيتش” أنّ الماليّة العامّة الإسرائيلية قد تضرّرت، متوقّعة عجزاً في ميزانيّتها بنسبة 7.8% من الناتج المحلّي الإجمالي نهاية هذا العام، مرجّحة أن يبقى الدين أعلى من 70% من الناتج المحلّي الإجمالي في الأمد المتوسّط. إضافة إلى ترجيحها تسجيل المزيد من التدهور في “مؤشّرات الحوكمة”، الخاصّة بالبنك الدولي، وهذا ما اعتبر مؤشّراً قد يضرّ بـ”ملفّ إسرائيل الائتمانيّ”.

الخطير في إعلان “فيتش” هو توقّعها استمرار الصراع حتى عام 2025، مع احتمال اتّساعه إلى جبهات أخرى. وهذا ما قد يكبّد الدولة العبرية المزيد من الأكلاف العسكرية الإضافية، مع تدمير في البنية الأساسية. يُضاف إلى ذلك الانقسام السياسي في البلاد، زادت من حدّته الإضرابات قبل أيام، وهو ما سيرفع من مخاطر “تدابير التعزيز الماليّ الجديدة”.

– تراجع مؤشّرات القطاعات الاقتصادية، وأبرزها قطاع السياحة، حيث انخفض عدد الزوّار الأجانب بنسبة 75% في النصف الأوّل من العام مقارنة بالمستوى نفسه قبل عام. وهذه خسارة ضخمة في قطاع كان يدرّ نحو 7 مليارات دولار سنوياً، ويوفّر 150 ألف فرصة عمل. ومن المرجّح أن تشهد هذه المؤشّرات انخفاضات إضافية بعد إضراب عمّال المطار.

– قطاع البناء هو الآخر يكافح من أجل البقاء، وذلك بعد تراجع مبيعات العقارات بنسبة 35% وخسارة قيمتها في النصف الأوّل من هذا العام، وسط صعوبات في إيجاد مستثمرين والتأجيل في الاستعانة بعمالة أجنبية تعوّض العمّال الفلسطينيين.

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي المزيد من مؤشّرات التباطؤ نتيجة أطول حرب في تاريخ إسرائيل

– الزراعة في إسرائيل ليست أفضل حالاً، فهي تعتمد على أراضي غزة والمناطق الشمالية، حيث تسبّبت الحرب في خسارة 150 ألف طن من المنتجات الزراعية خلال الأشهر الستّة الأولى من الحرب. وقدّرت تكلفتها بنحو 250 مليون دولار، وهو ما أدّى إلى ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تدفع فاتورة الدّفاع عن نتنياهو

بخلاف الضغوط السياسية على الحكومة، هل يكون ضعف الاقتصاد الإسرائيلي مضافاً إليه ضغوط الاحتجاجات محرّكاً إضافياً لإجبار نتنياهو على القبول بوقف إطلاق النار؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@emadchidiac

مواضيع ذات صلة

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…

من يُنسّق مع باسيل بعد وفيق صفا؟

بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين…