أربعينيّة الحسين: السُّنّة أمام استراتيجية “ممانعة” جديدة

2024-08-30

أربعينيّة الحسين: السُّنّة أمام استراتيجية “ممانعة” جديدة

تتكثّف المعاني السياسية لذكرى أربعينية الإمام الحسين هذا العام، بعدما جعلها الحزب عنواناً للعملية التي نفّذها ردّاً على اغتيال رئيس أركانه فؤاد شكر “يوم الأربعين”. كما قام مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني بتوظيفها في تغريدة سياسية ذات مصطلحات مذهبية استفزّت شرائح سنّية واسعة.

في المقابل، جرى توظيف الأربعينيّة في معطى وحدويّ إسلامي من خلال قصيدة الرادود العراقيّ خضر عباس بعنوان “كلّ خطوة نمشيها”، التي أصبحت محلّ تداول شعبي واسع بسبب كلماتها التي تحضّ على الوحدة بين السنّة والشيعة، في انعكاس للتحوّلات الناتجة عن عملية “طوفان الأقصى”.

إحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين هو من الشعائر التي أدخلها الصفويون على المراسم العاشورائية لتترسّخ في التراث الشيعي. يبيّن الدكتور علي شريعتي في كتابه “التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي” أنّ الصفويين استحدثوا الكثير من الطقوس في المراسم العاشورائية التي استخدموها كأداة سياسية تمنح الدولة هويّة مذهبية متمايزة تضمن لها البقاء في ظلّ وجود السلطنة العثمانية السنّية القويّة.

تتكثّف المعاني السياسية لذكرى أربعينية الإمام الحسين هذا العام، بعدما جعلها الحزب عنواناً للعملية التي نفّذها ردّاً على اغتيال رئيس أركانه فؤاد شكر “يوم الأربعين”

غداة تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، اقترن تصدير الثورة والدعوة السياسية بالدعوة الدينية، وهو ما أكسب المراسم العاشورائية أهمّية سياسية وإعلامية تطوّرت باطّراد، ولا سيما عقب سقوط نظام صدام حسين في العراق. ومن بينها مسيرة الأربعينية التي تعرف بـ”المشّاية الحسينيّة” ويتّجه فيها ملايين الشيعة في مواكب جماهيرية قاصدين كربلاء لزيارة مرقد الإمام الحسين. وتضمّ هذه المواكب الكثير من المهتمّين والمتفاعلين من غير الشيعة، ودارسي التاريخ.

الرادود هو الشخص الذي ينشد القصائد والأشعار الدينية في الحسينيات ومجالس العزاء. وتحرص كلّ التيّارات الشيعية والمرجعيات على الاتفاق مع رادود حسينيّ لإشباع المؤمنين روحياً ومذهبياً عبر قصائد تمسّ وجدانهم. والحال أنّ أداء الرادود تفاعل مع تأثيرات الحداثة والتطوّر التكنولوجي، من ناحية إدخال الآلات الموسيقية والمؤثّرات الصوتية، فضلاً عن تسجيل بعض القصائد في استديوهات متخصّصة، وتسويق إنتاجه عبر منصّات التواصل الاجتماعي.

القصيدة العزائيّة هي رسالة فنّية إعلامية. والوظيفة هي إيصال الرسالة المطلوبة عبر قالب فنّي من ناحية الكلمة واللحن والأداء والصوت وما شابه

الرّادود والتّوظيف السّياسيّ لقصائده

يشير موقع “ذات مصر” في دراسة عن “الرادود” و”المدّاح” (عند السنّة)، ومدى تأثيرهما، إلى أنّ الرادود “يؤدّي وظيفة إعلامية من خلال أدائه وقصيدته. فالقصيدة العزائيّة هي رسالة فنّية إعلامية. والوظيفة هي إيصال الرسالة المطلوبة عبر قالب فنّي من ناحية الكلمة واللحن والأداء والصوت وما شابه”.

من أشهر الرواديد المعاصرين باسم الكربلائيّ الذي يحمل ألقاباً كثيرة منها “أسطورة العشق الحسينيّ”، ويصل عدد متابعيه عبر قناته على “يوتيوب” إلى ما يزيد على 10 ملايين متابع. واشتهر بكثرة إثارة الجدل، سواء على صعيد المبالغ التي يتقاضاها، والتي وصلت إلى 40 ألف دولار في الليلة الواحدة، أو إطلاقه عطراً خاصّاً ذا علامة تجارية ترمز لاسمه وكنيته (BK). أمّا الموضع الأكثر إثارة للجدل فهو التوظيف السياسي لقصائده، وكان في أيلول 2022 قد اتّهم بتأجيج نيران الفتنة بين السنّة والشيعة بعدما وصف الصحابة بـ”العصابة” في إحدى قصائده.

عزا البعض ذلك إلى انتماء الكربلائي لـ”التيار الشيرازيّ” الذي يشتهر بالغلوّ، فيما البعض الآخر رأى أنّ القصيدة تصبّ في إطار تأجيج الصراع السنّي – الشيعي ضمن حقبة جدليّة مشحونة استمرّت قرابة عقدين، في حين أنّ “الوحدة الإسلامية” هي شعار المرحلة الذي يرفعه محور الممانعة وتيّارات الإسلام السياسي القريبة منه، ولا سيما الإخوان المسلمين، وهو ما يفترض تغييراً في الخطاب والنهج والممارسات.

حفلت المراسم العاشورائية لهذا العام، وهي الأولى بعد عملية “طوفان الأقصى”، بالكثير من التقارب بين السنّة والشيعة، وغلب عليها طابع الافتعال والارتجال

قصائد تخدم الرؤية الجديدة

حفلت المراسم العاشورائية لهذا العام، وهي الأولى بعد عملية “طوفان الأقصى”، بالكثير من التقارب بين السنّة والشيعة، وغلب عليها طابع الافتعال والارتجال. وأتت قصيدة الرادود خضر عباس “كلّ خطوة نمشيها” كثمرة لهذا التقارب على تخوم الأربعينيّة.

بلغ عدد مشاهدات هذه القصيدة عبر قناة عباس على “يوتيوب” ما يزيد على 15 مليون مشاهدة، إضافة إلى ملايين المشاهدات لمقاطع منها على مواقع التواصل الاجتماعي. يقول الرادود في مقطع منها: “بده يلتم شملنا.. يا شيعة ويا سنّة”. وفي مقطع آخر: “قال المذاهب تختلف.. بس الخالق واحد”.

قد تبدو هذه القصيدة متناقضة مع توظيف الحزب وخامنئي للأربعينية، إلا أنّها في العمق تتّسق مع المرامي السياسية لكلا الفعلين. فإذا كان استخدام الأيديولوجية الدينية في الخطاب السياسي هو القاعدة الأساس لملالي إيران والحزب، فإنّ التخفيف منها يقوّض من قدرتهما على الاستقطاب وشدّ العصب الجماهيري. لكنّ التعديل الذي طرأ على خطابهما يتمثّل في عزل حقبة الأمويين من سياق التاريخ الإسلامي، وجعلها هدفاً للتصويب عليها وحدها في المراسم العاشورائية، بعدما كان يتمّ التصويب على السنّة بشكل عامّ.

هنا بالضبط يظهر التوظيف السياسي لقصائد الرادود الحسيني خضر عباس، حيث سبق أن أصدر منذ مدّة قصيرة قصيدة “هلا بحسين الثاني” سخر فيها من بني أميّة وتاريخهم، وحظيت بشهرة وانتشار واسعين، ولا سيما بعدما ردّ عليها المنشد السوري ماجد الخالدي بأنشودة “مسلم عربي آني.. مو ذيل الإيراني”، دافع فيها عن حقبة الأمويين بنزعة دينية – قومية.

بكلّ الأحوال تخدم السياق المعدّل لمحور الممانعة الذي يحاول صياغة سردية جديدة للصراع تستهدف بالدرجة الأولى دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وتحمل نزعة تطهّرية من دماء الشعب السوري تتّكئ على الطابع السلفيّ الذي طغى على تشكيلات الثورة السورية، لتعيد تشكيل ما حصل على أنّه فتنة من صنع تيّار ديني سنّي تمتزج فيه زوراً السلفيّة والوهّابية والتنظيمات المتطرّفة.

علاوة على الرمزية المكانية للصراع في سوريا حيث مركز الأمويين التاريخي، فإنّ نقد هذه الحقبة يعدّ استفزازاً للسلفية الأكثر دفاعاً عنها

الصّراع داخل المسلمين

علاوة على الرمزية المكانية للصراع في سوريا حيث مركز الأمويين التاريخي، فإنّ نقد هذه الحقبة يعدّ استفزازاً للسلفية الأكثر دفاعاً عنها ممّا طالها من الافتراءات والإسقاطات الشيعية بالذات. فيما باقي المذاهب الفقهية السنّية، مثل الأشاعرة، اعتبروها قابلة للنقد مثل أيّ حقبة تاريخية، بالإضافة إلى أنّهم يشتركون مع الشيعة في تبجيل واحترام السيرة الحسينية، التي يعدّها السلفيون “بدعة”.

ما سبق يفسّر سبب تركيز خامنئي في تغريدته لمناسبة الأربعينية على أنّ الصراع بين الجبهة “الحسينيّة” و”اليزيديّة” هو حول “قضية الظلم والجور” و”الجهاد ضدّ الظلم” وفكرة “السلطان الجائر” الأكثر تداولاً في خطب الجمعة حالياً، وهذه كلّها موجّهة ضدّ “بعض” المسلمين وليس الغرب أو إسرائيل. وكذلك تركيزه على الأشكال المختلفة لهذه المعركة حسب التقنيّات السائدة “في عصر الدعاية والإعلام عبر الشعر والبيان والكلام لها شكلها”.

إقرأ أيضاً: ماذا بعد معادلة “ضاحية تل أبيب” مقابل “ضاحية بيروت”؟

في القلب منها بالطبع قصائد الرواديد في المراسم العاشورائية، لما لها من قدرة على التأثير في الجماهير. بالإضافة الى إشارة الأمين عام الحزب، حسن نصر الله، اللافتة في كلمته خلال مراسم الليلة العاشرة من المجلس العاشورائي إلى “النواصب” الذين فسّر أنّهم “من تخاذلوا عن نصرة غزة بتغطية أفعالهم عبر إحياء قضايا طائفية وإثارة أحقاد”. وهنا المعنى أكثر وضوحاً وتحديداً.

مواضيع ذات صلة

شهران صعبان: أرض محروقة وتصعيد في العمليات

تجمع مصادر متعدّدة أميركية وقريبة من محور المقاومة على أنّ الفترة المقبلة، خصوصاً الشهرين من منتصف أيلول حتى منتصف تشرين الثاني المقبل، ستشهد تصعيداً كبيراً…

“تهريبة” تعليم السّوريّين: هل تتراجع الحكومة عن قرارها؟

عاصفة من الردود أثارها التعميم الصادر عن المديرة العامّة بالتكليف للتعليم المهني والتقني هنادي برّي والذي يسمح للطلّاب السوريين غير الحاملين بطاقة إقامة قانونية أو…

ترهيب الموسوي.. بعد ترغيب فيّاض وفضل الله

بمعزل عن سياقها، حملت تلك العبارات التي قالها مسؤول ملفّ الموارد والحدود في الحزب، النائب السابق السيّد نواف الموسوي، بُعداً تهديدياً واستفزازياً. وكانت عرضة للتأويل…

اختتام “قمّة الـAI العالميّة”: السّعوديّة تقود المستقبل الرّقميّ

اختتمت في 12 أيلول الجاري “القمّة العالمية للذكاء الاصطناعي 2024” في العاصمة السعودية الرياض، بحضور عالمي لا مثيل له، حيث بلغ عدد الذين تسجّلوا لحضور…