أخيراً ردّ الحزب على اغتيال قائده العسكريّ فؤاد شكر. وهو ردّ انتظره اللبنانيون والمنطقة والعالم أكثر من ثلاثة أسابيع عاش خلالها الجميع “على أعصابه” (كما نقول باللبناني). صبيحة الأحد الفائت اختلطت أصوات غارات الطائرات الحربيّة الاسرائيليّة بأصوات صواريخ الحزب ومسيّراته. بعد ساعات فصّل الأمين العام سرديّة حزبه لما جرى. كما أعلنت إسرائيل سرديّتها. وأعلن الطرفان أنّ كلّ شيء انتهى. وعادت المواجهة إلى ما كانت عليه. لكن ضمن أيّ موازين قوى؟ هنا السؤال المحوريّ.
الحزب يراكم الخسائر
منذ سنوات يراكم ما يُسمّى “محور المقاومة” الخسائر العسكريّة في مواجهة إسرائيل. فهي تلاحق قيادته العسكريّة ومخازن ذخيرته في سوريا منذ انخراط الحزب والحرس الثوريّ في الصراع العسكريّ دعماً لبشّار الأسد، بحيث لا يمضي أسبوع، وأحياناً بشكل يوميّ، دون أن تشنّ الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة غارة على أحد المواقع العسكرية أو ينفّذ اغتيال. وهو ما أظهر خرقاً أمنيّاً كبيراً لهما في سوريا. باستثناء اغتيال محمد رضا زاهدي في قلب القنصلية الإيرانيّة في دمشق، كان الحزب والحرس الثوريّ يتجاهلان تلك الاغتيالات والاستهدافات ولا يردّان.
أخيراً ردّ الحزب على اغتيال قائده العسكريّ فؤاد شكر. وهو ردّ انتظره اللبنانيون والمنطقة والعالم أكثر من ثلاثة أسابيع عاش خلالها الجميع “على أعصابه”
قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) كانت الحجّة أنّهما لا يريدان حرباً مع إسرائيل. أمّا اليوم فالحرب قائمة. ومنذ 11 شهراً. وحصدت أكثر من 40 ألف فلسطينيّ في غزّة وحوالي 600 قتيل و2,500 جريح تقريباً في لبنان، بحسب وزارة الصحّة. كما أقدمت إسرائيل على اغتيال العديد من قيادات “المحور”. كان آخرهما إسماعيل هنيّة وفؤاد شكر. وهما قيادات من الصفّ الأوّل، كما هو معروف. استهدفتهما إسرائيل بليلة واحدة في “عقر دار” الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية، وفي عقر دار الحرس الثوريّ في طهران. إثر ذلك توعّد بالردّ المرشد في إيران والسيّد في لبنان.
التّخلّي عن “وحدة السّاحات“
يوم الأحد الفائت أقدم الحزب على ما قال إنّه ردّ على اغتيال فؤاد شكر. وكشف ردّه عن تراجع كبير في قوّة الردع التي لطالما تكلّم عنها السيّد نصر الله في مواجهة إسرائيل التي استعادت المبادرة على كلّ الجبهات العسكريّة والسياسيّة. ضعف الحزب أظهرته عدّة معطيات:
- تأخّر الحزب 4 أسابيع للردّ على اغتيال فؤاد شكر، الذي أقدمت إسرائيل على اغتياله بعد يومين على سقوط الصاروخ في عين شمس في الجولان. تأخُّر الردّ عزاه نصر الله في كلمته الأخيرة إلى مشاورات بين أطراف “محور المقاومة”. هل يكون الردّ جماعياً؟ أم يردّ كلّ طرف بمفرده؟ وكان الخيار كما أصبح معروفاً أن يردّ كلّ طرف بمفرده. بذلك يكون “المحور” قد تخلّى عن “وحدة الساحات”.
- منطق الحرب والردع المتوازن يقول بأنّ الردّ على اغتيال يكون باغتيال أو بعملية عسكريّة تؤدّي إلى سقوط عدد من القتلى في صفوف ضبّاط العدوّ وجنوده. وهذا لم يحصل. كلام السيّد نصر الله عن تكتّم إسرائيل على خسائر استهداف قاعدة غليلوت لا يعني بالضرورة سقوط قتلى إسرائيليين. فالإعلام الإسرائيليّ يكشف عن أسرار عسكريّة على الرغم من تعتيم الجيش وأجهزة الاستخبارات عنها أحياناً. وهذا لم يحصل. بالتالي عملية الثأر التي أعلن حسن نصر الله أنّها تمّت، لم تتمّ.
يوم الأحد الفائت أقدم الحزب على ما قال إنّه ردّ على اغتيال فؤاد شكر. وكشف ردّه عن تراجع كبير في قوّة الردع التي لطالما تكلّم عنها السيّد نصر الله في مواجهة إسرائيل
- قول السيّد نصر الله إنّ “عملية يوم الأربعين” (أربعين الحسين) كرّست معادلة تل أبيب مقابل الضاحية لا يعدو كونه قولاً شعبويّاً لرفع معنويات بيئة الحزب التي هالها استهداف الضاحية واغتيال أكبر قائد عسكريّ في الحزب. في المقابل لم يجرؤ الحزب على استهداف تل أبيب لعدم رغبته في استهداف مدنيين كما قال السيّد، في حين أنّ اغتيال شكر أدّى إلى سقوط 3 مدنيين وجرح 74.
- إسراع السيّد حسن نصر الله إلى الإعلان أنّ الردّ قد حصل وأنّ المواجهة عادت إلى ما كانت عليه قبل استهداف الضاحية الجنوبيّة. واللافت أنّه نقل عن العدوّ “أنّ ما جرى اليوم انتهى”، وذلك لتشجيع ناسه واللبنانيين على العودة إلى منازلهم في الضاحية وبيروت التي غادروها خوفاً من غدر إسرائيل.
- بدا السيّد نصر الله في كلمته يوم الأحد الفائت، وعلى غير عادته، متعدّد الاتجاهات. استفاضته في عرض تفاصيل العملية العسكريّة، وكلامه عن الهدف النوعيّ والهدف المساعد، وتأكيده على عمل كلّ منصّات الصواريخ والمسيّرات… بدت وكأنّها تبرير لعدم نجاحها. في العادة هو خطيب مفوّه لا تخونه الكلمات. لم يرفع إصبعه ولو لمرّة. ولم يطلق أيّ تهديد أو وعيد للإسرائيليين كما اعتاد بخاصّة منذ اندلاع حرب غزّة. وكلّ هذا له دلالات كبيرة.
الضعف الذي أظهره ردّ الحزب ينسحب على إيران التي تقود “محور المقاومة” وعلى الفصيل اليمنيّ التابع لها
ضعف “محور المقاومة”
هذا الضعف الذي أظهره ردّ الحزب ينسحب على إيران التي تقود “محور المقاومة” وعلى الفصيل اليمنيّ التابع لها.
بعد ساعات على اغتيال إسماعيل هنيّة أعطى السيّد خامنئي أمره بالردّ والثأر. حتى أمس كان قادة إيران يؤكّدون، لمناسبة تسلّم وزير الدفاع الجديد مهامّه، أنّ الردّ آتٍ. ولكنّهم لم يحدّدوا متى. والأرجح أنّه لن يتمّ. وإذا ما حصل فسيكون شبيهاً بردّ الحزب. والسبب أنّ الرسائل التي بعثت بها إسرائيل من خلال اغتيال هنيّة وبعد الهجوم الإيرانيّ على إسرائيل (في نيسان الفائت) كانت قويّة وخطيرة على إيران. وتلقّت إيران الرسالتين. وتعمل بموجبهما. والسبب أنّها غير قادرة على ردّ أيّ هجوم إسرائيليّ بواسطة سلاح الجوّ. وهذا ما أظهره اغتيال إسماعيل هنيّة في غرفة نومه. كما أظهر هذا الاغتيال كما باقي الاغتيالات في طهران وسوريا ولبنان مدى الخروقات الأمنيّة الإسرائيلية لإيران والحزب.
في اليمن كانت الحرائق التي سبّبها قصف الطائرات الإسرائيلية في الحُديدة رسالة قويّة للحوثيين بحجم الردّ الإسرائيلي إذا ما استهدفت إسرائيل مرّة أخرى. لذلك يُحجمون عن الردّ.
حتى أمس كان قادة إيران يؤكّدون، لمناسبة تسلّم وزير الدفاع الجديد مهامّه، أنّ الردّ آتٍ. ولكنّهم لم يحدّدوا متى
قدرات إسرائيل
ربّما لا يوافق البعض على مقارنة قدرات إسرائيل العسكريّة بقدرات المحور الإيرانيّ. وهذا ما قالته لـ”أساس” مصادر مطّلعة جداً. فالحزب بالكاد يملك 10% من قوّة إسرائيل. فهذه لديها جيش هو الأقوى في المنطقة. ولديها دعم الولايات المتحدّة الأميركيّة التي تحرّك أساطيلها في البحار والمحيطات حين تتعرّض إسرائيل للخطر. ولديها في ظهرها أوروبا و”حلف “الناتو”، والغرب كلّه. وهذا صحيح. ولكن كان على الحزب أن يزن قدراته العسكريّة نسبة إلى قدرات العدوّ قبل الدخول في “حرب الإسناد” منذ 11 شهراً. كما كان على قادة حماس القيام بألف حساب وحساب قبل الإقدام على تلك العملية الانتحاريّة في ذاك السابع من أكتوبر، عملية انتشى بها الحمساويون لساعات وحصد بنتيجتها الشعب الفلسطينيّ نكبة إنسانية تاريخيّة.
إقرأ أيضاً: هل أعلن “السّيّد” انسحاباً أوّليّاً من جنوب الليطاني؟
منذ أكثر من ألفَي عام قال يسوع، ومن على أرض فلسطين نفسها: “أيّ ملك ينطلق إلى محاربة ملك آخر مثله، ولا يجلس أوّلاً ويفكّر هل يقدر أن يقاوم بعشرة آلاف ذاك الآتي إليه بعشرين ألفاً؟”.
لمتابعة الكاتب على X: