توقيت طهران لانفراد الحزب: لبنان لن يتأثّر بالرّدّ الإيرانيّ

2024-08-27

توقيت طهران لانفراد الحزب: لبنان لن يتأثّر بالرّدّ الإيرانيّ

لافت هذا التماثل في بعض التعابير التي استخدمها الإسرائيليون والحزب في شأن حصيلة المواجهة العسكرية المحدودة فجر الأحد. فالجانبان تحدّثا عن “الرضا” على نتائج العملية العسكرية الواسعة التي شهدها فجر الأحد، ثمّ عن إبقاء المواجهة العسكرية معلّقة.

في المقابل يتيح الردّ المنفصل للحزب على اغتيال فؤاد شكر، ردّاً منفصلاً لطهران ترى الأخيرة أنّ لبنان لن يتأثّر به. وهي مرتاحة “لارتياح” لبنان.

لافت أيضاً إسباغ الصفة الدينية لردّ الحزب بإطلاقه تسمية “عملية الأربعين” (لذكرى الإمام الحسين بن علي)، على الردّ الانتقامي على اغتيال إسرائيل القائد العسكري الأوّل فيه فؤاد شكر. أتبع مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي ذلك بإعلانه أنّ “المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية مستمرّة ولا نهاية لها”.

فهل احتاجت طهران (والحزب) إلى هذه الوظيفة التعبوية للمناسبة الدينية لاستيعاب جزء من جمهور محور “الممانعة” بقيادتها؟ وهل خشيتها من ارفضاض بعض جمهورها عن المحور دفعتها إلى تمتين الالتفاف الشعبي المذهبي حول أجندتها لضمان موقعها؟ أم الأمر مجرّد مصادفة بين ذكرى الأربعين المحفورة في وجدان جمهور واسع، لا سيما في لبنان والعراق، وبين العملية العسكرية؟ لكنّ المقاربة الإيرانية لكلام المرشد تعتبر أنّ القصد منه ليس سياسياً ولا إحداث انقسام، بل المقصود أن لا يجبر المظلوم على القبول بالظالم.

يتيح الردّ المنفصل للحزب على اغتيال فؤاد شكر، ردّاً منفصلاً لطهران ترى الأخيرة أنّ لبنان لن يتأثّر به. وهي مرتاحة “لارتياح” لبنان

القرار الإيرانيّ… وحساب التهجير

مهما يكن فإنّ هذا الإسقاط للثأر لاغتيال شكر على المناسبة أعطاه هويّة إيرانية لا لبس فيها بفعل ما قاله خامنئي. كما يساعد في اختصار النقاش والتساؤل عند جمهور لبناني واسع عن أسباب وقوفه على “رجل ونصف” (أسوة بالإسرائيليين) طوال 25 يوماً. فالحزب اضطرّ إلى أن يأخذ في الاعتبار ذلك الضيق الشعبي من إبقائه حائراً وخائفاً ممّا هو آتٍ. فجزء من جمهور بيئة الحزب اضطرّ إلى مغادرة منازله في ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان، نحو ظروف عيش قاسية، مع أزمة اقتصادية خانقة.

ومن الطبيعي أن يخشى تكرار تجارب التهجير والتدمير السابقة في الحروب مع إسرائيل. ولو لم يكن هذا الأمر في الحساب لما أعلن نصر الله في ختام كلمته: “خلّي الناس يرَيْحوا أعصابهم”.. و”من يُريد أن يرجع إلى بيته فليعود إلى بيته، البلد يرجع يهدأ من جديد، لأنّ البلد كان كلّه متوتّراً بطبيعة الحال”. وكرّر القول إنّه “بالمرحلة الحالية البلد يستطيع أن يأخذ نفس ويستطيع أن يرتاح”.

ليس بعيداً عن الواقع الاستنتاج بأنّ قرار العملية وتوقيتها اتّخذا في طهران، على الرغم من قول نصر الله: “قرّرنا القيام بعمليتنا بشكل منفرد”، وتركه “الاعتبارات لنحكي عنها لاحقاً”

استجابة طهران والحزب لنصيحة الرّدّ المنفرد

ليس بعيداً عن الواقع الاستنتاج بأنّ قرار العملية وتوقيتها اتّخذا في طهران، على الرغم من قول نصر الله: “قرّرنا القيام بعمليتنا بشكل منفرد”، وتركه “الاعتبارات لنحكي عنها لاحقاً”.

شكّل اختيار الردّ المنفرد أوّل استجابة من الحزب وطهران للنصيحة التي نقلها إليهما مسؤولون في الحكومة اللبنانية، نقلاً عن مسؤولين أوروبيين. فهؤلاء أبلغوا من يلزم بأنّ الردّ الجماعي على اغتيال إسماعيل هنية وشكر سيكون بمنزلة إعلان حرب. ومن الأفضل القيام بالردّ، إذا لم يكن بدٌّ منه، على مراحل وفي شكل غير متزامن، وفي مواقيت متباعدة.

شكّل اختيار الردّ المنفرد أوّل استجابة من الحزب وطهران للنصيحة التي نقلها إليهما مسؤولون في الحكومة اللبنانية، نقلاً عن مسؤولين أوروبيين

لاءات طهران الثلاث وفصل ردّها عن لبنان

يعتبر بعض متابعي موقف طهران الفعليّ حيال هذه المسألة أنّ المهمّ “الفصل بين جبهة لبنان وبين الجبهات الأخرى، وهو في مصلحته”. ودعم إيران للمقاومة شيء وتوحيد الجبهات والردّ شيء آخر، وهو “منفصل” عن الموقف المبدئي الداعم للمقاومة. فأن تردّ إيران أو لا فهذا أمر، وأن يعلن الحزب أنّه قرّر الردّ المنفرد فله حسابات مختلفة. وإذا قرّرت إيران الردّ من جهتها فسيكون ذلك منفصلاً عن لبنان بحيث لا يتأثّر بما تقوم به. ونصر الله ربط مواصلة الردّ وأيّ جديد بالهدف المُحقَّق.

في نظر المقاربة الإيرانية ليست هذه الحرب عاديّة بل مغايرة لحرب 2006، لأنّها مركّبة ومعقّدة. فهناك جبهة غزة وهناك جبهة جنوب لبنان، و”أنصار الله” لديهم سبب للردّ بعد قصف الحديدة. و”الحشد الشعبي” في العراق لديه أسبابه للردّ على قصف مواقعه في العراق. إلا أنّ نتنياهو يريد توسيع الحرب بعدما اكتشف أنّ طريقه للخروج من حرب غزة تتطلّب خلط الأوراق كي تدخل إيران الحرب، وبالتالي أميركا.

حسب هذه المقاربة تتجنّب طهران التصعيد وفق ثلاث لاءات:

– لا لتوسيع الحرب.

– لا نخاف في المقابل من حصولها بقدر إمكاناتنا على المواجهة.

– لا تريد أميركا دخول الحرب لأنّ خروجها منها ليس سهلاً. وحرب كهذه ستؤدّي إلى خسائر كبرى في المنطقة وتسبّب خسائر لكلّ من يتورّط فيها ولدول المنطقة.

في نظر المقاربة الإيرانية ليست هذه الحرب عاديّة بل مغايرة لحرب 2006، لأنّها مركّبة ومعقّدة.

لا ينسى المتابعون بعمق للموقف الإيراني الإشارة إلى أنّ طهران تعتبر أنّها الأقلّ ضرراً في أيّ حرب واسعة تدخل فيها أميركا. وسابقاً كان باراك أوباما يقول إنّ كلّ الخيارات على الطاولة مع إيران. لكن في محيطها قواعد أميركية، في قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية وأذربيجان وغيرها. وإذا جاءنا الأميركيون من هذه القواعد فمن الطبيعي أن يكون هناك خوف من ردود إيران. والأخيرة مساحتها أكثر من مليون و600 ألف كيلومتر مربّع، وقصفها ليس سهلاً، والحرب ضدّها ليست سهلة.

منع الحرب مصلحة أميركية إيرانية

يعطي المطّلعون على الموقف الإيراني مثلاً يقود إلى اعتبار منع الحرب “مصلحة مشتركة” أميركية إيرانية. فطهران لا تعتبر أنّ بينها وبين أميركا مشكلة. فإثر قصف القنصلية الإيرانية في دمشق (نيسان الماضي) استدعى وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان القائم بأعمال أميركا في طهران أي السفارة السويسرية. طلب من دبلوماسيّيها نقل رسالة إلى واشنطن بأنّها تعتبَر شريكة في الحرب الإسرائيلية على إيران، فجاء الجواب أن لا علاقة لأميركا بالضربة في العاصمة السورية، وإذا ضربتمونا نضربكم. وكان جواب طهران أنّها تسعى إلى تخفيف التوتّر في المنطقة، وهذا مهمّ جدّاً، “ومصالحنا ومصالحكم ألّا يحصل تصعيد لحرب”.

وفق هذا المنطق لا بدّ لطهران أن تعتبر أنّ انفصال الجبهات لم يكن لمصلحة إسرائيل وكان لمصلحة أميركا حتى لا تجرّها تل أبيب إلى الحرب.

نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” ظهر الأحد عن مسؤولين في تل أبيب قولهم: “إذا كان الحزب راضياً عن ردّه اليوم فإنّ إسرائيل لن توسّع الحملة وسيمكن إغلاق ملفّ اغتيال فؤاد شكر”

هل ينعكس الفصل في الردود على اغتيالات إسرائيل فصلاً للحلول على الجبهة اللبنانية عن الحلول على الصعيد الإقليمي؟

يبدو أنّ المقاربة الإيرانية لا تؤمن بفصل الحلول لأسباب تتعلّق بموقع لبنان “الجغرافي”. وهذا ما يفسّر قول نتنياهو إنّ إسرائيل “لم تقُل كلمتها الأخيرة بعد ضرباتها على لبنان”. كذلك قول نصر الله: “أيّ آمال لإسكات جبهات الإسناد، سواء في لبنان أو في اليمن أو في العراق، آمال خائبة، وخصوصاً عندنا في الجبهة اللبنانية”.

رضا إسرائيل و”رضا” الحزب

لا يمكن للمرء إلا أن يتوقّف عند التقاطع في استخدام بعض التعابير بعد مواجهة أول من أمس. نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” ظهر الأحد عن مسؤولين في تل أبيب قولهم: “إذا كان الحزب راضياً عن ردّه اليوم فإنّ إسرائيل لن توسّع الحملة وسيمكن إغلاق ملفّ اغتيال فؤاد شكر”.

والأمين العام للحزب حسن نصر الله قال في خطابه مساء الأحد: “إذا كانت النتيجة مرضية وتُحقّق الهدف المقصود، فنحن نعتبر أنّ عملية الردّ على اغتيال الشهيد القائد الحاج محسن واستهداف الضاحية قد تمّت”. وكانت “يديعوت أحرونوت” سبقته إلى القول على لسان مصدر إسرائيلي إنّ “إسرائيل بعثت لعدّة أطراف رسائل مفادها بأنّ العملية العسكرية ضدّ الحزب في هذه المرحلة انتهت”، وكأنّ بإعلان الأمين العام أنّ الردّ انتهى صدى لذلك الكلام.

إقرأ أيضاً: رماديّة التّصعيد… وقراءتان لموقع طهران والحزب

في انتظار اتّضاح الحصيلة الفعلية لنتائج ردّ الحزب على اغتيال شكر، سعى كلّ من الفريقين إلى تضخيم خسائر الآخر. وبصرف النظر عن سردية كلّ منهما، عملا على تسخيف ادّعاء الخصم تحقيق النجاحات. لكنّ “الرضا” من قبل طرفَي المواجهة عن مجرياتها ونتائجها، جعل ممكناً لكلّ منهما أن يعلن تحقيق هدفه وإحباطه لهدف الخصم. رأى الحزب أنّه نفّذ وعده بالانتقام لاغتيال القيادي العسكري الأوّل فيه فؤاد شكر، بعد 25 يوماً على ضربة الضاحية. وإسرائيل استندت إلى معلوماتها الاستخبارية والجانب الأميركي لتوجيه ما سمّته “الضربة الاستباقية” التي أقرّ بها نصر الله، نافياً مزاعم تل أبيب.

لكن لا بدّ من تسجيل واقعتين من أصل وقائع كثيرة ساهمت في “دوزنة” جولة فجر الأحد التصعيدية:

– وجود رئيس هيئة الأركان للجيش الأميركي الجنرال سي كيو براون في المنطقة لمواكبة وقائعها.

– بقاء الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين على اتصال مع المسؤولين اللبنانيين لضبط أيّ انفلات.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

هل طوي ملف الصفقة؟

بالتأكيد طوي الملف، أولاً بفعل الخوف الأمريكي من فشلٍ جديد في الأسابيع المتبقية على الانتخابات، وثانياً بفعل عدم التوصل إلى صيغة أكثر توازناً من سابقاتها،…

ما لم يواجهه الحزب من قبل

كان لافتاً غياب الأمين العامّ للحزب عن أربعين القيادي فؤاد شكر. تُركت منصّة الخطابة لرئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين. الخطابان اللذان ألقاهما…

بزشكيان والعراق: تراجع تكتيكيّ للميدان الكردي.. لمصلحة السّياسة

هل سلّم الميدان الإيراني بحقيقة أنّه غير قادر على إدارة الموقف الإيراني بمفرده؟ وأنّه انطلاقاً من رؤيته الحصرية للأمور، حان الوقت لتقاسم أو توزيع الأدوار…

غزّة: ناخب أساسيّ في الأردن.. ومهمّ في أميركا

تقدّمت جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات النيابية الأردنية على كلّ قوائم الأحزاب التي شاركت في انتخابات البرلمان العشرين. وإلى جانب اعتبارات تنظيمية، تميّزت بها الجبهة…