تخوض فرنسا معركة التجديد لقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب وفقاً للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الذي ينعقد في 28 آب الجاري لاتخاذ القرار. تلعب فرنسا دور الوسيط بين لبنان المتمسك بالتمديد دون أي مسّ بنص القرار والولايات المتحدة الأميركية الساعية لإجراء بعض التعديلات.
تمحورت زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الأخيرة للبنان حول تمديد المهامّ الاعتيادية والطبيعية المنوطة بقوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل”، الحافظة للسلام، والفاعلة في الجنوب اللبناني.
تتمسّك الإدارة الفرنسية بالتجديد التقني فقط، دون إدخال تعديل جديد وإحداث أيّ تغيير. لم توافق فرنسا على المطلب الأميركي، المتماهي مع طلب الكيان الإسرائيلي. تصطدم أميركا من بعد الرفض الفرنسي مع فيتو وموقف كلّ من روسيا والصين المعارضتين كلّياً لإحداث أيّ تعديل على نصّ المهامّ الدولية، خصوصاً من ناحية الاستعاضة عن مصطلح “وقف العمليات العسكرية” بعبارة “تخفيف التصعيد العسكري”.
قرار التمديد سيُتخذ بحسب المعطيات الأخيرة المتداولة في أروقة الأمم المتحدة. لم تعارضه أية دولة مساهمة في عديدها، ولم تتخلَّ أيّ منها عن دورها في الجنوب اللبناني. لم يلوّح أحد بالانسحاب من تشكيلها. تعوّل المجموعة الأممية المؤلّفة لهذه القوّة العاملة، وخاصة فرنسا “حاملة القلم” حول لبنان في مجلس الأمن، على دور اليونيفيل المعاون الجوهري للقوات العسكرية اللبنانية الرسمية في اليوم التالي من الحرب. حيث تعتبر من المهمّ جداً وجود القوات الدولية على الحدود، من أجل تسهيل عمل القرار 1701.
ذلك هو الامتحان الأساسي. حيث سيكون القرار 1701 مدخلاً إلزامياً لحلّ مسألة الحدود، وترتيبات الحلّ النهائي أو الطويل الأمد، إن وجد.
اليونيفيل توفّر بيئة القرار 1701 الملائمة
حرص القرار 1701 منذ لحظة إقراره بعد حرب تموز في عام 2006 على جغرافية لبنان الواحد الموحّد، ومبدأ الحفاظ على الدولة والالتزام بالعمل تحت لوائها. شدّد على دعمه الاستقلال السياسي وتأسيس بواعث الوحدة الوطنية. أكّد المؤكّد من جهة حصر السلطة بيد مؤسّسات الدولة الرسمية السياسية والأمنية على كامل الأراضي اللبنانية. يتّسق هذا التسلسل الانسيابي مع:
قرار التمديد سيُتخذ بحسب المعطيات الأخيرة المتداولة في أروقة الأمم المتحدة. لم تعارضه أية دولة مساهمة في عديدها
– امتثال واضح للدستور اللبناني ووثيقة وفاقه (الطائف).
– 1949 تثبيت مشهود لاتفاقية الهدنة في عام.
– تناغم قانوني وانسجام سياسي مع كلّ القرارات الدولية.
– التصدّي لكلّ محاولات العبث بدستورية مساحة لبنان الجغرافية وسيادية الحدود اللبنانية.
يساهم القرار الدولي 1701 في تحويل قضيّة عودة الهدوء على الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين المحتلّة. وينقلها من كونها مسألة بينيّة بين معسكرين ومدوّلة سلبيّاً وخارقة إلى مفهوم الدولة.
إنّه انعكاس جدّي في إطار هيكلية البلد، مع ترسيم فكرة الوحدة الوطنية على أسس السيادة الحقيقية، لا سيما مع ازدياد حدّة التناقضات المحلّية والداخلية. بلغت شدّتها في الآونة الأخيرة نتيجة انغماس فئة لبنانية في محاور غير لبنانية. باتت تتكلّم لغة الإشغال والإسناد غير المجديين. وضربت عبرهما عرض الحائط بالدستور والقوانين اللبنانية. جعلت من لبنان الجبهة الوحيدة، خارج فلسطين المحتلّة. تحتلّ السلطة. تسيطر على المؤسّسات الدستورية التشريعية والتنفيذية. تصادر من الحكومة قرار السلم والحرب.
لذا يستلزم تنفيذ القرار الـ1701 وجود القوات الدولية. تسهّل فعّاليتها والقوات الرسمية اللبنانية التوصّل في مرحلة لاحقة وغير بعيدة إلى اتفاق بشأن الحدود البرّية وتثبيتها، على أن تكون هذه الحدود حدود اتفاق الهدنة 1949، وليس الخطّ الأزرق، الذي لا يعتبر الحدود الرسمية، بل خطّ الانسحاب المؤقّت والمنطقة العازلة المكرّسة في الـ 1701، حيث توجب الفقرتان “الرابعة والثامنة” من نصّ القرار ذاته “الاحترام التامّ للخطّ الأزرق”.
تتمحور ماهيّتها حول “الحدود الخضراء”، أي حدود لبنان المرسّمة مع فلسطين المحتلّة في عام 1923، التي لم تسقطها الإدارة الفرنسية على العكس من أميركا.
تخوض فرنسا معركة التجديد لقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب وفقاً للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الذي ينعقد في 28 آب الجاري
تروّج أميركا منذ فترة لاعتبار الخطّ الأزرق الحدود اللبنانية النهائية، وأن يتمّ التعامل معه بطريق تشبه الترسيم البحري. حرم الترسيم لبنان مساحة من بحره تقدّر مساحتها حوالي ضعفي مساحة مزارع شبعا. تحتوي على ثروات نفطية هائلة. لكن يوجد اختلاف كبير بين المفهومين، حيث لم تكن الحدود البحرية مرسّمة. في حين أنّ الحدود اللبنانية البرّية مرسّمة منذ عشرات السنوات. تحتاج فقط إلى تثبيت. تعدّ أيّ مؤامرة تنازل أو حتى تبادل للأراضي على الحدود خيانةً عظمى، ومخالفةً دستورية كبيرة. هذا وتنصّ مقدّمة الدستور في الفقرة “أ” على أنّ “لبنان وطن سيّد حرّ مستقلّ، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسّسات في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دولياً”.
يعدّ في هذا السياق عدم تقويض الخطّ الأزرق وتمديد مهمّة اليونيفيل مقدّمة أصيلة من أجل تثبيت الحدود البرّية الدستورية اللبنانية، وحمايتها بقوّة الشرعية الدولية. وتساعد اليونيفيل مع الجيش اللبناني على تحقيق جوهرية الهدف المرجوّ من القرار 1701، مقروناً في طبيعة الحال باتفاق الهدنة 1949.
القرار 1701 نموذج ذاتيّة الالتزام القانونيّ
يندرج نموذج القرار 1701 تنفيذياً ضمن خانة “ذاتية الالتزام القانوني” تحت طائلة الإجراءات الأممية. تكلّمت عنها المادّتان 41 و42 من حيث المخالفة والانتهاك. بالتزامن تزداد الجهود الدولية من قبل الدول المعنيّة وفي مقدّمها فرنسا. وتهدف هذه الجهود إلى تسهيل وضمان استمرار عمل هذه القوات بكلّ نجاعة.
إقرأ أيضاً: لبنان بين ثنائيّتين وربط نزاع أميركي – فرنسي
إذ تضغط الإدارة الفرنسية وخارجيّتها مع مجموعة من الدول المؤثّرة من أجل تأسيس توليفة مناخ تعاضديّ دولي يواجه التحدّيات الراهنة، ويدعم لبنان كي يكون قادراً من حيث الشكل والمضمون على تطبيق القرارات الدولية. تصطحب هذه الخطوات استمرارية الضغط الكبير على الكيان الإسرائيلي لتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرار 1701 واحترام كلّ بنوده. يدعم ذلك تجديد حتمي لمهامّ اليونيفيل من دون أيّ تعديل جوهري على صلاحياتها.
لمتابعة الكاتب على X: