اختصر وزير الطاقة وليد فياض في كلمتين فلسفة المنظومة السياسية التي يمثّلها: “الكرامة” و”أميركا”. ونحن اللبنانيّين عالقون بلا كهرباء، بين هاتين الكلمتين. نحن المحكومون من منظومة تهذي. فقدت عقلها. تحمّل الأعداء مسؤولية فشلها. وتظنّ أنّ مخزون “الكرامة” يعوّض نقص الدولارات والخبرات والعلاقات الدولية. وهنا لا بدّ من تسجيل 3 تناقضات كبيرة بين “لغة” وليد فيّاض، وبين “حياته”. وسبع عجائب في نشأته وسلوكه وكلامه…
3 تناقضات وسبع عجائب. هكذا يمكن اختصار سيرة وزير الطاقة وليد فيّاض، في محاولة رسم بورتريه له. هو القائل قبل يومين: “لدينا عزّة نفس، وكرامة. نحن أولاد الصمود والحرّيّة. نعرف مضمون السيادة والاستقلال. نحارب ونواجه. لا نشحد. نحن نديّن العالم كرامة. الجزائر تقف معنا لأنّنا حلفاء في عدم القبول بالاحتلال والاستعباد…”.
هذا ما قاله حين سألته الزميلة غيدا جبيلي: هل لبنان “يشحد” الفيول؟ بعدما أعلنت الجزائر أنّها سترسل إلى شواطئنا شحنة فيول تمدّ أسلاكنا ببضع ساعات كهربائية يومياً. وبعدما دخلنا “العتمة الشاملة” بتوقّف المعامل في كلّ لبنان بسب نفاد الفيول.
1- جبال الصّوّان.. وجبال الصّواريخ
يختصر الوزير العونيّ، في كلامه هذا، الهذيان السياسي، الخارج عن المنطق. وتحضر في هذا “البيان” عصارة العجرفة اللبنانية الفارغة. تلك التي بدأت في “جبال الصوّان” (عُرضت في 1969) و”مجدها”، ووصلت اليوم إلى “النفق” في تلك “الجبال”.
في “جبال الصوّان” تحارب فيروز الغزاة بالأغنيات. بالمواجهة المباشرة. وتنتصر. أمّا اليوم فالحرب باتت تعني الاكتفاء بتلقّي أطنان القصف، والردّ بالتهديد والوعيد من أنفاق دعائية في فيديوات ترويجيّة.
مصطلحات مثل “الكرامة” و”العزّة”، بالمضمون الإنشائي، أقرب إلى الهذيان طبعاً، في حقل العلوم والتكنولوجيا
الوزير العوني المسيحي ولد في 1970، زمن “المارونية السياسية” التي جعلت من جبال لبنان أحد أركان أسطورة “سويسرا الشرق”، والتي تسلّمت لبنان “جنّة” ماليّة في 1943 من الاستعمار الفرنسي. وكان اقتصادهُ مربوطاً بالفرنك الفرنسي. وما لبثت أن سلّمته جثّة سياسية وماليّة واجتماعية إلى الحرب الأهلية في 1975، مربوطاً بالدولار الأميركي. إلى أن عاد رأسها ليطلّ قبل عقد ونصف عقد تقريباً مع ميشال عون. وها هو زبدة وزرائه، في وزارة يمسكها فريقه منذ 16 عاماً، “ينطق” بلسان الشيعية السياسية. اللسان الذي يرى في الجبال “خزائن صواريخ”. ويعود بعد نهاية عهده الرئاسي ويسلّمها جثّة سياسية وماليّة واجتماعية مرّة جديدة بسبب انضوائه تحت عباءة “الشيعية السياسية”.
2- وليد فيّاض في ضيافة “ملاهي” محمد رعد
تلك اللهجة العونية مستجدّة في زمن لبنان الجديد. لبنان وقد تخلّص من اقتصاد “الكباريهات” التي تزعج محمد رعد، الذي كان أعلن ضيق حزبه من “اللبنانيين الذين يريدون أن يرتاحوا وأن يذهبوا إلى الملاهي وإلى شواطئ البحار ويريدون أن يعيشوا حياتهم”.
لغة “الكرامة” التي تتّهم أميركا بأنّها “سبب العتمة الشاملة” هي لغة رعد. والمفارقة أنّ وليد فياض اشتهر بصور وفيديوات له إمّا في “الملاهي” أو “على شواطىء البحار”. وبالتالي فهو يعيش أعلى مراحل التناقض في حياته، بين “لغته” السياسية وحياته. فلغة “الكرامة” و”العزّة”، لغة “جبالنا خزائننا”، هي النقيض التامّ، بحسب محمد رعد، لحياة الملاهي والشواطىء التي يعيشها وليد فياض حتّى أذنيه.
وليد فياض، من موقعه كحامل لهذا التناقض الكبير، أعلن دخول لبنان زمن اقتصاد “المبادلة”. واقترح أن نعطي الدول “كرامة”، فتعطينا الطحين والبيض والفيول. وهي عجيبة “قرّشها” وليد فيّاض. إذ حوّل “الكرامة” إلى دولارات.
عجيبة تشبه عجائب “الكوثراني”، لمن يذكره وقد سحبه الحزب من التداول. وذلك حين خرج بالفيديو الشهير واقترح أن نعطي إيران “أبو صرّة”، فتعطينا الفيول. هذه المرّة “طوّر” وليد فيّاض النكتة، وجعلها كوميديا سوداء من داخل حكومة لبنان.
3 تناقضات وسبع عجائب. هكذا يمكن اختصار سيرة وزير الطاقة وليد فيّاض، في محاولة رسم بورتريه له
3- الدّكتور الأميركيّ… واللّسان الإيرانيّ
مصطلحات مثل “الكرامة” و”العزّة”، بالمضمون الإنشائي، أقرب إلى الهذيان طبعاً، في حقل العلوم والتكنولوجيا. فالوزير وليد فياض حائز شهادة الماجستير من جامعة MIT في أميركا، وشهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها. وقد توصّل في خلاصة تفسيره لأزمة الكهرباء في لبنان إلى أنّ أميركا هذه، التي علّمته وأعطته سيرته الذاتية، هي السبب. وخلاصة أرفع شهادات في الهندسة اختصرها في أنّ الفيول تتمّ مبادلته بـ”الكرامة”. و”العزّة” هي الحلّ لمواجهة الحصار الأميركي. وهذه معادلات يجب أن نبحث عنها في مناهج MIT.
هذا الوزير الذي تلقّت بلاده هبة ومساعدة، لم يشكر الجزائر حتّى. اعتبر أنّ للبنان ديوناً في رقاب الدول، وأنّها تدفع له “بدل قتال”. قالها بالحرف: “نحن نحارب ونواجه. نحن لا نشحد. نحن نديّن العالم كرامة. الجزائر تقف معنا لأنّنا حلفاء، في عدم القبول بالاحتلال والاستعباد”. واستعمل لغته الفرنسية في الكلمة الأخيرة: “Esclavagisme”. هو الحاصل على شهادتين في الهندسة من جامعات باريس.
تحويل “الكرامة” إلى “فيول” معادلة كان يجب أن تكون “مستحيلة” علميّاً، لطالب حصل على شهادة الماجستير وشهادة الدكتوراه من ثالث أهمّ جامعة في العالم. وهي جامعة “علوم” أميركية تحتلّ المركز الأوّل بين مثيلاتها عالمياً.
لم يقُل لنا شيئاً عن سبب انقطاع الكهرباء. ولا أخبرنا وليد فيّاض أين تذهب الأموال التي يدفعها اللبنانيون شهرياً بالدولار “الفريش” لشراء الفيول. لا أرقام ولا معادلات من تلك التي أمضى نصف عمره يتعلّمها. اكتفى بأن يحدّثنا كزعيم ميليشيا: “نحارب ونواجه”. ولا نعرف في أيّ جامعة تعلّم الرابط بين الحرب والمواجهة وإدارة وزارة طاقة. ولم يشرح لنا علاقة “مواجهة الـEsclavagisme” بالكهرباء.
في اليوم التالي أعلن أنّ “الحصار الأميركي سبب العتمة الشاملة”. وهكذا يكون قد “ختم المعرفة”، وأقفل منطقه من الجانبين. فنحن حاصرتنا أميركا، فعتّمت علينا، وهو غرف من مخزون الكرامة، ومن ديون “القتال” الذي نقاتله، وأخذ من الجزائر الفيول مقابل دفعات “عزّة” و”كرامة”.
اختصر وزير الطاقة وليد فياض في كلمتين فلسفة المنظومة السياسية التي يمثّلها: “الكرامة” و”أميركا”. ونحن اللبنانيّين عالقون بلا كهرباء
عجائب وليد فيّاض السّبعة
الوزير هذا تجتمع فيه “عجائب” سبعة: علمية وسياسية واجتماعية:
1- هو ابن زمن “المارونية السياسية”، ولادةً، ثمّ انتماءً سياسياً.
2- لكنّه من عائلة “روم أرثوذكس” شيوعية. حين كان الروم يرون، منتصف القرن الماضي، في شيوعية روسيا بديلاً من قيصر الروم الأرثوذكسي الآفل.
3- درس الهندسة في فرنسا. وأخذ الدكتوراه من أفضل جامعات أميركا. لكنّه يرى أنّ الغرب يحاصر لبنان ويمنع عنه الكهرباء.
4- تيّاره يتّهم خصومه الداخليين بأنّهم “ما خلّونا” ننفّذ سياسات كانت ستعطينا الكهرباء 24/24 منذ 2015. لكنْ هو يتّهم أميركا.
إقرأ أيضاً: “منظومة الانتهاك”
5- تيّاره يطالب بأمجاد “المارونية السياسية” و”صلاحيات رئيس الجمهورية”. لكنْ هو ينطق بلسان “الشيعية السياسية”. وعلى رأسها الحزب، الشيعي عقائدياً، الإيراني سياسياً.
6- يقضي أوقات فراغه في الملاهي والشواطىء. لكنّه يتحالف سياسياً مع حزب يرى رئيس كتلته النيابية أنّ “هذه النفعية الأنانية هي التي تدمّر مصالح الأوطان والمجتمعات…”.
7- وختاماً: هو وزير “ختم” العلم، حين توصّل إلى عجيبة هندسية تاريخية: تحويل “الكرامة”… إلى “فيول”، بكلّ ما يمكن أن تعنيه كلمة “فيولة” بالأعجمية وبالعربية وباللهجة العامية اللبنانية.
لمتابعة الكاتب على X: