ساترفيلد وآمير إيشيل ودانا سترول: المنطقة على حافة الهاوية

مدة القراءة 9 د

استضاف معهد واشنطن في منتصف آب الجاري منتدى سياسياً افتراضياً مع الدبلوماسيين الأميركيين ديفيد ساترفيلد ودانا سترول، وقائد القوّات الجوّية الإسرائيلية السابق الجنرال آمير إيشيل لمناقشة احتمالات ردّ إيراني وشيك على إسرائيل وما يمكن القيام به لردعه… وفي الآتي رؤيتهم لمستقبل المنطقة بناءً على المعطيات الحاليّة.

 

ساترفيلد*: عن دور العرب وأوروبا

هناك خطر كبير من سوء التقدير أو الخطأ الذي قد يؤدّي إلى صراع أوسع نطاقاً في المنطقة، وفقاً لساترفيلد. يعتقد أنّ إيران والحزب لا يريدان تصعيداً إقليمياً يؤدّي إلى ردّ فعل إسرائيلي كبير أو، الأسوأ من ذلك، ردّ فعل أميركي، وأنّ الجهات الفاعلة الوحيدة التي تريد توسيع نطاق الحرب هي حماس وحركة الحوثي في ​​اليمن. ويرى أنّ حلّ الأزمة يتطلّب ضمانات ليس فقط من حماس، بل وأيضاً من الحزب في الشمال، حيث ينتظر 80 ألف إسرائيلي العودة إلى ديارهم.

هناك خطر كبير من سوء التقدير أو الخطأ الذي قد يؤدّي إلى صراع أوسع نطاقاً في المنطقة، وفقاً لساترفيلد

يذكّر ساترفيلد بدور الشركاء العرب والأوروبيين في العملية الدفاعية التي تقودها الولايات المتحدة الذي كان المفتاح لصدّ الهجوم الإيراني السابق ضدّ إسرائيل في نيسان. ويعتقد أنّ استعداد هذه الدول للعب الدور نفسه واضح اليوم. وأخيراً، أعلنت الأردن أنّها ستردّ على أيّ انتهاك لمجالها الجوّي من قبل أيّ دولة. وهو تعليق موجّه إلى طهران. ويواصل المسؤولون الأميركيون حشد تحالف دولي من “الراغبين والقادرين” لضمان عدم تسبّب إيران في صراع أوسع نطاقاً.

كما يشير الدبلوماسي الأميركي المخضرم إلى الإجراءات الوقائية التي اتّخذتها الولايات المتحدة بإرسال مجموعة من حاملة طائرات وغوّاصة صواريخ موجّهة وطائرات مقاتلة إضافية إلى المنطقة على غرار ما فعلت بعد هجوم 7 أكتوبر، حين حوّلت واشنطن قوّاتها وأرسلت إلى إيران تحذيراً: “لا تفعلوها”. لكنّه واثق أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تركّز مع ذلك على المشاركة الدبلوماسية حتى لا تضطرّ إلى إصدار الأمر بشنّ ضربات عسكرية.

على الرغم من تأكيد ساترفيلد أهمّية وقف إطلاق النار في غزة، وضرورة استخدام كلّ الموارد لمعرفة ما إذا كان ممكناً، يرى أنّ المراحل والضمانات التي يتطلّبها مثل هذا الاتفاق معقّدة بشكل لا يصدّق، ويجب تخفيف التوقّعات وفقاً لذلك.

إيران والحزب لا يريدان تصعيداً إقليمياً يؤدّي إلى ردّ فعل إسرائيلي كبير أو، الأسوأ من ذلك، ردّ فعل أميركي

مع ذلك، حتى لو لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق خلال جولة المفاوضات هذا الأسبوع، فمن غير المرجّح أن تنسحب الولايات المتحدة من العملية. يعتبر ساترفيلد أنّ رئيس حركة “حماس” الجديد يحيى السنوار لا يزال يعتقد أنّه يفوز وأنّه سينجو من هذه الحرب وأنّ حماس ستبقى الحاكم الفعلي لغزّة مع القدرة على تشكيل مستقبل المنطقة. لكن في الحرب غير المتكافئة، يتعيّن ببساطة على الطرف غير التابع للدولة البقاء على قيد الحياة “للفوز”.

دانا سترول*: الانتقام أقوى من رفض الحرب؟

أمّا سترول فتؤكّد أنّ واشنطن كان نهجها واضحاً من خلال الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية التي اتّخذتها منذ 7 أكتوبر لمنع الصراع الإقليمي الشامل في ثلاث مراحل خلال حرب غزة، وسعت إلى تحقيق ذلك من خلال تقديم المساعدة الأمنيّة لإسرائيل، والشروع في حشد عسكري سريع، وبعث رسائل متّسقة ومحدّدة إلى حلفائها ومعارضيها، من بين خطوات أخرى.

كما عالجت الأزمات الناجمة عن الصراع في أماكن أخرى من المنطقة بقدرات فريدة، واستهدفت في العراق وسوريا الميليشيات المدعومة من إيران التي كانت تهاجم القوات الأميركية، وعملت في اليمن بشكل هجومي ودفاعي مع تحالفات متعدّدة الجنسيات متميّزة لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتقليل القدرات العسكرية للجماعة. بينما كثّفت في لبنان دبلوماسيتها لتحديد ملامح خارطة طريق لوقف التصعيد مع الحزب بمجرّد التوصّل إلى وقف إطلاق النار في غزة.

تؤكّد سترول أنّ واشنطن كان نهجها واضحاً من خلال الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية التي اتّخذتها منذ 7 أكتوبر لمنع الصراع الإقليمي الشامل

بيد أنّ الهجوم الذي شنّته إيران في 13 نيسان ضدّ إسرائيل فتح، في رأي سترول، مرحلة جديدة في الأزمة وشكّل لحظة فاصلة في الشرق الأوسط. وبدلاً من اللجوء إلى استراتيجيّتها المستمرّة منذ عقود المتمثّلة في الاعتماد على الجماعات بالوكالة لإبراز قوّتها، شنّت طهران هجوماً مباشراً بالصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل ردّاً على اغتيال شخصيات عسكرية إيرانية رفيعة المستوى في دمشق.

كان التحالف الدفاعي الذي تقوده الولايات المتحدة رائداً بنفس القدر، حيث نجحت إسرائيل ومختلف الشركاء العرب والأوروبيين في صدّ معظم الهجوم الإيراني. وغيّرت هذه الأحداث بشكل جذري البيئة الاستراتيجية في المنطقة والطريقة التي تنظر بها جميع الأطراف إلى الاستخدام الهجومي والدفاعي للقوّة.

وفقاً لسترول، يشكّل الهجوم الصاروخي الذي شنّه الحزب في 27 تموز على مجدل شمس مثالاً صارخاً للمخاطر التي تصاحب هذه البيئة الجديدة. وتقول إنّ التهديد الأكبر اليوم ليس اتّخاذ خطوة حاسمة نحو الحرب الإقليمية، بل احتمال ارتكاب خطأ أو سوء تقدير يدفع الأطراف إلى حلقة مفرغة من التصعيد. فبعد الهجوم على مجدل شمس استهدفت إسرائيل فؤاد شكر في بيروت، ويُعتقد أنّها نفّذت العملية التي قتلت إسماعيل هنية في وسط مدينة طهران. وقد اعتُبِرت عمليّات القتل هذه تصعيداً كبيراً وإحراجاً علنيّاً لقادة إيران والحزب.

الهجوم الذي شنّته إيران في 13 نيسان ضدّ إسرائيل فتح، في رأي سترول، مرحلة جديدة في الأزمة وشكّل لحظة فاصلة في الشرق الأوسط

تفترض سترول أنّ جميع اللاعبين يريدون تجنّب حرب أوسع نطاقاً، لكن تبقى معرفة ما إذا كانت الرغبة في الانتقام من الإذلال العلني تفوق الحاجة العملية إلى خفض التصعيد. وتعتبر أنّ سرعة الولايات المتحدة في الانتشار العسكري في المنطقة تشير إلى استعدادها لاستخدام القوّة دفاعاً عن إسرائيل، حتى مع استمرارها في الدفع نحو إيجاد وسيلة دبلوماسية لمنع الحرب الإقليمية. وتعتبر أنّ حديث المسؤولين الأميركيين علناً عن نشر غوّاصة صواريخ موجّهة يشكّل رسالة قويّة موجّهة إلى كبار القادة في طهران. لكنّ واشنطن لم تشِر بعد إلى ما إذا كانت مستعدّة للتعامل مع إيران بشكل مباشر أو استباقي.

آمير إيشيل*: السّنوار لم ييأس بعد

بالنسبة للجنرال الإسرائيلي إيشيل فإنّ “المنطقة على وشك التصعيد الكامل على الرغم من أنّ أيّاً من اللاعبين الرئيسيين، بما في ذلك إيران وإسرائيل والحزب، لا يريد ذلك. والسؤال الآن هو ما إذا كانت طهران ووكيلها اللبناني سيتمكّنان من الردّ بطريقة ترضيهما دون تجاوز عتبة الحرب”.

يؤكّد إيشيل استعداد إسرائيل للردّ وعدم شعور شعب إسرائيل بالذعر. فبالنسبة للإسرائيليين ليس الصراع مع إيران جديداً. بعد تدخّل طهران في سوريا قبل عدّة سنوات والإعلان بعد ذلك عن نيّتها مهاجمة إسرائيل، قدّرت إسرائيل أنّ التهديدات والصراعات المباشرة ستكون أكثر تواتراً وبدأت بالاستعداد وفقاً لذلك.

في رأي إيشيل أنّ إيران تدرك أنّ الردع هو عنصر أساسي في استراتيجية الانتقام الإسرائيلية وتتحرّك بحذر. وتحرز تقدّماً في برنامجها النووي وتقيم صداقات مع روسيا والصين. لذلك قد تكتفي بهجوم انتقامي محدود النطاق ومنخفض الحجم في المستقبل القريب. وهو ما أصبحت إسرائيل مستعدّة له هجومياً ودفاعياً وليست حالياً بحاجة إلى اتّخاذ إجراءات وقائية ضدّ إيران ما لم يصعّد أحد اللاعبين إلى حرب شاملة. لكنّها ستردّ بالتأكيد على أيّ هجوم تشنّه إيران والحزب بضرباتها الخاصة، اعتماداً على نتيجة تلك الهجمات.

إيشيل: المنطقة على وشك التصعيد الكامل على الرغم من أنّ أيّاً من اللاعبين الرئيسيين، بما في ذلك إيران وإسرائيل والحزب، لا يريد ذلك

يرفض الجنرال الإسرائيلي السابق استمرار وجود الحزب على الحدود الشمالية لإسرائيل. ويعتبر أنّ وقف إطلاق النار في غزة لن يكفي لجعل المواطنين الإسرائيليين الذين تمّ إجلاؤهم يشعرون بالراحة بشأن العودة إلى منازلهم في الشمال، وأنّ هذا الشعور بالأمن لن يأتي إلا إذا تمّ إبعاد المجموعة بالكامل عن الحدود. وهذا يشمل إمكانية إعلان السيادة على طول الحدود. وهي الخطوة التي قد تؤدّي إلى حرب شاملة. لكن قد تكون مبرّرة إذا انتهك الحزب اتفاقيات وقف إطلاق النار في المستقبل.

في ما يتعلّق بوقف إطلاق النار في غزة، يعتقد إيشيل أنّ قائد حماس يحيى السنوار لم يصل بعد إلى نقطة اليأس. قد تسيطر إسرائيل على معبر فيلادلفي بين مصر وغزة، لكنّ حماس لا تزال تتمتّع بالقدرة على الوصول إلى بعض خطوط إمدادها بالأسلحة.

إقرأ أيضاً: فيلتمان يقارن بحرب 2006: المنطقة اليوم في مجهول خطير

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

*السفير ديفيد م. ساترفيلد هو مدير معهد بيكر للسياسة العامة حالياً، وسفير الولايات المتحدة سابقاً في لبنان (2001-1998) وتركيا. توزّعت مهامّه على مدى أكثر من 40 عاماً في كلّ من سوريا وتونس والمملكة العربية السعودية ولبنان ومصر والعراق والأردن وإسرائيل. كان نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى (2001-2004). عيّنته إدارة بايدن مبعوثاً خاصّاً للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، بعد أيام قليلة من عملية طوفان الأقصى، والحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة في 15 تشرين الأول 2023. وهي المهمّة التي تنحّى عنها بعد 7 أشهر من تعيينه. يتمتّع بخبرة واسعة في المفاوضات الثنائية والمتعدّدة الجنسيات، أبرزها خارطة الطريق للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1995، بالتعاون مع الأمم المتحدة. ولعب دوراً بارزاً في انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، وإبرام اتفاقية الحدود على الخطّ الأزرق الدولي مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

*دانا سترول هي مديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. عملت من 2021 إلى 2023 كنائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، وهي أعلى مسؤول مدني في البنتاغون عن المنطقة. عملت لمدّة خمس سنوات في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، حيث غطّت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا. كما عملت في السفارة الأميركية في القاهرة في الشؤون الاقتصادية والسياسية، وفي معهد السلام الأميركي في العلاقات المدنية العسكرية في العراق، وفي المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الخليجية.

*آمير إيشيل أحد كبار الباحثين حالياً في مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات. كان المدير العامّ لوزارة الدفاع الإسرائيلية وقائد سلاح الجوّ الإسرائيلي. وخدم في قوات الدفاع الإسرائيلية لأكثر من 40 عاماً، بما في ذلك خلال حربَي لبنان عامَي 1982 و2006 وصراعات غزة في الفترة 2008-2009 و2012 و2014.

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…