ذهبت حماس إلى الجلسة الثامنة من المفاوضات مستظلّة برئيس مكتبها السياسي الجديد يحيى السنوار. وعلى طاولتها حلّ الحزب وإيران ورقة أساسية من خارج الحاضرين. كان اليوم الأوّل قد انتهى إلى صفر نتيجة. استشعرت حماس أن لا نوايا جدّية لوقف الحرب لدى إسرائيل. أبلغت حلفاءها أنّ الوفد الإسرائيلي تراجع ورفض الاتفاق على بنود عديدة ومهمّة. وقبل أن تبدأ الجلسة الثانية جاء ردّ محور المقاومة العسكري والسياسي. وزّع الحزب مشاهد لمنشأة “عماد 4” الصاروخية الموجودة تحت الأرض وداخل الصخور والجبال… فهل صحيح أنّ المفاوضات فشلت؟ وهل ينجح الضغط الأميركي على إسرائيل في جرّ نتنياهو إلى تسوية؟
لماذا وزّع الحزب فيديو لأنفاقه الضخمة خلال محادثات وقف إطلاق النار في قطر؟
ثمّة وجهة نظر تقول إنّ السبب هو ما أوصلته حركة “حماس” إلى مختلف أفرقاء المحور من أنّ إسرائيل تناور، وطلبت من “المحور” العودة إلى الميدان. فكان الردّ بفيديو الحزب. وأعلنت سفارة إيران في لبنان أنّها “مشاهد لمنشأة عسكرية تحت الأرض لها مثيلاتها في جميع أنحاء إيران”، واسمها باللغة الفارسية “مدن الصواريخ”.
أظهرت مشاهد الفيديو شاحنات مرقّمة تحمل راجمات صواريخ تتّجه من داخل المنشأة في اتّجاه فتحة إطلاق أرضية لتكون جاهزةً للإطلاق، في وقت تترقّب إسرائيل ردّ الحزب على اغتيال أحد أبرز قادته فؤاد شكر.
تقول مصادر قريبة من “المحور” إنّ الفيديو يقول إنّ أيّ ضربة مسمّاة “استباقية” تخطّط إسرائيل لتوجيهها إلى الحزب أو إيران لم تعد تجدي نفعاً لأنّ ما يسمّى في العلم العسكري “الضربة الثانية” العقابية آتٍ لا محالة، على ما تؤكّد إيران والحزب.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ عدم التوصّل إلى اتفاق على وقف الحرب يعني مزيداً من التأزّم
الحزب والمفاوضات: لا ثقة
لم يكن محور المقاومة ليرفض مبدأ معاودة الحوار غير المباشر بين حماس وإسرائيل على الرغم من علمه مسبقاً أنّ رئيس وزراء إسرائيل ليس في نيّته إنجاح المفاوضات لوقف الحرب، بدليل المجازر التي يستمرّ في ارتكابها، من غزّة إلى جنوب لبنان، على الرغم من الأجواء الإيجابية التي تقصّدت الولايات المتحدة إشاعتها استباقاً للجولة السابعة من المفاوضات في الدوحة، وبعد انتهائها.
لم تخرج كلّ جولات التفاوض السابقة باتّفاق. وفي كلّ مرّة كان نتنياهو يطرح شروطاً جديدة وينقلب على ما يتمّ الاتّفاق بشأنه. ولا جديد هذه المرّة. لكنّ الدول الثلاث الراعية لهذه الجولة الولايات المتحدة وقطر ومصر اعتبرت أنّ “تطيير” التفاوض من شأنه أن يشرّع أبواب المنطقة على الحرب، فارتأت الاستمرار في إشاعة أجواء تفاؤل لم تلمسه على ما أبلغت أطراف “المحور”.
تقول مصادر حماس لـ”أساس” إنّه لم يتمّ التقدّم للاتفاق على أيّ نقطة في اليوم الأوّل. وفي اليوم الثاني تعثّر الاتفاق، “فغادرت الوفود بعدما أُبلِغنا بأنّ إسرائيل لم توافق على أيّ من البنود التي هي محلّ خلاف ووردت في ورقتنا التي قدّمناها في 2 تموز. بل وضعت شروطاً جديدة”.
في خلاصة ما شهدته المفاوضات لمست حماس أنّ “الجانب الأميركي غير جادّ بالضغط على نتنياهو للتوصّل إلى اتفاق، وإنّما كان يسعى إلى إشاعة مناخات إيجابية كاذبة لأغراض سياسية معروفة”.
تتابع المصادر قولها إنّه “كان يفترض أن تبنى الجلسة الثانية على نتائج أوّل جلسة. لكنّ المتحاورين لم يتمكّنوا من الاتفاق على أيّ بند. لم تكن حماس متحمّسة للمشاركة، خاصة أنّ البحث لم يتطرّق إلى أيّ من النقاط الجوهرية التي يفترض الاتفاق بشأنها، وأهمّها المعابر. لكنّ الدول الراعية أصرّت على مواصلة الاجتماع وتحديد جلسة الأسبوع المقبل على الرغم من علمها بأنّ المفاوضات لا تزال متعثّرة”.
تقول مصادر حماس لـ”أساس” إنّه لم يتمّ التقدّم للاتفاق على أيّ نقطة في اليوم الأوّل
في نهاية الاجتماعات خرجت حماس لتعبّر عن خيبة أمل جديدة، مفادها أنّه لم يعد هناك داعٍ للتفاوض، والكلمة صارت للميدان، ولمحور المقاومة أن يعلن ساعة الصفر.
أميركا تحاول كسب الوقت
يوم زار الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لبنان أدرك الحزب أنّ الضيف الذي لم يحمل جديداً يضاف إلى زياراته السابقة سعى إلى تأخير ردّ إيران والحزب على اغتيال القيادي فؤاد شكر ومسؤول حماس إسماعيل هنية، وتأكيد جدّية بلاده في الضغط على رئيس وزراء إسرائيل من أجل التوصّل إلى اتفاق على وقف الحرب. لم يعوّل الحزب كما إيران على نتائج جولة المفاوضات الجديدة. لكنّ إيران استمرّت بمفاوضاتها مع الولايات المتحدة وأبدت كما الحزب حسن نيّة في تأخير الردّ كي لا يكونا سبباً في تفويت فرصة منع الحرب الواسعة في المنطقة.
لم يجارِ الحزب الدبلوماسيين الذين توافدوا على لبنان، في تفاؤلهم. وتقول مصادره القريبة إنّ الفرنسيين عبر سفيرهم، كما سويسرا وكندا قبل هوكستين، تقاطعوا على طلب التريّث في الردّ على إسرائيل إفساحاً في المجال أمام المفاوضات. لكنّه كان يعلم أنّ مجرّد الدعوة إلى المفاوضات محاولة لتأجيل الردّ.. بدليل إرجاء الجلسة إلى نهاية الأسبوع المقبل وليس قبله.
ذهبت حماس إلى الجلسة الثامنة من المفاوضات مستظلّة برئيس مكتبها السياسي الجديد يحيى السنوار
هل اقتربنا من الحرب؟
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ عدم التوصّل إلى اتفاق على وقف الحرب يعني مزيداً من التأزّم، دون أن يكون بالضرورة مقدّمة لحرب واسعة. والحال هذه ستستمرّ إسرائيل في عدوانها ويستمرّ ردّ الحزب عليها في عملية قد تستمرّ طويلاً إلّا في حال نجحت الضغوط الأميركية على نتنياهو والضغوط الخليجية على حماس للقبول بالاتفاق.
إقرأ أيضاً: الحزب وإيران: التّسوية خيرٌ من الرّدّ
في البيان الختامي كان واضحاً إصرار كلّ من أميركا قطر ومصر على الخروج بنتيجة. مضمون البيان لم يعلن الفشل بل قال إنّ “كبار المسؤولين من حكوماتنا سيجتمعون مرّة أخرى في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل، آملين التوصّل إلى اتفاق وفقاً للشروط المطروحة اليوم”، مذكّرين بأنّه “لم يعد هناك وقت نضيعه ولا أعذار يمكن أن تقبل من أيّ طرف تبرّر مزيداً من التأخير”، في رسالة إلى حماس وإسرائيل بأنّه “حان الوقت لإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وبدء وقف إطلاق النار، وتنفيذ هذا الاتفاق… الآن أصبح الطريق ممهّداً لتحقيق هذه النتيجة، وإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوتّرات الإقليمية”.
هل يتحقّق وقف إطلاق النار وتنجح ضغوط أميركا؟ أم وقف إطلاق النار سيتمّ ترحيله إلى العهد الأميركي الجديد؟