إيران “حامية السُّنّة”… ماذا عن سُنّة إيران؟

مدة القراءة 5 د

عقب عملية “طوفان الأقصى”، صوّر الإعلام الإيراني، بوجهيه الفارسي والعربي، محور إيران على أنّه يدافع عن “أهل السنّة” في غزّة وفي فلسطين. وأدار حملة تنظيف لصورة المحور الذي “قتل” أهل السنّة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن ماذا عن مولوي عبد الحميد زهي، إمام أهل السنّة في إيران، الذي يتعرّض هو وملايين السنّة في إيران (يقدّر عددهم بـ8 إلى 9 ملايين) لاضطهاد وقتل وإقصاء سياسي منذ إعلان الثورة قبل 50 عاماً؟

 

هذه الحملات الترويجية لنظام الملالي الشيعي وأذرعه المعادية للدول العربية الوطنية، ذات الأكثريّات السنّية، كان هدفها تظهير ملالي إيران بصورة “حماة الإسلام”، والمرشد علي خامنئي على أنّه “زعيم الأمّة”.

لكنّها أسقطت بشكل متعمّد مولوي عبد الحميد زهي، إمام أهل السنّة في إيران، الذي يقود منذ عدّة سنوات صراعاً سياسياً وفكرياً واجتماعياً مع النظام الاستبدادي الإيراني ومرشده. الأمر الذي يقوّض “طهرانيّة” الشعارات المرفوعة والمرتكزة على أدبيّات التفسيرات الكلاسيكية الضيّقة والمقيّدة لـ”علماء السلاطين”.

عبد الحميد إسماعيل زهي فقيه سنّي كبير، يبلغ من العمر 77 عاماً، وينحدر من عائلة دينية تنتمي إلى قومية “البلوش” التي تعاني من التهميش والاضطهاد الوحشيّ منذ عقود طويلة. وهو خطيب المسجد “المكّي”، حيث يحضر خطبته نحو 50 ألف مصلٍّ، ورئيس جامعة “دار العلوم” بمدينة “زاهدان”، عاصمة محافظة “سيستان وبلوشستان” جنوب شرق إيران، وهي أكبر مركز علمي للسنّة بإيران. كما يرأس المجمع الفقهي لأهل السنّة، وعضو بـ”المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي” بمكّة المكرّمة. وبالمجمل يشرف على إدارة العمل التربوي عند السنّة بما يضمن حماية هويّتهم وصون إرثهم.

يطلق على مولوي لقب “إمام أهل السنّة” في إيران بسبب مركزيّة مظلوميّة السنّة في خطابه

يمثّل نهج مولوي عبد الحميد امتداداً للمدرسة الفقهية السنّية التقليدية، التي تحرص على عدم الصدام مع المؤسّسة الحاكمة، والمعارضة السلمية ضمن أطر النظام حفظاً لدماء المسلمين. وعلى مدار أكثر من 3 عقود، نجح مولوي عبد الحميد في ملاعبة نظام الملالي عبر خطاب وسطيّ معتدل يتبنّى فكرة المواطنة، وقضايا التمييز الطبقي والإثني والمناطقي وتهميش النساء، ويعارض العمل المسلّح والأفكار الانفصالية، وهو ما مكّنه من اكتساب شعبية هائلة تجاوزت الحدود الجغرافية والقومية والمذهبية.

ازدواجيّة الملالي

يطلق على مولوي عبد الحميد لقب “إمام أهل السنّة” في إيران بسبب مركزيّة مظلوميّة السنّة في خطابه، حيث يواجه السنّة على يد ملالي إيران اضطهاداً ممنهجاً يشتمل على التضييق على حرّية العبادة وبناء المساجد والإقصاء من مناصب الدولة والعملية السياسية بشكل شبه كامل، فضلاً عن الاعتقالات التعسّفية والإعدامات الدورية التي يتعرّض لها الكثير من أهل السنّة في إيران بذرائع واهية مشكوك في سبكها من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات. حسب تقديرات غير رسمية، فإنّ عدد السنّة في إيران يراوح بين 10 و15 مليون نسمة من أصل نحو 90 مليون نسمة هو إجمالي سكّان إيران.

مولوي عبد الحميد

يحرص مولوي في خطابه على انتقاد صرامة أيديولوجية نظام الملالي التي تصوّر سنّة إيران كأنّهم جالية أجنبية أو أعداء محتملون. ويدأب على التذكير بأنّ السنّة من أهل البلاد الأصليين: “لسنا متعطّشين للمنصب أو الجاه. لكنّ القضيّة قضيّة كرامة. لا نحبّ أن يعاملونا كالأجانب وينظر إلينا بازدراء كمواطنين من الدرجة الثانية”.

في خطبة الجمعة في 16 آب، انتقد إقصاء “أهل السنّة وشريحة النساء وأهل الكفاءات” من التشكيلة الحكومية التي قدّمها الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، موجّهاً سهام نقده إلى نظام الثورة الإسلامية برمّته.

قال: “أهل السنّة وهم من القوميّات الأصيلة في إيران ودافعوا عن هذا البلد، لم يتمّ اختيار وزير واحد منهم في حكومة بزشكيان المقترحة، كما هو الحال خلال الـ45 سنة الماضية”.

يمثّل نهج مولوي عبد الحميد امتداداً للمدرسة الفقهية السنّية التقليدية، التي تحرص على عدم الصدام مع المؤسّسة الحاكمة، والمعارضة السلمية

كان الرئيس الإيراني قد اجتمع برفقة العقل السياسي والاستراتيجي لعهده الرئاسي، وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، مع وفد ضمّ علماء ووجهاء أهل السنّة ووعدهم بحقيبة وزارية.

بالفعل قدّم بزشكيان اسم السنّي عماد الحسيني كوزير للنفط ضمن تشكيلته المقترحة إلى دوائر مرشد الثورة والحرس الثوري، فجرى إسقاط الوزير السنّي من اللائحة المنقّحة التي قدّمها الرئيس الإيراني إلى البرلمان لنيل ثقته.

من المثير حقّاً أنّ إيران التي تقدّم نفسها اليوم على أنّها درع الإسلام الحصين وسند القضية الفلسطينية المتين، والتي غطّت عاصمتها طهران بصور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وجرى تصويره من قبل الملالي وقادة الحرس الثوري بأنّه من “أولياء الله”، غصّت بمنح السنّة وزيراً واحداً، الأمر الذي يعكس عمق حساسية ملالي إيران تجاه السنّة وخصوصاً مواطنيها. أمّا التحالف مع حماس، ومن خلفها جماعة الإخوان المسلمين، فيدخل في باب الاستثمار السياسي وتوظيف الأيديولوجية الدينية ضدّ الدول العربية السنّية.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…