اتّصالات أميركا-إيران تمدّد “العقاب الانتظاريّ” للبنان

مدة القراءة 8 د

قدر لبنان أن يقبع في “الانتظار العقابيّ” لردّ الحزب وإيران على اغتيال رئيس حركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، والقيادي الأبرز في الحزب فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية. فاللبنانيون يخضعون لـ”العقاب” لمجرّد انتظارهم ردّة الفعل الإسرائيلية. والموفدون الدوليون الذين زاروهم في الأيام الماضية، على اختلاف مقاصدهم، وضعوا لبنان في خانة الانتظار. إذ دعوهم إلى التَطلُّع لمحادثات الدوحة حول وقف النار، وما بعد تلك المحادثات، مع رهان على إنجاحها.

قال الأمين العام للحزب في 6 آب الجاري إنّ “الانتظار الإسرائيلي للردّ هو جزء من الردّ ومن المعركة النفسية، وجزء من العقاب”. واعتبر أنّ التهجير والتدمير ووقف رحلات الطيران التجاري لم تعد مقتصرة على الجهة اللبنانية، بل باتت تحصل في إسرائيل أيضاً.

في سرده للتماثل والتساوي في الأضرار بين لبنان وإسرائيل، خلافاً لاقتصارها سابقاً على لبنان، نسي أن يُعِدّ “الانتظار العقابي” كإحدى خسائر لبنان. هذا “الانتظار” الذي يعني أيضاً ترقّب ما ستؤول إليه الاتصالات الأميركية الإيرانية.

 

برّدت بعضَ القلق زياراتُ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الأربعاء، ثمّ وزير الخارجية الفرنسي سيباستيان سيجورنيه الخميس، ثمّ نظيره المصري بدر عبد العاطي أمس. اعتبر المسؤولون أنّ لبنان غير متروك على الرغم من أنّه لا نتائج عملية من زياراتهم. لكنّ الميدان بقي مرتفع التوتّر، إذ استعرضت إسرائيل والحزب نماذج لما يمكن أن يكون عليه انفلات التصعيد العسكري:

– الأولى استخدمت للمرّة الأولى قنبلة انشطارية زنة 900 كيلو دمّرت الأربعاء مبنى من 3 طبقات دفعة واحدة في بلدة كفركلا. وقصفت للمرّة الأولى السوق في مدينة مرجعيون متسبّبة بقتيلين وعدد من الجرحى وأضرار كبيرة.

– والحزب ردّ بقصف أصاب مدنيين في كريات شمونة، واستهدف للمرّة الأولى مستعمرة شاميرا. وأُلحق ذلك أمس ببثّ فيديو عن الكمّية الضخمة من الصوارخ الدقيقة التي تحتضنها أنفاقه.

اللبنانيون يخضعون لـ”العقاب” لمجرّد انتظارهم ردّة الفعل الإسرائيلية. والموفدون الدوليون الذين زاروهم في الأيام الماضية

هوكستين طلب عدم الرّدّ: إسرائيل لم تتبنَّ عمليّة هنيّة

خلال زيارته لبنان قبل يوم من مفاوضات وقف حرب غزة، اعتبر آموس هوكستين أنّ “ردم الهوّة بين حماس وإسرائيل ممكن. فهي ليست كبيرة، وسبق لحماس أن وافقت على خطّة بايدن في أيار، وإسرائيل قبلت بها في حزيران”… وقال إنّ مكالمة الأخير الهاتفية مع بنيامين نتنياهو كانت “متشدّدة”. وأشار إلى أنّ نجاح اتّفاق الإطار “سيترك حتماً تأثيراً” على جبهة جنوب لبنان.

من حصيلة الأيام الثلاثة الماضية لهجمة الموفدين تجمّع لدى “أساس” بعض ما قيل في بعض اللقاءات، ومنها لم يُقَل في غيرها:

– أكّد هوكستين “أنّنا نجري اتصالات مع إيران”، ففَهِم بعض محدّثيه أنّها مباشرة، لثنيها عن الردّ على اغتيال إسماعيل هنية. حجّة واشنطن المعروفة أنّ “إسرائيل لم تعلن مسؤوليّتها عنه، وتمّ بتفجير عبوة داخلية لا بصاروخ من الخارج… وهنية ليس إيرانيّاً”.

– حاول في أحد لقاءاته أن يقلّل من وزن حجّة الحزب بالردّ. إذ اعتبر أنّ اغتيال فؤاد شكر جاء ردّاً على قصف مجدل شمس، موحياً بالتساوي بين تل أبيب وحارة حريك. هذا مع أنّ مسؤولين لبنانيين يعتبرون أنّ صاروخاً إسرائيلياً من القبّة الحديدية اعترض صاروخاً أطلقه الحزب، فتسبّب تفجيره بمقتل الأطفال في ملعب البلدة.

خلال زيارته لبنان قبل يوم من مفاوضات وقف حرب غزة، اعتبر آموس هوكستين أنّ ردم الهوّة بين حماس وإسرائيل ممكن

الرّدّ المحسوب وخطأ الحساب وحماية إسرائيل

– أما وأنّ طهران والحزب سيردّان فالأفضل أن يكون ذلك محسوباً حتى لا يحصل خطأ يقود إلى انفلات الجبهات. ويفترض بالحزب أن يحسب النتائج كي لا يؤدّي أيّ ردّ إلى تدمير لبنان واقتصاده. وهذا ما لا نريده.

انطلق هوكستين من مجزرة بلدة مجدل شمس في الجولان ليعطي مثلاً. فقال: تصوّروا أن تقع قذيفة في مكان ما على الأراضي الإسرائيلية على باص ينقل 40 ولداً. فماذا سيحصل في هذه الحال؟

في هذا السياق أيّد الأميركي والفرنسي النصيحة التي أسداها لبنان الرسمي لإيران والحزب بألّا يكون الردّ متزامناً من جبهات الممانعة، وأن يتجنّب الردّ، حتى لو كان إفرادياً ومتباعداً زمنياً، المدنيين في إسرائيل.

– أوحى هوكستين أنّ طهران تراجع حساباتها، مع أنّ ردّها والحزب آتٍ، بغضّ النظر عن وقف النار في غزة. لكنّه، حسب تقديرات لبنانية، ردٌّ قد يختلف ويكون أقلّ قوّة في حال نجح التفاوض بوقف حرب غزة. هذا هو الرهان المفترض للموفدين والمسؤولين اللبنانيين. وانطباع هؤلاء أنّ طهران وحارة حريك فضّلتا عدم تنفيذ الردّ قبل اجتماع الدوحة، حتى لا تُتَّهما بإفشاله.

أيّد الأميركي والفرنسي النصيحة التي أسداها لبنان الرسمي لإيران والحزب بألّا يكون الردّ متزامناً من جبهات الممانعة، وأن يتجنّب الردّ، حتى لو كان إفرادياً ومتباعداً زمنياً

– حين سئل عن الحشد العسكري الأميركي في مياه الإقليم وبعض القواعد الأميركية في المنطقة أجاب “أنّنا لا نريد الحرب بل الحلّ الدبلوماسي للأزمة ووقف الحرب في غزة الذي هو الأساس لنزع فتيل التفجير في سائر الجبهات ومنها لبنان”. وذهب به نفي نيّة الحرب إلى حدّ ذكر وسائل إعلام مقرّبة من الممانعة والحزب اعتبرت أنّه جاء لنقل تهديدات قائلاً: “أنا لا أنقل تهديداً بل أحذّر من خطأ في الحسابات. وأميركا عزّزت وجودها لتدافع عن إسرائيل لا لتخوض حرباً مع أيّ جهة”.

الحماية الفرنسيّة.. وتأجيل دعم الجيش؟

– شاركت فرنسا الأميركيين في التبريد بإبلاغ سيجورنيه من التقاهم بعودة رحلات شركتي “إير فرانس” و”ترانسافيا” الفرنسيّتين إلى مطار بيروت. أوحى بذلك أنّه قرار سياسي بالتعاطف مع لبنان وحمايته، بعدما أصدرت الشركتان بياناً بالقرار قبيل وصوله.

– أبدى هوكستين وسيجورنيه ارتياحاً لقرار مجلس الوزراء تطويع 1,500 جندي في الجيش. فهي خطوة تعهّد بها لبنان لتمكين الجيش من تعزيز وجوده جنوباً في اليوم التالي لوقف النار المفترض، في حال أوقفت مفاوضات الدوحة حرب غزة. إلا أنّ البحث في دعم الجيش للقيام بذلك يتمّ بعد الاتفاق الكامل على معالجة الوضع الأمنيّ والعسكري في الجنوب.

حين جرى التدقيق في اجتماعه مع الرئيس نجيب ميقاتي بإمكان تقديم مساعدات اقتصادية للبنان في اليوم التالي، أوضح هوكستين أنّ واشنطن مستعدّة للمساعدة

الحاجة إلى انتخاب رئيس؟

– بعدما ترك مسحة تفاؤل عن مفاوضات الدوحة سأل هوكستين الرئيس نبيه بري عمّا إذا كان هناك تقدّم في شأن انتخاب رئيس للجمهورية. ذكّره برّي بأنّه أطلق مبادرة حواريّة لإنهاء الفراغ الرئاسي، مشيراً إلى أنّ “اللجنة الخماسية تؤيّدها، وهناك فريق يرفضها”. لكنّه أضاف: “لا أربط مبادرتي بوقف الحرب. وأنا أشتغل على تحضير شيء في هذا الصدد”. لكنّه لم يفصح عمّا يقصده. شرح هوكستين سبب طرح مسألة الرئاسة على بري في لقائه مع نواب المعارضة حين سألوه عن دعم الجيش والاقتصاد. كما سألوه عن كيفية توزيع مراحل الحلّ في الجنوب (في حال نجاح وقف حرب غزة). فهم هؤلاء أنّ كلّ ذلك بما فيه إعادة الإعمار جنوباً يتطلّب انتخاب رئيس للجمهورية. أوضح أنّ بقاء حكومة تصريف الأعمال لن يفي بغرض القيام بكلّ هذه المهمّات.

– حين جرى التدقيق في اجتماعه مع الرئيس نجيب ميقاتي بإمكان تقديم مساعدات اقتصادية للبنان في اليوم التالي، أوضح أنّ واشنطن مستعدّة للمساعدة، لا سيما في الكهرباء، “لكنّ الأوروبيين وغيرهم يشترطون الإصلاحات أوّلاً”.

– لن تكون هناك مشكلة في التجديد لقوات الأمم المتحدة في الجنوب من دون تعديل في آخر هذا الشهر. وافق هوكستين على أن يكون لمدّة سنة، وفرنسا، “حاملة القلم”، اقترحت ذلك. بدّد ذلك أخباراً جاءت من نيويورك عن أنّ واشنطن اقترحت أن يكون لستّة أشهر.

إقرأ أيضاً: سرّ هوكستين الأخير… وأسراره السّابقة

“العقاب الانتظاريّ” للبنان

مسحة التفاؤل لا تعفي اللبنانيين من “العقاب الانتظاري” للضربة الانتقامية لمحور الممانعة وردّ الفعل الإسرائيلي عليها وعليهم. هذا “العقاب” سيستمرّ إلى ما بعد محادثات قطر. إذ قال هوكستين إنّه حتى لو نجحت المفاوضات فسيحتاج الأمر إلى بضعة أيام إضافية. يتطلّب الاتفاق إبلاغ يحيى السنوار بحصيلتها ليدلي برأيه، وليجري بنيامين نتنياهو ترتيباته داخل حكومته قبل اتّخاذه القرار. جاء كلام الموفد الأميركي في سياق حديثه عن جدّية ضغوط الرئيس جو بايدن لوقف الحرب.

الوقت المفترض لبلورة وقف النار سيبقي الإسرائيليين “على رجل ونصف (أو ربع)”، بانتظار الردّ الانتقامي كما قال نصر الله. لكنّ اللبنانيين هم أيضاً سيظلّون واقفين على رجل ونصف.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…