بعد عقود من المواجهات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب، وإيران في الجانب الآخر، أظهرت أحداث الأيام الأخيرة أنّ واشنطن اقتربت من موقف إسرائيل بضرورة استعمال لغة القوة والتهديد المباشر في التعاطي مع طهران.
على عكس إسرائيل التي تعتقد أنّ إيران “نمر من ورق”، فإنّ الولايات المتحدة فضّلت اتباع سياسة العقوبات لدفع إيران إلى تغيير سلوكها وانتهجت سياسة مشابهة لسياستها إبّان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وهي “الانخراط والتقويض” في آن واحد. في خضم الحرب الباردة والمواجهات مع المنظومة الشيوعية حول العالم، وقّعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خمس معاهدات رئيسية تهدف إلى الحدّ من الصواريخ الباليستية والأسلحة الاستراتيجية الأخرى. وفي الوقت نفسه كانت واشنطن تموّل مجموعات ديمقراطية في أوروبا الشرقية مناهضة للشيوعية.
التهديد الإيراني وضرورية المواجهة
واشنطن وتل أبيب كانا يلتقيان دوماً على ضرورة مواجهة التهديد الإيراني. لكن الخلاف كان يقع دائماً حول كيفية المواجهة. برز هذا الخلاف حين دخلت واشنطن في اتفاق مع إيران حول ملفّها النووي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، حين ظهر الخلاف إلى العلن بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وإدارة أوباما.
وعلى الرغم من خروج الرئيس السابق ترامب من الاتفاق النووي، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إلّا أنّ واشنطن كانت فقط مستعدة لمواجهة إيران بالمباشر في حال تعرّضت القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة، إلى هجمات مباشرة من جماعات تخضع للنفوذ الإيراني، وليس دفاعاً عن إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة. استمرت واشنطن ببعث رسائل إلى طهران بأنّ واشنطن لم تقرّ سياسة تغيير النظام الإسلامي في إيران.
بدورها أيضاً إسرائيل وعلى الرغم من اتهام إيران منذ الثمانينات بأنّها تموّل العمليات، وتدعم المجموعات التي تقوم بعمليات عسكرية ضدّ إسرائيل في الداخل أو حول العالم. لم تنقل تل أبيب الصراع إلى الداخل الإيراني واكتفت بمواجهة “أذرع” إسرائيل في المنطقة.
واشنطن وتل أبيب كانا يلتقيان دوماً على ضرورة مواجهة التهديد الإيراني. لكن الخلاف كان يقع دائماً حول كيفية المواجهة
الخلاف مع واشنطن والعمليات النوعيّة
الخلاف مع واشنطن حول مقاربة الملف النووي الإيراني، وعدم اقتناع واشنطن بالانضمام
إلى إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية في إيران. دفع إسرائيل إلى اللجوء إلى عمليات نوعيّة داخل إيران عن طريق اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين دون إعلانها المسؤولية. اغتيال هنيّة على الأراضي الإيرانية شكّل إهانة إلى إيران، ودفع طهران إلى التحضير لضربة انتقامية جدّية ضد إسرائيل.
تنفيذ إسرائيل لضربة في العمق الإيراني وليس فقط استهداف البرنامج النووي بعمليات نوعية، يشير بوضوح إلى أنّ إسرائيل قرّرت الانتقال من مواجهة أذرع إيران في المنطقة إلى مواجهة إيران مباشرة. الحشد العسكري الأميركي في البحر المتوسط، وفي المنطقة وإرسال تهديدات مباشرة لطهران أو عبر وسطاء، مؤشّر واضح أنّ واشنطن اقتربت من موقف إسرائيل بأنّ الوقت قد حان لمواجهة إيران مباشرة، خصوصاً أنّ طهران أصبحت دولة “عتبة” نووية واقتربت من الخط الأحمر الأميريكي، وهذا ما يفسر تردّد إيران في ضرب إسرائيل انتقاماً لاغتيال هنيّة واستباحة السيادة الإيرانية. ولكن لا يزال غير واضح إذا ما كانت واشنطن مستعدّة لنقل الصراع إلى طهران، إذا قامت إيران بضرب إسرائيل فقط أو أنّ ذلك سينسحب على معاقبة إيران أيضاً ردّاً على تصرفات أذرعها كما ترغب إسرائيل.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الأميركيّة: دعم إسرائيل والكلفة السياسية الباهظة
في المقابل تريّث الحزب بالانتقام لاغتيال قائده العسكري، قد يكون استجابة لرغبة إيران التي لا يزال رئيسها المنتخب في صدد تقييم التهديدات الأميركية الجديدة. في حال قام الحزب بردّ انتقامي “غير شكليّ” كما توّعد أمينه العام، فإنّ إسرائيل سيكون له ردّاً قاسياً جداً ضدّ الحزب ما قد يضعف الحزب، ويحرم إيران من ورقة ردّعية أساسية في حال تعرّضت منشآتها النووية لعملية عسكرية إسرائيلية بمساندة أميركية.
لمتابعة الكاتب على X: