هل تكون تجزئة ردود محور الممانعة أحد المخارج لانتقام إيران وحلفائها من الضربات المتتالية والاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل؟ وهل تأخذ طهران بنصيحة عدم الردّ من كلّ الجبهات دفعة واحدة، حتى لا تؤدّي ردّة الفعل الإسرائيلية إلى حرب شاملة؟
هل طهران قادرة على تحمّل ثمن الحرب التي يمكن أن يتسبّب بها ردّها أم تتّجه للحدّ من الخسائر؟
لا يملك أيّ من المعنيين جواباً واضحاً سوى أنّ المرحلة الجديدة ستأتي بمزيد من الآلام. هذا ما دفع سياسياً لبنانياً يمارس الطبّ الجراحيّ إلى القول: “صار لازماً علينا أن نستخدم البنج العمومي”.
أقصى ما أمكن للمسؤولين اللبنانيين الرسميين فعله لتفادي الانعكاسات الكارثية للمواجهة المتعدّدة الجبهات التي تلوح في الأفق هو النصح. وإذا كانت “النصيحة بـ(قيمة) جَمَل”، وفق المثل العربي القديم، فإنّها جاءت نتيجة العجز عن التأثير في الأحداث. النصيحة هي بالامتناع عن الردّ على اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر من كلّ الجبهات دفعة واحدة. ويقضي ذلك بتوزيع الردود من إيران، ولبنان، واليمن والعراق، على دفعات متباعدة قدر الإمكان، بحيث لا تكون جماعية ومتزامنة.
ليس لدى الحكومة “سوى لساننا”
ابتدع المسؤولون اللبنانيون الحكوميون النصيحة التي أبلغوها للحزب وإيران، بالاستناد إلى الآتي:
– ليست في يد الحكومة اللبنانية المهيضة الجناح، والتي تصرّف الأعمال، أيّ ورقة قوّة لتؤثّر في مجريات التطوّرات العسكرية. قال أحد المسؤولين لـ”أساس” إنّه “ليس لدينا سوى لساننا نعبّر به عن بعض الأفكار فننقلها للقوى الفاعلة”.
– على قلّة حيلة الدولة اللبنانية، فإنّ عليها أن تتبع قاعدة الاختيار بين السيّئ والأسوأ، أي تخفيف أضرار المواجهة العسكرية عن البلد قدر الإمكان.
– إنّ تجزئة الردّ تساهم في إحباط هدف بنيامين نتنياهو المتمثّل في توسيع الحرب بجرّ أميركا إليها إذا كانت ستشمل جبهات عدّة. فها هي تعلن أنّها ستدافع عن إسرائيل. وفي حال الردّ الجماعي من كلّ الجبهات سيكون ذلك إعلاناً من قبل محور الممانعة للحرب الشاملة.
حلفاء طهران ينتظرون ما ستقرّره، في وقت تتطاير الرسائل بينها وبين الولايات المتحدة كالعادة
– يعتقد المسؤولين اللبنانيين أنّ نتنياهو استغلّ حادثة بلدة مجدل شمس السورية الغامضة. استفاد من اتّهام الحزب بقتل الأطفال الـ12 في 27 تموز الماضي من أجل تبرير قصف الضاحية الجنوبية لاغتيال فؤاد شكر.
– المعطيات لدى مسؤولين حكوميين، من مصادر أوروبية ودولية، أخذت تتوالى عن أنّ الأطفال لم يقتلوا نتيجة قذيفة صاروخية، بل رجّحت صحّة الرواية القائلة بتفجير الدفاعات الإسرائيلية لصاروخ في الجوّ أطلقه الحزب على هدف عسكري، وصادف أن حدث ذلك فوق الملعب فأصابت شظاياه هؤلاء الأطفال، حسب الرواية المنقولة عن تلك المصادر. يكرّر المسؤول السؤال عن سبب عدم إظهار إسرائيل صوراً لوجود حفرة في الملعب إذا كان سقط فيه صاروخ أطلقه الحزب؟ يستدلّ المسؤول من هذه الرواية لدعم استنتاجه بأنّ نتنياهو استغلّ الغموض حجّة لافتعال توسيع الحرب وجرّ أميركا إليها. ولذلك قصف الضاحية الجنوبية لاغتيال شكر.
اغتيال مشروعَي بايدن وبزشكيان
قراءة المسؤول اللبناني لنتائج التصعيد الأخير التي يريد نتنياهو الإفادة منها لتوفير أرضيّة لتوسيع الحرب، تتحدّث عن الآتي:
1- اغتيال إسماعيل هنية أفشل مشروع الرئيس جو بايدن لوقف النار في غزة. فهو المفاوض من حماس. وحتى يتمّ تعيين بديل عنه سيأخذ الأمر وقتاً. تؤيّد ذلك الوقائع المسرّبة عن غضب بايدن من نتنياهو لأنّه يخدعه، ولم يبلغه بالاغتيالات. واستطراداً تضرب نتائج التصعيد توجّهات الحزب الديمقراطي لوقف الحرب.
2- الضحيّة الأولى سياسياً للتصعيد هو الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان ومشروعه القائم على الانفتاح على الغرب والحوار. فهو تسلّم مهمّاته في 30 تموز، في ظلّ وضع متفجّر لا يسمح بتعميق الحوار.
3- يتلاءم احتمال توسّع الحرب وتوريط أميركا فيها، مع طموح نتنياهو لتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، على الرغم من استبعاد مراقبين كثر ذلك.
يتلاءم احتمال توسّع الحرب وتوريط أميركا فيها، مع طموح نتنياهو لتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، على الرغم من استبعاد مراقبين كثر ذلك
موقف ولا جواب
في كلّ الأحوال، لم تأتِ النصيحة اللبنانية الرسمية بتجزئة ردّ محور الممانعة من فراغ، حسب بعض الأوساط المتابعة. وبالتالي لم يتمّ اقتراحه دون الأخذ في الاعتبار الجهود الغربية عموماً لخفض التصعيد. لم يحصل المسؤولون اللبنانيون على جواب من إيران أو الحزب على النصيحة. لكنّ الموقف الذي تبلّغه من طرحوا الأمر منهما، كما بات معروفاً، شدّد على الآتي:
– لا نريد توسيع الحرب.
– سنردّ في كلّ الأحوال.
– إذا كانت من جهود لخفض التصعيد فعلى الأميركيين وغيرهم أن يطلبوا من إسرائيل أن تستوعب الردّ ولا توسّع الحرب.
التحقيق بالاختراق يتقدّم على الرّدّ؟
في المقابل سجّل المتابعون لموقف طهران مؤشّرات إلى إمكان تقاطعها مع نصيحة تجزئة الردّ:
– على الرغم من مواصلة طهران أسلوب الاعتداد بالنفس والتهديد، لم يغب احتمال التمهّل في الانتقام، بانتظار مخارج “لإدارة” التصعيد. فالقيادة الإيرانية لا تملك ثمن حرب شاملة في ظلّ الخلل في ميزان القوى العسكري بينها وبين إسرائيل وأميركا، على الرغم من قدرتها على الإيذاء. فهي تدرك أنّ القيادة الإسرائيلية الحالية تنتظر الظرف المناسب لإحداث ضرر كبير بالدولة الإيرانية وبنيتها التحتيّة.
– تفاعلات التحقيق في الاختراق الأمنيّ الكبير الذي أدّى إلى اغتيال هنية باتت تتقدّم على الاغتيال ومسألة الردّ. البعض راهن على تأخّر العملية العسكرية الإيرانية في انتظار جلاء التحقيق.
تجزئة الردّ تساهم في إحباط هدف بنيامين نتنياهو المتمثّل في توسيع الحرب بجرّ أميركا إليها إذا كانت ستشمل جبهات عدّة
الحزب “يبحث” عن ردّ وينتظر طهران
صحيح أنّ الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله تحدّث الخميس الماضي عن دخول مرحلة جديدة و”معركة مفتوحة على كلّ جبهات الإسناد”، لكنّه قال أيضاً إنّه “يتوقّف تصاعدها على سلوك العدوّ”، مستخدماً عبارات من نوع “نحن نبحث” عن ردّ لا يكون شكليّاً، وإنّ العدوّ “يجب أن ينتظر غضب الشرفاء”. وهو تقصّد إبقاء الموقف من النصيحة التي نقلها مسؤولون لبنانيون غامضاً إذ قال إنّ “الإبقاء على الردّ متزامناً أو متفرّقاً” يقلق العدوّ… أوحى كلامه بأنّ طلب الحكومة تجزئة الردود بين الجبهات الأربع إيران، العراق، اليمن ولبنان قيد البحث. لكن لا بدّ من تفاوض على الثمن!!!
إقرأ أيضاً: كيف تلائم طهران استرداد الهيبة مع منع (توسّع) الحرب؟
هذا يعني أنّ حلفاء طهران ينتظرون ما ستقرّره، في وقت تتطاير الرسائل بينها وبين الولايات المتحدة كالعادة. كانت لافتة الرسالة التي نقلها علناً نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أول من أمس الأحد. وقد أوفده الملك عبد الله الثاني إلى طهران على عجل، فأيّ ضربة صاروخية إيرانية لإسرائيل تعني عبور الصواريخ الأجواء الأردنية، وهذا يرتّب تدخّلاً أميركياً لإسقاطها في أجواء الأردن.
لمتابعة الكاتب على X: