تفاصيل الردّ الإيراني على اغتيال هنيّة

مدة القراءة 6 د

كيف ستردّ إيران على استهداف “شرفها وكرامتها”، في قلب عاصمتها؟

 

أنهى قسم التحقيقات في قوات الحرس الثوري الإيراني تجميع خيوط عملية الاغتيال التي تعرّض لها ضيف الحرس والنظام الايراني الخاصّ، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية فجر يوم الخميس الماضي. وأكّد في البيان الثالث الصادر عن “الحرس الثوري” أنّ عملية الاغتيال تمّت من خلال إطلاق صاروخ من مسافة تبعد نحو 1.5 كليومتراً، باتجاه الجناح الذي ينزل به هنية. وذلك في مبنى الضيافة الخاص بمتقاعدي قوات الحرس، بالقرب من مجمّع القصور الرئاسية في سعد آباد شمال العاصمة طهران.

بيان الحرس الثوري ترك الباب مفتوحاً حول التكهن بالآلية التي تمت بها عملية اطلاق الصاروخ. فهل تمت مباشرة عبر فرد استخدم قاعدة إطلاق متحركة ومحمولة على الكتف؟ أم جرت عبر استخدام طائرة مسيّرة من نوع سداسي المراوح؟

يبقى أنّ كلا الاحتمالين يؤكدان أنّ العناصر المنفّذة قامت بالعملية من داخل العاصمة. وهي إما عناصر تابعة مباشرة لجهاز الموساد الإسرائيلي أي عناصر دخلت إيران لتنفيذ هذه المهمة، وإما عملاء إيرانيين يعملون لصالح هذا الجهاز.

استهداف الكرامة والشرف الإيرانيين

هذه العملية لا يمكن اعتبارها مماثلة لعملية استهداف القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مطلع نيسان الماضي، وتوصيفها بأنّها “ضرب للسيادة الإيرانية”. فعملية اغتيال هنية في قلب العاصمة طهران هي استهداف للأمن القومي، والكرامة والشرف الإيرانيين. والرسائل التي تحملها، تعني كلّ القيادات الايرانية بمختلف مستوياتها. وتقول إنّها باتت داخل دائرة الاستهداف الإسرائيلي ومعرّضة في أيّ لحظة لعملية اغتيال.

الردّ

بالإضافة إلى هذه الرسالة التي تعتبر الأخطر، فإنّها تكشف أيضاً فشل أجهزة النظام الأمنية في معالجة الثغرات الأمنية والاختراقات الكثيرة والكبيرة التي تعاني منها هذه الأجهزة. والتي سمحت في السابق للموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكية بالوصول إلى الكثير من أهدافها داخل إيران. خصوصاً تلك المرتبطة بالبرنامج النووي ووثائقه السرية والعلماء والعاملين فيه.

بالتالي فإنّ التحدي الذي أنتجته عملية اغتيال هنية، وضعت النظام الإيراني ومؤسسته العسكرية أمام حتمية الردّ عليها.

مواقف كثيرة تخرج عن ناشطين سياسيين ايرانيين، تتحدث عن الأهداف التي يمكن أن تضربها الصواريخ الإيرانية

الردّ هذه المرّة أقوى وأكبر

كان الردّ على عملية دمشق واستهداف القنصلية “فرض عين”، وحتّم عدم الاكتفاء بأيّ ردّ من جانب الحلفاء في الإقليم. وهو ما ترجمته عملية “الوعد الصادق” التي أطلقت بموجبها قوات “الجوفضاء” في الحرس الثوري نحو 300 طائرة مسيّرة وصاروخ باليستي وكروز باتجاه الأراضي المحتلة. إلا أنّ الردّ على اغتيال هنية يفرض ارتفاعاً في مستوى وحجم القدرة النارية التي ستستخدمها طهران.

تحرص قيادة الحرس الثوري على إبقاء طبيعة الردّ والأسلحة التي ستستخدمها في هذه العملية في أجواء من الإبهام والغموض. والتأكيد الوحيد الذي تقدّمه في هذا الإطار يدور حول كثافة القوّة النارية التي ستنهال على إسرائيل. تلك التي ستوفرها نوعياتٌ جديدة من الصواريخ والمسيّرات قد تدخل الخدمة للمرّة الأولى.

بعض المعلومات من إيران تشير إلى أنّ الحرس الثوري قد فتح أبواب مخازن الصواريخ، وبدأ بتحريكها إلى النقاط الحدودية ومراكز وحقول الإطلاق. بانتظار الانتهاء من تنسيق خطط الردّ مع الحلفاء في الإقليم. خصوصاً في لبنان واليمن. تلك التي تسمح بتحديد ساعة الصفر لانطلاق عملية الردّ.

قصف رئاسة وزراء إسرائيل.. وتحرير الجولان

مواقف كثيرة تخرج عن ناشطين سياسيين إيرانيين، تتحدث عن الأهداف التي يمكن أن تضربها الصواريخ الإيرانية. تبدأ من مقرّ رئاسة الوزراء إلى مقرّ قيادة الأركان، إلى المناطق الحيوية النفطية والكهربائية في محيط مدينة حيفا وأطراف تل ابيب. بالإضافة إلى القواعد العسكرية الاستراتيجية في شمال فلسطين المحتلّة وجنوبها والجولان السوري المحتلّ. بهدف تعطيل سلاح الجوّ ومنعه من القيام بعمليات ردّ على الردّ.

إلا أنّ كلاماً مختلفاً صدر عن النائب السابق علي مطهري، المحسوب على التيار المحافظ المعتدل. إذ قال إنّ الردّ الأنسب على عملية الاغتيال يكون بالهجوم البرّي واستعادة مرتفعات الجولان وتحريرها. إلا أنّ هذا الأمر يتطلّب أن تقوم إيران ومعها الحلفاء بحشد قوّات بريّة في المناطق المحاذية للجولان داخل الأراضي السورية واللبنانية.

تحرص قيادة الحرس الثوري على إبقاء طبيعة الردّ والأسلحة التي ستستخدمها في هذه العملية في أجواء من الإبهام والغموض

حكاية الـ7 دقائق… حقيقية

لكنّ الثابت الأساس الذي يشكّل الخيار الأنسب للردّ الإيراني، هو استخدام أنواع جديدة من الصواريخ “الفرط صوتية”، القادرة على قطع المسافة بين الحدود الإيرانية والداخل الفلسطيني خلال مدّة تتراوح بين 7 إلى 11 دقيقة. وذلك بحسب نوعية الصاروخ “الفرط صوتي” المستخدم، والتي تترواح سرعته بين 5 أضعاف سرعة الصوت و9 أضعاف سرعة الصوت.

وكانت عملية الوعد الصادق الأولى، ردّاً على استهداف القنصلية في سوريا، شهدت استخداماً محدوداً للصواريخ “الفرط صوتية”، بمعدّل 5 صواريخ فقط. استطاعت الوصول إلى أهدافها في الجولان والقاعدة العسكرية لطائرات أف 35 وأف 16 في صحراء النقب جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

أما الردّ الإيراني هذه المرة فسيكون أكثر تعقيداً. فهو بالإضافة إلى استخدام صواريخ باليستية وكروز ومسيّرات انقضاضية، تعتمد فعاليته هذه المرّة على مشاركة الجبهة اللبنانية التي يقودها الحزب، المعني أيضاً بالردّ. وذلك بسبب خسارته القاسية باغتيال قائد الجهاز العسكري وعضو المجلس الجهادي “السيد محسن”: فؤاد شكر.

لبنان – اليمن – العراق – إيران

هذه المشاركة ستعتمد بالدرجة الأولى على تنسيق التوقيت في إطلاق الصواريخ الإيرانية واليمنية.، بحيث تبدأ عملية الإلهاء الواسعة بالصواريخ التقليدية. ما سيشوّش على نظام القبّة الحديدية المكلّفة بإسقاط الصواريخ. وما سيلهي منظومة الدفاع الجوّي الإسرائيلية التي تضم أنظمة “حيتس” و”مقلاع داوود”، إلى جانب منظومتي “باتريوت” و”ثاد” الأميركيتين. الأمر الذي يضمن وصول العدد الأكبر الصواريخ والمسيّرات الإيرانية إلى أهدافها.

كان الردّ على عملية دمشق واستهداف القنصلية “فرض عين”، وحتّم عدم الاكتفاء بأيّ ردّ من جانب الحلفاء في الإقليم

مهما كانت طبيعية ردّ إيران والمحور الذي تقوده طهران ومستوى الأهداف التي سيطالها، فإن هذا الحلف يسعى لخوض معركة لا تؤدّي إلى إشعال حرب موسّعة قد تشعل المنطقة وتضعه في دائرة المجهول.

إقرأ أيضاً: كيف تلائم طهران استرداد الهيبة مع منع (توسّع) الحرب؟

بل وتسعى طهران من هذا الردّ الحفاظ على قواعد الاشتباك التي أرستها بعد الردّ على استهداف قنصليتها. وتهدف إلى إفراغ ما اعتبرته تل ابيب “انتصاراً” حقّقته من عملية الاغتيال المزدوجة لهنية في طهران وشكر في ضاحية بيروت الجنوبية، من مضمونه. وبالتالي فرض نفسها كقوّة ردع في مواجهة تل أبيب وإجبارها على التنازل والذهاب إلى وقف إطلاق نار لحربها على قطاع غزّة.

 

مواضيع ذات صلة

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…

هل يستمع الأسد إلى النّصائح العربيّة؟

هجوم 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب على حلب، الذي أثبت ضعف نظام الأسد وتهالُكه، يعني أن لا حلّ في الأمد المنظور للحرب السورية الداخلية…

إسرائيل وتركيا وروسيا تستعدّ لـ”عاصفة ترامب”؟

تتسارع الأحداث مع اقتراب 20 كانون الثاني، يوم تنصيب دونالد ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة. وبدأت بعض الدول تتموضع في محاولة لتثبيت وقائع على الأرض،…

إيران والترويكا: حوار الوقت الضّائع

كان لافتاً القرار الإيراني بالذهاب إلى عقد جلسة حوار مع الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في العاصمة السويسرية جنيف، على الرغم من الموقف التصعيدي الذي…