مع اقتراب موعد “تنفيذ” نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية وموافقة المرشد الأعلى بصفته قائداً للثورة ووليّاً للفقيه على الخيار الشعبي في اختيار مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية المقرّر يوم الإثنين 29 تموز، الذي يسبق أداء الرئيس اليمين الدستورية أمام البرلمان في اليوم التالي 30 تموز. خاض ويخوض الرئيس المنتخب سلسلة من الاختبارات تتعلّق بطبيعة العلاقة التي ستربطه بالمرشد ومكتبه.
على الرغم من الدعم الكبير والعلنيّ الذي حظي به بزشكيان من المرشد الأعلى، والحالة الاحتفالية في الاستقبالات التي أجراها مع القيادات السياسية والأمنيّة والعسكرية، غير المسبوقة في نوعيّتها، أعطت انطباعاً لدى كلّ القوى والناشطين السياسيين، بأنّ التوجّه العام لدى المرشد هو تشكيل مظلّة حماية للرئيس الجديد أمام ما قد يتعرّض له من مساعٍ لعرقلة عمله وتعطيل الحكومة والكيدية والمماحكة السياسية التي قد يمارسها البعض، خاصة القوى التي خسرت الرهان بالوصول إلى قيادة السلطة التنفيذية.
الزيارات المتكرّرة لعلي ولايتي كبير مستشاري المرشد الأعلى للشؤون السياسية، بالإضافة إلى كبار مسؤولي مكتب المرشد وقائد وأركان قوات حرس الثورة الإسلامية، تحمل الكثير من الرسائل حرص المرشد على أن يشكّل الرئيس المنتخب نقطة توازن بين القوى السياسية وأن لا ينزلق مع القوى المتطرّفة من الإصلاحيين، الأمر الذي يساعد المرشد على التصدّي أو الحدّ من اندفاعة القوى المتطرّفة من المحافظين في سياسة العرقلة والتخريب، خاصة جماعة جبهة ثابتون “بايداريها” الذين أصيب مشروعهم بانتكاسة قاسية مع خسارة سعيد جليلي سباق الوصول إلى السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية.
لا تقتصر لعبة الالتفاف على المحاصرة بين المرشد والرئيس على الأسماء المرشّحة لتولّي الوزارات السيادية، بل تتّسع لتشمل موقع النائب الأوّل للرئيس
هذه الجماعة بقيادة جليلي سبق أن شكّلت في عهد الرئيسين الأسبق حسن روحاني والسابق إبراهيم رئيسي ما يعرف بـ”حكومة الظلّ”، وتولّت مهمّة التخريب على روحاني، وسعت إلى توسيع نفوذها وتعزيز قدراتها الماليّة في ظلّ رئاسة رئيسي، وهي الآن تستعدّ للعب دور المعرقل لحكومة الرئيس الجديد بزشكيان، متسلّحة بثلاثة عشر مليون صوت (13 مليون) حصل عليها جليلي في السباق الرئاسي. وهو الأمر الذي يبدو أنّه يشكّل مصدر قلق للمرشد الأعلى الذي يحاول لجم هذه التوجّهات وإعطاء الرئيس الجديد فرصة العمل على إنقاذ البلاد اقتصادياً وسياسياً، وإعادة الحدّ الأدنى من الوحدة والانسجام الوطني وترميم العلاقة بين النظام والقواعد الشعبية.
أسماء الوزراء الاختبار الأوّل
ربّما الاختبار الأبرز الذي يواجهه الرئيس الجديد في علاقته مع المرشد يتمحور في هذه المرحلة حول الأسماء المرشّحة لتولّي المواقع الوزارية والحكومية، وبالتالي فريق عمل الرئيس في إدارة السلطة التنفيذية. وفي هذا الإطار، ومن ضمن الزيارات واللقاءات المتكرّرة التي تحصل بين المرشد والرئيس، كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها بزشكيان وحمل معه مجموعة من الأسماء المقترحة لتولّي الوزارات “السيادية” أو بتعبير أدقّ الوزارات التي تقع في دائرة اهتمامات المرشد مباشرة، والتي بات العرف السياسي يضعها في دائرة صلاحياته.
حمل الرئيس إلى المرشد أسماء المرشّحين لتولّي وزارات الخارجية والداخلية والأمن والثقافة والإرشاد على الشكل التالي: عباس عراقتشي لوزارة الخارجية، الشيخ مجيد أنصاري المحسوب على القوى الإصلاحية والذي تربطه علاقة وطيدة بالمرشد الأعلى لوزارة الداخلية، مصطفى بور محمدي المرشّح السابق للانتخابات الرئاسية لإحدى الوزارتين الأمن أو العدل، نظراً لتجربته السابقة في هذين الموقعين، بالإضافة إلى رئاسته لمجلس جماعة علماء الدين المجاهدين المحافظ الذي كان المرشد أحد مؤسّسيه وأعضائه ويعتبر الذراع الدينية للتيار المحافظ.
عمد المرشد خلال اللقاء، الذي جمعه مع أعضاء البرلمان الجديد وشارك فيه بزشكيان بصفتَيه البرلمانية والرئاسية، إلى إعادة التأكيد على سقوف النظام
أمّا مرشّح وزارة الإرشاد فإنّ الترجيحات تراوح بين أحمد مسجد جامعي الوزير الأسبق للإرشاد في عهد الرئيس محمد خاتمي، وحسين انتظامي المعتدل والمقرّب من الرئيس الأسبق للبرلمان علي لاريجاني. وهي أسماء يمكن اعتبارها حصيلة المداولات التي أجراها مجلس قيادة المرحلة الانتقالية الذي شكّله بزشكيان بقيادة وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف.
على الرغم من الموقف الواضح للمرشد الأعلى برغبته في إنجاح الرئيس الجديد، إلا أنّه في المقابل يبدو من الصعب أن يتخلّى عن مخاوفه ومحاذيره من انفلات الأمور وخروجها عن إرادته أو قدرته على السيطرة على مساراتها، ولذلك عمد خلال اللقاء، الذي جمعه مع أعضاء البرلمان الجديد وشارك فيه بزشكيان بصفتَيه البرلمانية والرئاسية، إلى إعادة التأكيد على سقوف النظام التي يجب أن يلتزم بها الرئيس الجديد في تطبيق شعاراته السياسية، وتحديداً في جهوده لإعادة إحياء الاتفاق النووي وإنهاء العقوبات الاقتصادية، عندما أعاد التأكيد على أهمّية واستراتيجيّة القانون الذي أقرّه البرلمان السابق أواخر عام 2020 والذي حمل اسم “استراتيجية إيران لإنهاء العقوبات الاقتصادية”.
التوجّه العام لدى المرشد هو تشكيل مظلّة حماية للرئيس الجديد أمام ما قد يتعرّض له من مساعٍ لعرقلة عمله وتعطيل الحكومة والكيدية
لا حوار مباشراً مع الولايات المتّحدة
عودة المرشد للتأكيد على هذا القانون وأهمّيته تعني تحديد الأطر التي يجب على الرئيس العمل ضمنها، وأنّ عليه كبح جماح الدعوات المطالبة بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة على جميع المستويات، وأن لا تقتصر على الجانب النووي والعقوبات. ويهدف رسم المرشد لهذا الهامش لإيصال رسالة للرئيس وفريقه بأنّ المسارات والسياسات الاستراتيجية لا بدّ أن تصدر عن المرشد وأن يوافق على أيّ خطوة أو إجراء أو تطوّر قد يحصل على هذا الصعيد. وبالتالي فإنّ مهمّة الرئيس هي العمل تحت سقف هذا القانون، وسيحصل على الدعم المطلوب الذي يخدم مسألة إنهاء العقوبات وحلّ أزمة البرنامج النووي بالشروط الإيرانية.
إقرأ أيضاً: بزشكيان بين طموح الانفتاح وقيود النّظام
لاريجاني نائب الرئيس..
لا تقتصر لعبة الالتفاف على المحاصرة بين المرشد والرئيس على الأسماء المرشّحة لتولّي الوزارات السيادية، بل تتّسع لتشمل موقع النائب الأوّل للرئيس الذي يلعب دوراً دستورياً مشابهاً لموقع رئيس مجلس الوزراء في النظام الرئاسي، ومن المتوقّع أن يدفع المرشد لتسمية علي لاريجاني لهذا الموقع، أوّلاً لاسترضاء الأخير الذي تعرّض لحملة تشويه قاسية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الظلم الذي مورس بحقّه نتيجة رفض مجلس صيانة الدستور لأهليّته للترشّح للانتخابات الرئاسية في الدورتين الحالية والسابقة. وثانياً من أجل لعب دور الضابط لاندفاعة بزشكيان في سياساته وقطع الطريق على وقوعه في حضن القوى الإصلاحية المتطرّفة التي يرفضها المرشد لموقفها المتناقض مع مشروع النظام والسلطة السياسية والدينية التي يحملها.