الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان مقالة يصف فيها اللحظة الحاليّة بأنّها حاسمة، إذ ستكشف ما “إذا كان نتنياهو الذي قدّم باستمرار مصالحه الشخصية على مصالح بلاده للوصول إلى السلطة سيكون قادراً على الارتقاء إلى مستوى صورته الذاتية العظيمة التي رسمها لنفسه، أم سيكون مجرّد “زعيم صغير في لحظة تاريخية”.
في رأي فريدمان بمقالته بصحيفة “نيويورك تايمز” أنّ اليوم “الفرصة الأكثر أهمّية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط منذ اتفاقيات كامب ديفيد في السبعينيات… حيث أدّت الجهود والرحلات المتكرّرة لبايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، إلى أن يصبح أمام نتنياهو قراران كبيران متشابكان يمكنهما أن يوقفا القتال في غزة، ولبنان، ويضعا الأساس لتحالف أميركي عربي إسرائيلي جديد ضدّ إيران ويوفّرا لبايدن إرثاً ضخماً في السياسة الخارجية، ويغيّرا إرث نتنياهو في الوقت نفسه.
القرار الأوّل، بحسب فريدمان، يتطلّب موافقة نتنياهو الآن على اتفاق وقف إطلاق النار المرحلي الذي توصّل إليه مبدئياً المفاوضون الأميركيون والإسرائيليون والقطريون والمصريون وحماس، والذي من شأنه أن يؤدّي، في المرحلة الأولى، إلى توقّف القتال في غزة لمدّة ستّة أسابيع وإعادة 33 رهينة إسرائيلية مقابل عدّة مئات من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وقد ركّز نتنياهو على ثلاث قضايا أمنيّة:
– الأولى هي حركة المدنيين في غزة من جنوب غزة، حيث لجأوا، إلى شمال مدينة غزة، حيث يقيم العديد منهم. كان نتنياهو يسعى إلى إنشاء نوع من نظام التفتيش لمنع أعضاء حماس المسلّحين من العودة إلى الشمال، لكن مع وجود عشرات الآلاف من الأشخاص الذين سينتقلون، يعلم الجيش الإسرائيلي أنّه سيكون من المستحيل منع بضع مئات من مقاتلي حماس من العودة إلى الشمال، ويعتقد أنّه يمكنه التعامل معهم لاحقاً.
في رأي فريدمان أنّ “حماس، بغضّ النظر عن تحفّظاتها المستمرّة، تريد التوصّل إلى اتفاق الآن أيضاً
– المسألة الثانية هي السيطرة على الحدود بين غزة ومصر، حيث قامت حماس ببناء الأنفاق وطرق تهريب الأسلحة. وفقاً لأحد المصادر، يعتقد الجيش الإسرائيلي أنّه حدّد أو دمّر معظم الأنفاق وأنّ إسرائيل ومصر يمكنهما ضمان عدم مرور أحد فوق الأرض في الوقت الحالي، ويمكنهما بناء حاجز دائم مع مرور الوقت.
– القضية الأخيرة هي معبر رفح من مصر إلى غزة، الذي تؤكّد إسرائيل أنّه لا ينبغي لحماس أن تسيطر عليه مرّة أخرى وتصرّ على بعض المراقبة من قبل المفتّشين، بالشراكة مع الفلسطينيين من غير حماس وبعض الأطراف الدولية.
وفقاً لما قاله مسؤولون أمنيّون إسرائيليون وأميركيون لفريدمان “فإنّ أيّاً من هذه القضايا لا ينبغي أن تكون بمنزلة عقبة أمام الاتفاقية، إلا إذا كان نتنياهو يريد تأجيج إحداها للانسحاب من الاتفاقية، حتى لو كانت تحظى بدعم كبار قادة الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الاستخباريين”. ويشير في هذا الصدد إلى قول العقيد المتقاعد ليئور لوتان، خبير الرهائن والمستشار المقرّب لوزير الدفاع يوآف غالانت، للقناة 12 الإخبارية الإسرائيلية يوم الجمعة: “الآن هناك فرصة فريدة في المفاوضات، لكنّ مثل هذه الفرص تمرّ إذا لم يتمّ استغلالها. تتضمّن شروط الصفقة مخاطر يمكن لمؤسّسة الدفاع أن تتحمّلها. هذا ما يقوله كلّ رؤساء الأجهزة الأمنيّة. ومن الخطأ مواجهتهم بافتراض أنّ من الممكن الحصول على المزيد من خلال المزيد من الضغط العسكري”.
حماس تسعى لاتّفاق
في رأي فريدمان أنّ “حماس، بغضّ النظر عن تحفّظاتها المستمرّة، تريد التوصّل إلى اتفاق الآن أيضاً. لقد تضاءلت شعبيّتها بشكل مطّرد في غزة لأنّها بدأت حرباً دون خطة للصباح التالي وبدون حماية للمدنيين الفلسطينيين. ولا نعرف من سيحاول قتل زعيم حماس يحيى السنوار أوّلاً، عندما يخرج من مخبئه، الجيش الإسرائيلي أم المدنيون في غزة.
سنكتشف قريباً جداً ما إذا كان نتنياهو قادراً على الارتقاء إلى مستوى صورته الذاتية العظيمة التي رسمها لنفسه
يؤكّد أنّ “هناك فائدة ضخمة أخرى لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وهي أنّه قد يمهّد الطريق لوقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل، حتى يتمكّن عشرات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية من العودة إلى ديارهم. وبالنظر إلى الاستخدام المتزايد للصواريخ الدقيقة من قبل إسرائيل والحزب، يعتقد مسؤولو الدفاع الأميركيون الآن أنّ الخطر الأكبر على الشرق الأوسط هو اتّساع نطاق الحرب بين إسرائيل والحزب”.
أمّا القرار الكبير الثاني لنتنياهو فيتعلّق بحسب فريدمان بالتحالف الدفاعي الأميركي السعودي الذي عمل فريق بايدن على وضع جميع تفاصيله تقريباً والذي سيشمل أيضاً تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشرط أن يوافق نتنياهو على الشروع في مفاوضات من أجل حلّ الدولتين. ويشير فريدمان إلى أنّ “السعوديين لا يطالبون بموعد نهائي صارم لإقامة دولة فلسطينية. لكنّهم يطالبون بأن توافق إسرائيل على بدء مفاوضات ذات مصداقية ونيّة حسنة وهدف واضح يتمثّل في حلّ الدولتين، مع ضمانات أمنيّة متبادلة. ومثل هذه المفاوضات، بالتزامن مع وقف إطلاق النار على جبهتي غزة ولبنان، ستشكّل انقلاباً دبلوماسياً، وتعزل إيران وحماس.
كما أنّ من شأن تطبيع العلاقات بين الدولة اليهودية ومهد الإسلام أن يمنح إسرائيل الغطاء لحشد الدعم الفلسطيني والعربي لقوات حفظ السلام في غزة والتأسيس لتحالف دفاعي إقليمي أكثر رسمية مع الشركاء العرب ضدّ إيران. وأخيراً، والأهمّ من ذلك، يمكن أن يخلق مساراً طويل الأجل لدولة فلسطينية بمجرّد انتهاء القتال في غزة وفهم جميع الأطراف الدرس الأكثر أهمّية من هذه الحرب، وهو أنّه لا يمكن لأيّ من الأطراف تحمّل تكلفة حرب أخرى عندما يحصل الجميع على أسلحة دقيقة”.
القرار الكبير الثاني لنتنياهو فيتعلّق بحسب فريدمان بالتحالف الدفاعي الأميركي السعودي الذي عمل فريق بايدن على وضع جميع تفاصيله تقريباً
اتّفاقيّات جوزف بديلاً لاتّفاقيّات أبراهام
كما قال ديفيد ماكوفسكي، مدير مشروع العلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن، لفريدمان فإنّ “نتنياهو بقوله نعم للقرارين بشأن صفقة الرهائن مقابل وقف إطلاق النار الآن وبشأن شروط التطبيع السعودية التي من شأنها إنهاء حرب الدول العربية مع إسرائيل وتعزيز التحالف الإقليمي لعزل إيران، سيحقّق فوزاً لإسرائيل ولشريكه الرئيس بايدن”.
إقرأ أيضاً: فورين أفيرز: “حماس” لن تُهزم في غزة
غير أنّ هذا الأمر بالنسبة لفريدمان سيؤدّي إلى أن تحلّ “اتفاقيات جوزف” (بايدن) محلّ اتفاقيات أبراهام، وسيتحقّق إرثان لزعيمين: بايدن ونتنياهو. لذا سيكون من المفارقة المريرة والمأساوية أن يفوّت نتنياهو، الذي يعتبر نفسه مفكّراً استراتيجياً، هذه اللحظة بسبب السياسة الداخلية الإسرائيلية والخوف من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرّف. وفي الواقع سنكتشف قريباً جداً ما إذا كان نتنياهو قادراً على الارتقاء إلى مستوى صورته الذاتية العظيمة التي رسمها لنفسه، أم أنّه، كما كتب الكاتب ليون فيسلتييه، مجرّد “رجل صغير في عصر عظيم”.. ومع اقتراب تعليق الكنيست الإسرائيلي لجلساته من 28 تموز إلى 27 تشرين الأول، يستطيع نتنياهو أن يوافق على صفقات غزة والسعودية دون خوف من الإطاحة بحكومته. لذا العالم ينتظر، والرهائن ينتظرون، وبايدن ينتظر، والفلسطينيون ينتظرون، والسعوديون ينتظرون، والإسرائيليون ينتظرون. فهل يكون بيبي، مرّة أخرى، مجرّد زعيم صغير في لحظة تاريخية أم يفاجئ الجميع ويصبح رجلاً كبيراً في لحظة تاريخية كبيرة؟
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا