قوّات عربيّة إلى غزّة على طاولة البحث

مدة القراءة 7 د

تناقش عواصم القرار بضبابية وهدوء خطّةً لإرسال قوات عربية متعدّدة الجنسيّات إلى غزّة للمشاركة في إدارة القطاع بعد الحرب. ويكشف النقاش تقدّماً في المداولات التي تجري بشأن التحضيرات لِما يطلق عليه “اليوم التالي”. وعلى الرغم ممّا هو معلن من العواصم العربية من رفض للفكرة أو تحفّظ عليها، غير أنّ تردّد طرح هذا الاحتمال من خلال تسريبات صحافية وفي ثنايا تصريحات رسمية، منها لمسؤولين في واشنطن، يعكس نقاشاً مثابراً يؤسّس لبيئة حاضنة لما ينتظر غزّة والمنطقة.

 

كانت صحيفة “تايم أوف إسرائيل” نقلت في حزيران الماضي عن 3 مسؤولين مطّلعين في واشنطن أنّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أبلغ نظراءه خلال زيارته للمنطقة أنّ مصر والإمارات مستعدّتان للمشاركة في قوة أمنيّة في غزة بعد الحرب. أضافت الصحيفة أنّه، أثناء زياراته لقطر ومصر وإسرائيل والأردن في ذلك الوقت، أبلغ بلينكن المحاورين أنّ الولايات المتحدة أحرزت تقدّماً في هذه القضية وتلقّت الدعم من القاهرة وأبو ظبي لإنشاء قوّة تعمل جنباً إلى جنب مع ضبّاط فلسطينيين محلّيين.

نقلت الصحيفة حينها عن مصادرها أنّ مصر والإمارات وضعتا شروطاً لمشاركتهما أهمّها المطالبة بربط المبادرة بمسار لقيام دولة فلسطينية في المستقبل. فيما طالبت مصر بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، وطالبت الإمارات بمشاركة أميركية في قوّة الأمن في غزة بعد الحرب. أضافت المصادر أنّ بلينكن أبلغ نظراءه أنّ الولايات المتحدة ستساعد في إنشاء وتدريب قوّة الأمن وضمان حصولها على تفويض مؤقّت، بحيث يمكن استبدالها في النهاية بهيئة فلسطينية كاملة، مضيفاً أنّ الهدف هو أن تسيطر السلطة الفلسطينية في النهاية على غزة.

لا تغرّد فكرة نشر قوات في غزّة خارج السرب العربي. سبق للقمّة العربية الأخيرة في البحرين أن دعت في بيانها الختامي في أيار الماضي، إلى نشر قوة حفظ سلام

تصريح إماراتيّ يُبنى عليه

ما كان يندرج في سياق التسريبات والشائعات أفصحت عنه الإمارات، قبل أيام، بشكل رسمي يمكن البناء عليه بعيداً عن التكهّنات والمعلومات المشوّهة.

تكشف لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية في دولة الإمارات، في 19 تموز الجاري، أنّ بلادها “على استعداد للمشاركة في قوّة متعدّدة الجنسيات بقطاع غزة”. غير أنّ للأمر خريطة طريق وشروطاً. تكشف نسيبة ذلك لصحيفة “فايننشيل تايمز” وتقول إنّ الإمارات “ناقشت الخطط مع الولايات المتحدة، كخطوة لملء الفراغ في غزة المحاصرة، ولمعالجة احتياجاتها الإنسانية وإعادة الإعمار”.

قبل أشهر كان مصدر مصري قد أقرّ بوجود تصوّر لإدارة عربية ضمن قوّة متعدّدة الجنسيات، وأنّ هناك مساعي لإقناع بعض الدول العربية، خاصة تلك التي لها علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، بإرسال تلك القوات. ونقل عن مصدر مصري رفيع المستوى حينها أنّ القاهرة ترفض مسألة إرسال قوات عربية أو مشتركة إلى قطاع غزة، وترى أنّ الفلسطينيين هم من يقرّرون مستقبل قطاع غزة، وأنّ إرسال قوات عربية أو مشتركة إلى غزّة هو أمر غير مقبول. وقد أعادت مصر رفض الفكرة عدّة مرّات آخرها في 19 حزيران الماضي.

غزة

غير أنّ ما كشفته نسيبة يوضح تماماً أنّ الأمر يناقش جدّياً، ودونه مخاوف وهواجس، ومرهون بشروط قد يكون بعضها معقّداً ومتعدّد الأبعاد.

تشترط الإمارات أن “تتلقّى دعوة من السلطة الفلسطينية” لتقبل بالمشاركة في القوّة المتعدّدة الجنسيات بغزّة، وفق نسيبة. لكن في ثنايا ذلك الشرط أن تكون الدعوة من طرف تلك السلطة “بعد إصلاحها، أو سلطة فلسطينية يقودها رئيس وزراء يتمتّع بالسلطة”.

إصلاح السّلطة.. للحديث تتمّة

مسألة إصلاح السلطة الفلسطينية كانت مثار نقاش في الأروقة العربية والدولية منذ “طوفان الأقصى” واندلاع حرب غزّة وبدء البحث عن خطّة بشأن “اليوم التالي” لانتهاء تلك الحرب. ولطالما تردّدت عبارات إصلاح أو تنشيط أو ترشيق السلطة على لسان مسؤولين أميركيين في مقدَّمهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي ناقش الأمر في زياراته لرام الله مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

غير أنّ ما قد يعرقل أيّ خطّة هي شروط تبدو صعبة ومستحيلة. منها تعريف إصلاح السلطة الفلسطينية وقبول إسرائيل بمسار سياسي يقود إلى قيام دولة فلسطينية

على الرغم من ضبابية معايير الإصلاح بين ما تفهمه السلطة وما تطمح إليه العواصم الكبرى، لا سيما تلك المانحة، فإنّ السلطة الفلسطينية، واستجابةً لما يُراد له أن يكون إصلاحاً، استغنت عن الحكومة التي كان يرأسها محمد اشتيه وشكّلت أواخر آذار الماضي حكومة كفايات برئاسة محمد مصطفى.

وفيما تسرّبت همهمات تفيد بعدم رضا عواصم دولية عن مستوى الإصلاح الذي اكتفت به السلطة من خلال حكومتها الجديدة، وعدم ثقتها برئيس الحكومة الجديد بسبب عدم استقلاليّته وخضوعه لرئيس السلطة، فإنّ في الشروط الإماراتية ما يكشف جانباً من هذه الأجواء الدولية العامّة.

تشترط الإمارات، وفق تصريحات نسيبة، أن تكون السلطة قد أجرت إصلاحات، وتلمّح إلى أنّ أهمها، أو منها، أن تكون برئاسة “رئيس للوزراء يتمتّع بالسلطة”، أي يتمتّع بصلاحيات تستطيع أن تقرّر وتمثّل جسماً تنفيذياً مستقلّاً.

يذكّر الأمر بالجدل الذي جرى في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 2003 بشأن منح رئيس الوزراء الفلسطيني المعيّن آنذاك، محمود عباس، صلاحيّات له ولموقعة. ومن المفارقة أنّ الأمر بات مطروحاً من جديد على الرئيس عباس نفسه هذه المرّة لمنح حكومة السلطة التي يرأسها رشاقة تستطيع بها مواجهة استحقاق كبير يفرضه “اليوم التالي” في غزّة والمنطقة.

غير أنّ شروط الإمارات قد تعبّر أيضاً عن شروط عامّة تتقاسمها الدول المرشّحة للمشاركة في قوّة عربية (ومنها مصر والمغرب) أو دولية متعدّدة الجنسيات. وفي حديث نسيبة عن المشاركة في “قوات الاستقرار” ما يشي أنّ تلك القوات تأتي وفق تفاهمات مسبقة أهمّها تفاهم سياسي يرسم مساراً لقيام دولة فلسطينية. وتقول نسيبة هنا بوضوح إنّ “الخطّة لا بدّ أن تتضمّن مكوّناً إنسانياً لمساعدة الشعب الفلسطيني في غزة على التعافي من الدمار الرهيب، ومكوّناً أمنيّاً ومكوّناً سياسياً قادرين على تيسير التوصّل إلى حلّ مستدام للصراع”.

تناقش عواصم القرار بضبابية وهدوء خطّةً لإرسال قوات عربية متعدّدة الجنسيّات إلى غزة للمشاركة في إدارة القطاع بعد الحرب

ماذا عن الموقف الإسرائيليّ؟

لا تغرّد فكرة نشر قوات في غزّة خارج السرب العربي. سبق للقمّة العربية الأخيرة في البحرين أن دعت في بيانها الختامي في أيار الماضي، إلى نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في غزة والضفة الغربية حتى إقامة الدولة الفلسطينية. عير أنّ الدبلوماسية الإماراتية تضيف شرطاً آخر بالنسبة للمشاركة في خطّة الانتشار العربية الأممية في غزّة هو “أن تتولّى الولايات المتحدة زمام المبادرة في هذا الصدد حتى تنجح هذه المهمّة”. وفي البال هنا أنّ واشنطن تمسك بمفاتيح العلاقة مع إسرائيل، وأنّ ترويج إدارة الرئيس جو بايدن خلال الأشهر الأخيرة لحلّ الدولتين يتطلّب همّة استثنائية قد يتفاوت دفقها ما بين إدارة ديمقراطية (كاميلا هاريس احتمالاً) وإدارة ترامب المحتملة.

تلخّص نسيبة الموقف. تقول: “ما يتطلّبه الأمر للمشاركة في المهمة هو قيادة أميركية، وقيادة فلسطينية مُصلحة، وخريطة طريق نحو إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت حكومة فلسطينية واحدة. كما نحتاج أيضاً إلى رؤية صياغة واضحة، أو إشارة أو التزام بإقامة الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات”.

إقرأ أيضاً: هل هناك مَن سعى لقتل “الترامبيّة”؟

غير أنّ ما قد يعرقل أيّ خطّة هي شروط تبدو صعبة ومستحيلة. منها تعريف إصلاح السلطة الفلسطينية وقبول إسرائيل بمسار سياسي يقود إلى قيام دولة فلسطينية، لا سيما بعد تصويت الكنيست الأخير لنسف هذا الاحتمال. غير أنّ في توقيت الموقف الإماراتي وتفاصيله ما يرجّح العبور، بالتوازي مع مفاوضات “صفقة” إنهاء الحرب، إلى مرحلة ترسم ملامح مستقبل القطاع وتموضع المنطقة حيال ذلك.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…