2006 – 2023: كلّ طرق الحرب تؤدّي إلى 1701

مدة القراءة 5 د

بين الحربين، تموز 2006 وأكتوبر 2023، فوارق وقواسم مشتركة. ليس أقلّها أنّنا سنعود بعد الحربين إلى القرار نفسه: 1701. وليس أكثيرها أنّنا نغرق في دوامة الحروب والدمار.

 

يتزامن دخول الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزّة وجنوب لبنان شهرها العاشر، مع ذكرى مرور 18 سنةً على حرب تمّوز، التي اندلعت بين إسرائيل والحزب عام 2006.

القواسم المشتركة بين الحربين كثيرة، أبرزها:

–  أنّ الحزب كان البادئ بالقتال في الحربين: في الأولى مستبقاً حرباً تحدّث عنها كثرٌ قائلين إنّها كانت ستنطلق في أيلول 2006، أبرزهم الصحافي سيمون هيرش في تحقيقه الشهير، وفي الثانية مسانداً حركة حماس في قطاع غزّة بُعيد تنفيذها عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول 2023، في تصدّيها لحرب الإبادة التي باشرتها إسرائيل إثر العملية تلك.

– الوحشية الإسرائيلية، وهي سمة تسم حروب إسرائيل كلّها ولا تستثني حرباً منها.

– حجم الدمار الهائل في كلتا الحربين وإن بنسب متفاوتة.

– جرّ لبنان من قبل الحزب إلى حرب لم يُجمع اللبنانيون على خوضها.

– الدعم الدولي غير المحدود لإسرائيل.

بين الحربين، تموز 2006 وأكتوبر 2023، فوارق وقواسم مشتركة. ليس أقلّها أنّنا سنعود بعد الحربين إلى القرار نفسه: 1701.

بين حربين

أدّت حرب تموز عام 2006 إلى دمار كبير وخسائر جمّة في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية اللبنانية، كما أدّت إلى توريط الحزب في وحول السياسة اللبنانية الضيّقة، بعد طول نأي وتفرّغ واستعداد للمواجهة على الحدود لتحرير ما بقي من أراضٍ لبنانية محتلّة.

أدّت كذلك إلى إصدار القرار 1701، والأخير فرض خطوطاً حمراً متعارفاً عليها دولياً مكّنت الحزب من التوجّه نحو الداخل اللبناني أكثر من ذي قبل، وإلى فرضه لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاوزه في لبنان والإقليم. فإلى أين تمضي بنا حرب الإسناد الحالية؟ وهل أدّت المراد منها؟

لا شكّ أنّ مبادرة الحزب إلى فتح جبهة على الحدود اللبنانية الفلسطينية، إسناداً لحركة حماس، شغلت جزءاً من القوّة البشرية والعسكرية والأمنيّة واللوجستية الإسرائيلية، ووضعت الإسرائيليين في مأزق بتهجير عشرات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين في الشمال، وإفراغ المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين من سكّانها، موقعةً خسائر فادحةً بالاقتصاد الإسرائيلي وطارحةً علامات استفهام كثيرة حول مستقبل هذا الكيان.

إلا أنّها عملياً لم توقف حرب الإبادة الإسرائيلية الوحشية على غزّة التي صارت أثراً بعد عين، ولا أوقفت شلّال الدم الفلسطيني أو أوقفت المذبحة البشرية المستمرّة في غزة. كما لم تحُل دون تدمير قرى لبنانية حدودية عن بكرة أبيها. آخر الإحصاءات تشير إلى تدمير أكثر من 1,550 منزلاً وتسويتها بالأرض في الجنوب اللبناني حتى الآن جرّاء الغارات الإسرائيلية والقصف المدفعي الإسرائيلي، بالإضافة إلى الأضرار البشرية والبيئية والاقتصادية.

حجم الخسائر التي تلقّاها الحزب باغتيال عدد من قادته البارزين والمخضرمين فاق ما خسره في حربه المفتوحة مع إسرائيل منذ قيامه

عودة إلى القرار 1701

إذا كانت حرب تموز قد انتهت إلى فرض القرار الأممي 1701، الذي ضبط الأوضاع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، فإنّ المطروح اليوم، لبنانياً ودولياً، هو إعادة العمل به. وكأنّ الدماء التي سالت على تراب الجنوب، وهذا الدمار الهائل، لا نتيجة لهما سوى العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل السابع من تشرين الأول الماضي، أي العودة 18 سنةً إلى الوراء.

إلى ذلك لم تتوقّف الحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان. وليس من قرار أفضل من القرار 1701 في طريقه إلى الوجود ثمّ التنفيذ. وعليه، لم تفضِ حرب الإسناد هذه حتى اللحظة إلّا إلى تعزيز طرح الحزب نفسه رقماً صعباً في المنطقة، ومراكمة خبراته القتالية.

إن كانت أضرار حرب تموز تفوق أضرار حرب الإسناد القائمة حالياً، بشرياً وعمرانياً، إلا أنّ حجم الخسائر التي تلقّاها الحزب باغتيال عدد من قادته البارزين والمخضرمين فاق ما خسره في حربه المفتوحة مع إسرائيل منذ قيامه. ففي حرب تموز، خرج الأمين العام للحزب حسن نصر الله، بعدما وضعت الحرب أوزارها، ليقول إنّ أيّاً من كوادره وقادته لم يُصَب بأذى، وإنّ إسرائيل لم تتمكّن من خرقه، وإنّه نجح في تضليلها أمنيّاً واستخبارياً. ما قاله يومها بالتأكيد لن يقوله حين تنتهي هذه الحرب، فحجم الاختراق الإسرائيلي للحزب، أو بنك أهداف إسرائيل ومعلوماتها عنه لم يعد يخفى على أحد. وأن يعزو الأمين العامّ للحزب تلك الخسائر إلى تفوّق إسرائيل التكنولوجي فأمر لا يقلّل من حجمها.

أفضت الحرب الاقتصادية على لبنان منذ عام 2019، إلى جرّه إلى اتفاق لا يحفظ كامل حقوق لبنان البحرية

إلى الجوّ بعد البحر؟

لا شيء بعد الحرب سوى الحرب، أو السلم. فهل ما يجري في الجنوب إسناداً لغزّة، مقدّمة لإبرام اتفاق ما بين لبنان وإسرائيل على غرار الاتفاق على الحدود البحرية الذي باركه الحزب وشدّ على أيدي الموقّعين عليه؟

بصيغة أخرى، أفضت الحرب الاقتصادية على لبنان منذ عام 2019، إلى جرّه إلى اتفاق لا يحفظ كامل حقوق لبنان البحرية، فهل تجرّه حرب الإسناد هذه إلى اتفاق على الحدود البرّية؟

إقرأ أيضاً: رصاصة ترامب تصيب بيروت

الأمين العامّ للحزب تحدّث في أكثر من خطاب له منذ “طوفان الأقصى” عن فرصة حقيقية لتحرير ما بقي من أراضٍ لبنانية محتلّة. كذلك فعل الرئيس نبيه بري، والمبعوث الأميركي آموس هوكستين. إلا أنّ الكلمة الأخيرة للميدان، فوحده وقد دخلنا موافقين ومعارضين في أتون نيرانه قادرٌ على رسم المستقبل من خلال ترسيم الحدود اللبنانية الفلسطينية، أو من خلال رسم معالم الاتفاق على الحدود البرّية الذي يلوح في الأفق، إن عُدّت الأخيرة بمعظمها مرسّمةً.

لكنّ للميدان كلاماً كثيراً، منه ربّما أن لا حلّ في البرّ، بعد البحر، دون اتفاق جوّيّ بوقف طلعات الطائرات الحربية الإسرائيلية!

 

لمتابعة الماتب على X:

@jezzini_ayman

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…