وحدة السّاحات “السُّنّيّة”.. إيران تلزّم “الحركة” التنظيمات السُّنّية؟

مدة القراءة 8 د

في حين يكثر الحديث عن سيناريوهات مختلفة لإدارة قطاع غزّة بعد أن تضع الحرب أوزارها ضمن ما يعرف بـ”اليوم التالي”، ليس بينها حركة حماس، يستعدّ محور الممانعة لمواجهة هذه السيناريوهات بطريقة غير تقليدية تكشف عن عمق ومتانة التحالف بين الإخوان المسلمين ونظام الملالي، والأهداف الجيوسياسية الكبرى التي يسعى إلى تحقيقها. فما هي هذه السيناريوهات؟

 

 

 

كانت أحداث حيّ “الشيخ جرّاح” عام 2021 هي الشرارة التي أطلقت مصطلح “وحدة الساحات” وأدخلته حيّز الاستخدام الفعليّ في معركة “سيف القدس”، كاستراتيجية عمل لمحور الممانعة المتجدّد، بعد سنوات من التحضير والتخطيط أعقبت التحوّل الاستراتيجي في حركة حماس، الذي أفضت إليه انتخاباتها الداخلية عام 2017، وتأثيراته الجيوسياسية التي تتكشّف تباعاً.

مذّاك اعتُمدت القضية الفلسطينية شعاراً لهذه الاستراتيجية لما لها من قدرة هائلة على التأثير في الجماهير، وذلك بهدف طيّ صفحة الانقسام المذهبي الدموي بين السنّة والشيعة، وتوحيد قوى الإسلام السياسي تحت راية الممانعة. وقد بدأت مراكز الدراسات والأبحاث المرتبطة بالحزب وسائر الأذرع الإيرانية تروّج لمفهوم الوحدة الإسلامية وتوظّفه ضمن السياق نفسه.

لم تكن المصالحة بين حركة حماس بشكلها الجديد ودمشق، على الرغم من شكليّتها، سوى إحدى الحلقات الضرورية لهذه الاستراتيجية

لم تكن المصالحة بين حركة حماس بشكلها الجديد ودمشق، على الرغم من شكليّتها، سوى إحدى الحلقات الضرورية لهذه الاستراتيجية. تلتها انتخابات الجماعة الإسلامية في لبنان، وتحويلها إلى قوة أيديولوجية سياسية ودينية وشعبية منحت حماس الغطاء الضروري للتمدّد الجيوسياسي في الحواضر والأرياف السنّية، من دون إغفال توسّعها في السيطرة على قرار مخيّمات الشتات الفلسطيني في لبنان، واحداً تلو الآخر.

مع ذلك، فإنّ التساؤل الذي لا يني يطرح نفسه ضمن النقاشات الحامية بالتوازي مع مجريات حرب الإبادة الإسرائيلية: ما هو سبب إصرار حركة حماس على تمتين التحالف مع ملالي إيران، والذهاب بعيداً في التماهي مع مواقف مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، إذ ما كاد الأخير يعلن عدم قبوله بالمقترح الذي قدّمه الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار على مراحل، حتى سارعت حماس إلى التراجع عن موافقتها التي كانت أعربت عنها؟

ترى ما الذي يدفعها إلى ذلك وهي التي تتعرّض لتهديد وجودي؟ ألا يفترض بها انتهاج المزيد من البراغماتية في تعاملها مع الدول العربية في ظلّ المساعي الدبلوماسية الهائلة التي تقودها لفرض واقع اسمه الدولة الفلسطينية المستقلّة؟

في الأردن تبدو الأوضاع الداخلية شديدة السخونة على بعد أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية

تمدّد جيوسياسيّ سنّيّ

حينما كثرت التسريبات التي تتحدّث عن ضغوط أميركية على الدوحة لإخراج القيادة السياسية لحماس من أراضيها، كان البرود الشديد هو السمة البارزة في تعامل الأخيرة معها، بما يعكس وجود استعداد ضمني مسبق لخطوة من هذا القبيل. ولولا حرص حماس على العلاقات مع قطر ومع ما تقدّمه لها من دعم ماليّ، لسارعت إلى إخراج نفسها بنفسها. إذاً والحال هذه: ما هي البدائل التي في جعبة قيادتها؟

أشارت بعض التقارير إلى الأردن أو الجزائر أو بلدان أخرى كوجهة محتملة. لكنّ المؤشّر الأهمّ أتى بعد أيام قليلة، حينما تحدّثت بعض التقارير الإعلامية عن استعداد حماس لفتح مكتب تمثيلي لها في العراق. وعلى الرغم من أنّ الحركة أكّدت أنّ دور هذا المكتب سيقتصر على الإسناد الإعلامي والعلاقات العامة التي تخدم أهدافها، إلا أنّ ذلك ما هو إلا رأس جبل الجليد. ينبغي النظر إلى المشهدية بطريقة أكثر شمولاً.

الضّغط على العراق والأردن

ذلك أنّه بالتوازي مع حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، قامت إيران بتخريب التوازنات السنّية في العراق بشكل أدخل السنّة في حالة انعدام وزن وصراعات بينيّة قاسية لعبت الأطراف المقرّبة من طهران الدور الأكبر في تسعيرها، وهشّم الحضور السنّي المتذبذب أصلاً. والنتيجة حتى الآن هي ذهاب منصب رئاسة مجلس النواب من يد السنّة إلى الشيعة، وإن بشكل مؤقّت، بعد إقالة الرئيس محمد الحلبوسي وإمساك نائبه الشيعي بالقرار.

كانت أحداث حيّ “الشيخ جرّاح” عام 2021 هي الشرارة التي أطلقت مصطلح “وحدة الساحات” وأدخلته حيّز الاستخدام الفعليّ في معركة “سيف القدس”

يمهّد كلّ ذلك الأرضية أمام تغلغل حماس في العراق، وإمساكها بالقرار السنّي في مراحل لاحقة، بدعم إيراني، وذلك بقصد إيجاد التوازن المفقود مع الكتل الشيعية. وهذا التوازن الذي يصبّ بالطبع ضمن شبكة مصالح إيران الجيوسياسية يشمل أيضاً المملكة الأردنية الهاشمية المجاورة، التي تواجه تهديداً وجودياً. فمن ناحية الحدود العراقية هناك فصائل الحشد الشعبي، ومن جهة الحدود السورية هناك مرتزقة إيران الناشطون في تهريب المخدّرات والأسلحة، علاوة على ضغط حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلية لتهجير سكان الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن.

في الأردن تبدو الأوضاع الداخلية شديدة السخونة على بعد أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية، التي يسعى الفرع الأردني من الإخوان المسلمين إلى الفوز فيها بالأغلبية، بما يمكن أن يفضي إلى قلب الاستاتيكو السياسي والاجتماعي رأساً على عقب، وتشكيل توازنات جديدة تكون في القلب منها حركة حماس التي نجحت في توسيع رقعة نفوذها المعنوي والجيوسياسي في الأردن، وتمكّنت من إيصال “جناح الصقور” في جماعة الإخوان المسلمين إلى سدّة القرار عبر هندسة الانتخابات الداخلية التي أفضت إلى اختيار مراد العضايلة مراقباً عامّاً، تماماً مثلما فعلت في الداخل الفلسطيني ثمّ لبنان.

توحيد السّاحات السُّنّيّة

سبقت تلك الانتخابات الداخلية تسريبات من السلطات الأردنية كشفت عن تورّط خليّة من الإخوان المسلمين في تهريب أسلحة إلى الأراضي الأردنية، من أجل القيام بأعمال تخريبية تقف خلفها إيران وحماس، الأمر الذي كان له دور في السماح بوصول عدد ضئيل من المعتدلين إلى بعض المراكز القيادية لاحتواء التوتّر المتصاعد مع السلطة السياسية. أمّا في لبنان فقد أظهرت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة مدى تعاظم تأثير حماس في الشارع السنّي الذي يعاني من فراغ زعاماتيّ، وكذلك في المؤسّسة الدينية.

إذا كانت حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة قد أظهرت تحوّل حماس إلى قوة سياسية إقليمية ذات تأثير متنامٍ، فإنّ هذه الحلقات المتّصلة من التمدّد الجيوسياسي تشير إلى وجود قرار استراتيجي إيراني بتوحيد الساحات السنّية وتلزيمها إلى حماس، الأمر الذي يفسّر سبب تماهي الأخيرة مع سياسات مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ومواقفه بشكل مطلق. ويندرج هذا القرار ضمن الاستراتيجية الإيرانية الكبرى التي تلتحف براية القضية الفلسطينية، لكن تروم استهداف الدول العربية والخليجية وعلى رأسها السعودية.

بالتوازي مع حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، قامت إيران بتخريب التوازنات السنّية في العراق بشكل أدخل السنّة في حالة انعدام وزن وصراعات بينيّة قاسية

من المؤشّرات البارزة الدالّة على ذلك لقاء رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة مطلع الشهر الجاري كلّاً من مراقب الإخوان المسلمين في الأردن مراد العضايلة، والأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان محمد طقوش في مقرّه بالدوحة في وقت متقارب. وهو ما يعكس الرغبة والسعي إلى تكريس زعامة حركة حماس لـ”سُنّة المقاومة”. في الموازاة تعرّضت السعودية خلال موسم الحج لحملة سياسية منظّمة بلبوس ديني، تشكّل واحدة من حلقات أكبر عملية أدلجة يتعرّض لها السنّة في الدول المذكورة، من أجل فصلهم تماماً عن العمق العربي التاريخي المتمثّل بالدرجة الأولى بالسعودية ومصر.

حديث الغدير… وواقعة كربلاء

نشهد في الوقت الحالي استكمال هذه العملية عبر حلقات أخرى، مثل تمهيد بعض رجال الدين لاعتراف السنّة بالتفسير الشيعي لبعض الوقائع الخلافيّة التاريخية بين السنّة والشيعة، مثل الحديث النبوي الشهير المعروف بـ”حديث الغدير”، وواقعة كربلاء والنظرة إلى يزيد بن معاوية وغيرها من الأمور الشديدة الحساسية. وأبرز هؤلاء الممهّدين الشيخ الفلسطيني محمود حسنات، الغزّيّ الأصل والمقيم في تركيا، وهو من المنظّرين في “حماس”. وهناك الأمين العام لـ”الجماعة الإسلامية” في لبنان الشيخ محمد طقّوش، الذي بات يحضر المجالس العاشورائية في ضاحية بيروت الجنوبية.

إقرأ أيضاً: سماحة المفتي..

بيد أنّ هذا التمدّد الجيوسياسي (مع محاولات دينية) يبقى منقوصاً لفقدانه حلقة شديدة الأهمّية لتكريس الاتّصال الجغرافي، وهي سوريا التي لا تزال ترفض السماح لحماس بحرّية الحركة على أراضيها والتمدّد في الأوساط السنّية، من دون إغفال موقف إخوان سوريا الرافض للمصالحة بين حماس ودمشق، والذي يجري العمل على معالجته.

مواضيع ذات صلة

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…

من يُنسّق مع باسيل بعد وفيق صفا؟

بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين…