الحزب أسير انتصاره

مدة القراءة 5 د

ثمّة انتصارات أخطر على أصحابها من الهزائم. هذا ما بات يدركه زعيم ميليشيا الحزب حسن نصرالله، ويحاول تفادي تبعاته بقوله قبل أيام إنّه “إذا حصل وقف إطلاق النار في غزة، جبهتنا ستوقف إطلاق النار (مع إسرائيل) بلا نقاش بمعزل عن أيّ اتّفاق أو مفاوضات أو أيّ شيء”. بيد أنّ هذا الربط بين الجبهتين يتغاضى عن أنّ ما بدأه الحزب في 8 تشرين الأول بإعلان الحرب على إسرائيل من طرف واحد، ينطوي على تغيير كامل لقواعد الاشتباك بين لبنان وإسرائيل، ويضع العلاقة بين البلدين عبر الحزب عند واحد من أخطر مفترقات الطرق.

 

هشاشة المجتمع الإسرائيلي

يتجاهل كلام نصرالله المخاوف الأمنيّة الاسرائيلية العميقة التي تعاظمت إلى مستويات المخاوف الوجودية في ضوء تهجير الحزب 60 ألف إسرائيلي من بلدات الشمال على الحدود مع لبنان. كما لم يسبق أن قيل إنّ إسرائيل “فقدت السيادة” في الجزء الشمالي من حدودها بسبب الهجمات المستمرّة من قبل الحزب كما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

وفق هذه الوقائع ما عادت أعمال الحزب مرتبطة فقط بالصراع الأوسع المتمحور حول القضية الفلسطينية. بل بات يُنظر إليها في إسرائيل كصراع مستقلّ يستغلّ تداخل الموضوع الفلسطيني مع مشاريع استراتيجية أخرى، عازمة فعلاً على تهديد وجود إسرائيل نفسه على المدى الطويل.

ما نجح فيه الحزب منذ 8 تشرين الأول 2023، وربّما من حيث لم يُرِد، أقلّه الآن، هو إبراز هشاشة المجتمعات الإسرائيلية، وفرضه بإلحاح على الحكومة والجيش الإسرائيليَّين الحاجة إلى هندسة استراتيجية أمنيّة وسياسية حاسمة وشاملة.

فإن كان نجح الحزب الآن في تهجير 60 ألف إسرائيلي للمرّة الأولى منذ عام 1948، والتحكّم بقرار عودتهم من خلال ربطه باتفاق سياسي، فليس من المستبعد أن يبدأ الحزب بالتفكير في تطوير قدراته مستقبلاً لتهجير سكّان تل أبيب أو حيفا.

العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأوّل تتطلّب أكثر من مجرّد وقف لإطلاق النار، وما يعيشه لبنان اليوم قد يصير الأمر الواقع الجديد لسنوات

السيناريوهات المطروحة

تبرز في هذا السياق ترسانة الحزب الكبيرة التي تضمّ أكثر من 150 ألف صاروخ، وشبكات أنفاق متقدّمة، وقدرات عسكرية هجينة بوصفها تهديداً هائلاً لإسرائيل كلّها، يتجاوز التهديد المادّي المباشر لبلدات الشمال وسكّانها، ولا يمكن تحييده من خلال الترتيبات السياسية فقط. وإذ تضيق الخيارات الإسرائيلية الكلاسيكية أكثر بالنظر إلى أنّ حرب لبنان الثانية عام 2006 لم تمنع أن يظلّ الحزب تهديداً قائماً ومتنامياً، تتّجه الأنظار إلى الخطوات الإسرائيلية المحتملة في الأسابيع والشهور المقبلة والتي يمكن أن تكون كارثية على لبنان:

1- اجتياح برّي محدود: قد تقوم إسرائيل باجتياح برّي محدود في جنوب لبنان لإنشاء منطقة عازلة أمنيّة والبقاء فيها عبر حضور تكنولوجي وآليّ متعدّد الوسائط. يتطلّب ذلك مشاركة عسكرية كبيرة بهدف تحييد تهديدات الحزب المباشرة. بيد أنّ مثل هذا الاجتياح يمكن أن يؤدّي إلى صراع إقليمي أوسع، يجذب وكلاء إيران من اليمن والعراق، ويزيد من احتمالات الاصطدام المباشر مع إيران.

2- قصف جوّي مكثّف: قد توسّع إسرائيل ضرباتها الجوّية التي تستهدف البنية التحتية لترسانة الحزب والإمعان في خلخلة هيكله القيادي عبر المزيد من الاغتيالات الجراحية الجارية، ورفع مستوى المستهدفين إلى شخصيات الصفّ الأوّل.

3- تصعيد إقليمي: قد تقرّر إسرائيل تفعيل نظريّة “ضرب رأس الأخطبوط” بدل الصراع مع أذرعه وتقود المنطقة إلى صراع أوسع مع إيران نفسها. إنّ مثل هذا الخيار سيجبر حلفاء إسرائيل على تشكيل تحالف دولي كبير يهدف إلى فرض وقائع على الأرض من شأنها الانتقال من إدارة الصراع إلى حلّه جذرياً.

الحزب

في هذا الغضون تسعى إسرائيل بكلّ ما أوتيت إلى تعزيز القدرات الدفاعية كأنظمة الدفاع الصاروخي ورفع مستوى التواصل مع الحلفاء الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة، والاستعراض التقني والمعلوماتي المرتبط بتنفيذ عمليات عسكرية دقيقة تهدف إلى تفكيك بنية الحزب التحتية وإضعاف قدراته التشغيلية.

ما نجح فيه الحزب منذ 8 تشرين الأول 2023، وربّما من حيث لم يُرِد، أقلّه الآن، هو إبراز هشاشة المجتمعات الإسرائيلية

يندرج كلّ ذلك في سياق تحضير إسرائيل لخطواتها المقبلة والتي ليس من بينها بالتأكيد ما تحدّث عنه نصر الله عن أنّ وقف الحرب مع لبنان سيكون النتيجة الفورية والطبيعية لوقف الحرب في غزة.

يبدو الحزب أسير نجاحه الذي أجّج على نحو غير مسبوق المخاوف الوجودية العميقة في إسرائيل التي ما عادت قادرة على التعامل معه كمجرّد مصدر لاضطراب محتمل أو مؤقّت.

إقرأ أيضاً: لماذا هدّد نصرالله قبرص؟

العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأوّل تتطلّب أكثر من مجرّد وقف لإطلاق النار، وما يعيشه لبنان اليوم قد يصير الأمر الواقع الجديد لسنوات بانتظار حلّ استراتيجي متعدّد الأبعاد يعالج التهديدات الأساسية ويضمن الاستقرار الدائم في المنطقة.

توقيت الحرب وشكلها هما السؤال وليس ما إن كانت ستقع أم لا.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@NadimKoteich

مواضيع ذات صلة

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…

هل يستمع الأسد إلى النّصائح العربيّة؟

هجوم 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب على حلب، الذي أثبت ضعف نظام الأسد وتهالُكه، يعني أن لا حلّ في الأمد المنظور للحرب السورية الداخلية…

إسرائيل وتركيا وروسيا تستعدّ لـ”عاصفة ترامب”؟

تتسارع الأحداث مع اقتراب 20 كانون الثاني، يوم تنصيب دونالد ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة. وبدأت بعض الدول تتموضع في محاولة لتثبيت وقائع على الأرض،…

إيران والترويكا: حوار الوقت الضّائع

كان لافتاً القرار الإيراني بالذهاب إلى عقد جلسة حوار مع الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في العاصمة السويسرية جنيف، على الرغم من الموقف التصعيدي الذي…