صراع نتنياهو مع الجنرالات يعيق اتّفاق الهدنة

مدة القراءة 7 د

يرافق موجات التفاؤل والتراجع حول مفاوضات وقف النار في غزة صراع بين بنيامين نتنياهو وبين جنرالات الجيش الإسرائيلي.

خبراء السياسة الإسرائيلية يرصدون التسريبات والمواقف بشأن التحقيقات حول المسؤولية عن الفشل في مواجهة 7 أكتوبر. ويتوقّعون أن ينعكس تبادل الاتّهامات في هذا الشأن على المفاوضات ووقف الحرب، وعلى مصير الحكومة. فهو وسيلة نتنياهو لتحييد الأنظار عن السجال حول المسؤولية عن إفشال الهدنة، إذا نجحت شروطه في إجهاضها. وخلافاته مع جنرالات الجيش تعينه على تغطية الآثار السلبية على مستقبله جرّاء ملاحقته بتهم فساد. فالقضاء الإسرائيلي رفض طلبه تأجيل إدلائه بشهادته في ملفّ الفساد من كانون الأول المقبل إلى آذار 2025.

 

لنتنياهو تاريخ طويل في الصراع مع قادة الجيش حين ينتقلون للعمل السياسي وينافسونه على رئاسة الحكومة منذ تسعينيات القرن الماضي. من أبرز المظاهر الكثيرة التي ظهرت أخيراً يمكن ذكر الآتي:

تقاذف المسؤوليّة عن إخفاق 7 أكتوبر

1- أحدثها مطالبة الجنرال السابق وزير الدفاع يوآف غالانت بالتحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر “معنا جميعاً”، أي معه ومع نتنياهو. طالب غالانت القيادي في الليكود الذي يتزعّمه رئيس الحكومة، بأن يشمل التحقيق حكومات العقود السابقة وكيفية تعاطيها مع “حماس”. وهذا بذاته تلميح إلى مسؤولية نتنياهو عن تعزيز قوّة الحركة في غزة بتمرير المال والدعم لها بحجّة إضعاف السلطة الفلسطينية. وهو أمر يتهرّب منه نتنياهو، الذي ينوي إقالة غالانت خلال أسابيع، أو بعد عودته من زيارة واشنطن في 24 الجاري. وبين الرجلين خلاف حول “اليوم التالي” للحرب. فغالانت يميل إلى الخطّة الأميركية لوقف الحرب، وإلى إيكال دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة، خلافاً لنتنياهو. وكذلك الجيش الذي يعتبر أنّ وقف حرب الشمال مع الحزب يتحقّق بوقف حرب غزة لأنّ الجبهتين تستنزفان قدراته. وحالَ رئيس الحكومة دون رئاسة غالانت اجتماعات أمنيّة مع قادة الجيش والشاباك والموساد حول مفاوضات وقف النار.

لنتنياهو تاريخ طويل في الصراع مع قادة الجيش حين ينتقلون للعمل السياسي وينافسونه على رئاسة الحكومة منذ تسعينيات القرن الماضي

2- جاء موقف غالانت بعد إعلان الجيش النتائج الأوّلية للتحقيقات الداخلية حول الإخفاق في مواجهة هجوم “حماس” في 7 أكتوبر. اعتراف المستوى العسكري بقصوره وبأخطائه بدا توطئة لطرح مسؤولية المستوى السياسي، وبالتالي نتنياهو أيضاً.

الخلاف حول “القضاء” على حماس

3- إعلان الناطق باسم الجيش دانيال هغاري أنّ “حماس ستبقى موجودة في قطاع غزة خلال السنوات الخمس المقبلة”. ردّ نتنياهو مكرّراً أنّ “إسرائيل ستقضي على حكم حماس ولن تسمح لها بالسيطرة على قطاع غزة مرّة أخرى”. وهو الموقف الذي يردّده في الحديث عن مفاوضات الهدنة بين الدوحة والقاهرة. وكان هغاري قال في 19 حزيران الماضي إنّ “الحديث عن تدمير حماس ذرّ للرماد في أعين الجمهور”. ورأى أنّ “حماس فكرة. لا يمكنك تدمير فكرة. يجب على المستوى السياسي أن يجد بديلاً لها وإلا فستبقى”. وردّ نتنياهو في حينها مؤكّداً التزام الجيش هدف “تدمير” قدرات الحركة. سبق ذلك سجال بين الجانبين عند إعلان الجيش هدنة مؤقّتة في وسط غزة للسماح للمدنيين بالانتقال إلى مناطق أخرى. وأثار ذلك حفيظة نتنياهو فذكّر بأنّ القيادة العسكرية تخضع للحكومة. ولم يكن هغاري ليعلن ما أعلنه من دون موافقة رئيس الأركان هرتسي هاليفي. لذلك يمكن فهم التسريبات مطلع هذا الأسبوع عن نيّة نتنياهو إقالة هاليفي لتعيين الضابط المقرّب منه إيال زمير. وعكست هذه السجالات بذور تمرّد للجيش على رئيس الحكومة.

خبراء السياسة الإسرائيلية يرصدون التسريبات والمواقف بشأن التحقيقات حول المسؤولية عن الفشل في مواجهة 7 أكتوبر

تاريخ صراع نتنياهو مع قادة الجيش

مع كثرة الوقائع التي تتحكّم بمستقبل الحرب من جهة، وبتركيبة إسرائيل الداخلية من جهة ثانية، فإنّها تضيء على خلفيّة ألاعيب نتنياهو التفاوضية. كما تفسّر جانباً من تدرّج الحرب والمزايدة بين المستويين العسكري والسياسي في همجية التعاطي التي شهدتها غزة. فالدولة التي قيل عنها إنّها تقوم على قاعدة جيش له دولة، لا تخفي الصراعات بين القوى السياسية. كما أنّها تكشف مدى ارتباط المستوى العسكري بالسطوة الأميركية على سياسات الدولة العبرية. فلواشنطن تأثير عميق على الجنرالات وموقفهم من المستوى السياسي، وهو الذي رجّح انحيازهم إلى خطة بايدن لوقف الحرب. وذلك بصرف النظر عن نجاح نفوذها في تحقيق الهدنة الجاري التفاوض عليها.

المتّصلون مع الدبلوماسية الأميركية في واشنطن تحدّثوا لـ”أساس” عن درجة عالية من المعاناة مع زئبقية نتنياهو وألاعيبه التفاوضية حول الهدنة. فهو يُغرقها بالتفاصيل التي تعرقل إنجازها وعينه على تطويع القيادة العسكرية. ولذلك اضطرّ البيت الأبيض إلى إيفاد عضو مجلس الأمن القومي الدبلوماسي المحنّك بريت ماكغورك إلى تل أبيب لتعديل مواقف نتنياهو.

في 31 أيار الماضي نشر “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن دراسة مطوّلة عن تاريخ العلاقة بين نتنياهو والجيش. من الملاحظات التي تضمّنتها:

– مع أنّ نتنياهو أضفى على نفسه صفة “رجل الأمن” الإسرائيلي، بمواجهة خصومه، فإنّ 7 أكتوبر حطّم هذه الصورة.

– مجتمع العسكر يعتبر زعيم الليكود رجل كلام بلا أفعال، فضلاً عن فساده الذي اشتهر به في السنوات الأخيرة. ولذلك يدين باستمراره في السلطة للمتطرّفين اليمينيين. والمقصود هنا حزبا المستوطنين بزعامة إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. كذلك اتّكاله على كتلة نواب “الحريديم” المتشدّدين الدينيين، الذين وافقهم طوال السنوات الماضية بعدم إخضاعهم للتجنيد في الجيش.

مع كثرة الوقائع التي تتحكّم بمستقبل الحرب من جهة، وبتركيبة إسرائيل الداخلية من جهة ثانية، فإنّها تضيء على خلفيّة ألاعيب نتنياهو التفاوضية

– اصطدم جنرالات الجيش في المناقشات الداخلية مع نتنياهو في شأن تعامله مع البرنامج النووي الإيراني. وأثاروا غياب أيّ مبادرة من الحكومة حيال الفلسطينيين وتشكّكوا في زعمه القدرة على “إدارة الصراع” معهم. وقد تعاطى مع هؤلاء الجنرالات على أنّ بعضهم من اليساريين الذين يساندون التنازل للفلسطينيين.

نتنياهو

– العودة إلى سجلّ علاقاته مع وزراء الدفاع منذ بداية رئاسته الحكومة تبيِّن أنّه كان يشتبك دائماً مع هؤلاء، كما الحال الآن مع غالانت. حصل ذلك مع الوزير الشهير الجنرال إسحق موردخاي (1996 – 1999) فانتهى الصراع بدعوة الأخير الإسرائيليين إلى عدم انتخاب نتنياهو. وشمل صراع الأخير مع العسكر خلافات مع رئيس الأركان آنذاك أمنون ليبكين شاهاك. أدّى ذلك إلى خسارة نتنياهو إعادة انتخابه أمام إيهود باراك، رئيس الأركان السابق، الذي كان قائد نتنياهو في وحدة النخبة “متكال”. باراك ينظر إليه الإسرائيليون على أنّه من أبطال الجيش لقيادته قوّة اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في بيروت عام 1973. قبل أسابيع رأى أنّ إسرائيل “تواجه أخطر أزمة في تاريخها، وجوهر الكارثة حكومة ورئيس وزراء غير مؤهّلين”.

– دفعت الهزيمة نتنياهو والليكود إلى وضع قانون في الكنيست يحدّ من طموح الجنرالات الذين يحظون بشعبية إلى لعب دور سياسي. في عام 2007 أوجب القانون أن ينتظر هؤلاء 3 سنوات بعد خدمتهم العسكرية قبل الانخراط في السياسة. ومع ذلك تحدّى الجنرالات المتقاعدون نتنياهو في الدورات الانتخابية في العقد الأخير (بيني غانتس وغادي أيزنكوت في الانتخابات الأخيرة).

يرافق موجات التفاؤل والتراجع حول مفاوضات وقف النار في غزة صراع بين بنيامين نتنياهو وبين جنرالات الجيش الإسرائيلي

– قبل الحرب شارك ما يسمّى المجتمع الأمنيّ وجنرالات الاحتياط في تشجيع التظاهرات العارمة التي شهدتها إسرائيل عام 2023 ضدّ تعديلات نتنياهو لصلاحيّات المحكمة العليا. فهدفه كان تسويغ قدرة الحكومة على رفض أحكام إجبار “الحريديم” على التجنّد في الجيش، بينما يصرّ الجنرالات على انخراطهم فيه.

إقرأ أيضاً:

– إنّ معظم قادة الجيش وقادة أجهزة الاستخبارات باتوا على قناعة بأنّهم في الوقت الذي يخوضون فيه صراعاً حول “مستقبل إسرائيل” يخوض نتنياهو الحرب لحفظ مستقبله السياسي. ولذلك يملي فريق اليمين المتطرّف في الحكومة سياساته خلال الحرب لأنّه يعتمد على دعمه لأجل البقاء. وفي الجيش قيادات تعتقد بأنّه لا بدّ من ولوج حلّ الدولتين مع الفلسطينيين لضمان أمن إسرائيل.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

روسيا ولعبة البيضة والحجر

منذ سبع سنوات كتب الأستاذ نبيل عمرو في صحيفة “الشرق الأوسط” مستشرفاً الأيّام المقبلة. لم يكتب عمّا مضى، بل عمّا سيأتي. نستعيد هذا النصّ للعبرة…

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…