“إعادة ضبط” الخطاب الدّينيّ في الكويت

مدة القراءة 6 د

بخطوات ثابتة وتدريجية، تعمل الحكومة الكويتية علىإعادة ضبطالخطاب الديني، ونزع الطائفية والمذهبية من ثنايا بعض الممارسات التي راجت في السنوات الماضية، نتيجة ضعف بعض الحكومات السابقة ورضوخها لثلّة من المتشدّدين من النواب السابقين.

ولأنّ الولاء للدولة والوطن يجب أن يسمو على أيّ اعتبارات طائفية أو قبلية أو قومية، بدأت الدولة باتّخاذ إجراءات غير مسبوقة، لسحب البساط شيئاً فشيئاً من تحت أقدامالمُتاجرين بالدين”، فمنعت المظاهر السلبية خلال أيام عاشوراء، وبدأت تغيير أسماء بعض المدارس والشوارع التي كانت تحمل اسم شخصيات دينية وحزبية.

 

منذ عقود طويلة، يمارس الشيعة في الكويت شعائرهم الدينية، وعلى رأسها ذكرى عاشوراء، بسلاسة ويسر ورعاية كاملة من أجهزة الدولة، كما تنتشر المساجد الخاصة بهم والحسينيات في مختلف المناطق من الشمال إلى الجنوب.

الجديد أنّه في السنوات الماضية دخلت فئات متشدّدة على خطّ الشعائر الدينية، وبدأت توسيع الدائرة في ليالي الإحياء لجهة التنظيم أو التفاصيل الأخرى، من مثل نصب الخيام أمام الحسينيات، وتوزيع الرايات في المحيط، وانتشار المتطوّعين لتنظيم حركة السير والدخول والخروج، في استنساخ واضح لدور رجال الشرطة.

هذا العام، وبعدما تحرّرت الحكومة من ضغط مجلس الأمّة (نتيجة تعليق موادّ من الدستور مرتبطة بعمل السلطة التشريعية منذ 10 أيار الماضي)، شرعت في عملها من دون أيّ خشية من ردود الفعل أو الضغوط النيابية، فطلبت من الحسينيات عدم رفع الرايات (باستثناء راية واحدة على الحسينية) وأيّة أعلام (باستثناء علم الكويت)، مع الالتزام التامّ بعدم تمدّد المجالس إلى الخارج بطريقة عشوائية، والالتزام بتعليمات رجال الأمن.

يقول البعض إنّ الإجراء الأخير ليس تنظيمياً بحتاً، وإنّما مرتبط أيضاً ببعض الخلايا الإرهابية “الداعشية” التي تمّ تفكيكها في الآونة الأخيرة، واعترف بعض عناصرها بالتخطيط لاستهداف مساجد شيعية أو حسينيات أو خيام العزاء.

من الواضح أنّ الحكومة ماضية في إجراءاتها غير الاعتيادية لكنّ المقبل من الأيام سيوضح مدى الجدّية في استمرارها

أيّاً يكن، من الواضح أنّ الإجراءات الجديدة تهدف لفرض هيبة الدولة والقانون وتعزيز الدولة الوطنية، ولا تستهدف فئة أو طائفة، وهو ما يفسّر القرار اللافت الذي أصدرته الحكومة الأسبوع الماضي، وحظرت بموجبه “رفع أيّة راية أو عزف أيّ نشيد وطني لدولة أخرى في أيّة مناسبة رسمية”، فالمقصود هنا، بحسب مصادر مطّلعة، تنظيم “رايات عاشوراء”، ومنع تكرار ما جرى في الأسابيع الماضية من عزف للنشيد الوطني الفلسطيني مع النشيد الوطني الكويتي في بعض حفلات تخرّج الطلبة من الثانويات والجامعات.

المدارس

بالتوازي، كانت وزارة التربية تقوم بتغيير أسماء بعض المدارس الحكومية، التي تحمل أسماء شخصيات دينية وتاريخية، واستبدالها بأسماء شخصيات كويتية مؤثّرة، لها باع طويل في المجالات العلمية أو الثقافية أو غيرها.

الكويت

كانت تلك الأسماء الدينية قد وجدت طريقها إلى المدارس نتيجة تغلغل جماعة “الإخوان المسلمين” والمحافظين والقبليين في وزارة التربية خلال العقدين الماضيين، علماً أنّ هذه الوزارة تعدّ من “أغنى” الوزارات وأكثرها التهاماً للميزانية، إذ تصل مصروفاتها السنوية إلى 2.4 مليار دينار (حوالي 7.8 مليارات دولار) تشكّل حوالي 10 في المئة من إجمالي المصروفات السنوية للدولة المقدّرة بحوالي 24 مليار دينار.

جاءت هذه الخطوة امتداداً للقرار الذي اتّخذته الحكومة مطلع حزيران الماضي بتغيير أسماء الشوارع التي تحمل أسماء شخصيات دينية، مثل مؤسّس جماعة “الإخوان المسلمين” حسن البنّا، واستبدالها بأرقام.

نصّ القرار على قصر التسمية على السلاطين والملوك والحكّام والأمراء ورؤساء الدول، وتبعاً للمعاملة بالمثل.

السبب المعلن أنّ الإجراء هدفه تبسيط حركة التنقّل عبر أجهزة تتبّع المواقع العالمية (جي بي إس)، وخاصة بالنسبة للأجانب الذين لا يعرفون اللغة العربية، لكنّه في جوهره يطال أيضاً التشدّد الديني الذي فَرَض في سنوات ماضية أسماء دينية للشوارع، بعضها لشخصيات حزبية وليست تاريخية.

منذ عقود طويلة، يمارس الشيعة في الكويت شعائرهم الدينية وعلى رأسها ذكرى عاشوراء بسلاسة ويسر ورعاية كاملة من أجهزة الدولة

كسر الصّمت

لم يستتبع تغيير أسماء الشوارع اعتراضات علنية، لكنّ الإجراءات الجديدة المرتبطة بالحسينيات والمدارس، والتي تندرج في إطار خطّة واضحة تُطبّقها الدولة لـ”القطع مع الماضي” وإرساء دعائم “الدولة الوطنية” بعيداً عن أيّ انتماء آخر (قبلي، طائفي، مذهبي، ديني، خارجي…)، أخرجت الأصوات المتشدّدة “من جحورها”، بعد حوالي شهرين من الصمت المُطبق الذي فرضه حلّ مجلس الأمّة وتعليق موادّ في الدستور بموجب الإجراءات غير المسبوقة التي أعلنها الأمير الشيخ مشعل الأحمد في 10 أيار الماضي.

ولأن الحديث في تلك الإجراءات وانتقادها لا يتجاوزان “الخطوط الحمر”، فقد وجد البعض ضالّتهم فيها، فكسروا صمتهم لانتقاد الحكومة بشكل لاذع.

في الإجراء الأوّل، اعترض النائب السابق صالح عاشور (من الخطّ الشيعي الشيرازي) على ما أعلنته وزارة الداخلية، منتقداً إزالة “أكشاك الحسينيات” في حين يتمّ غضّ النظر عن “خيام الأفراح غير المرخّصة” و”تجاوزات البناء”، متسائلاً: “لماذا هذا التمييز الواضح في تطبيق القانون؟ وأين التعايش والوحدة الوطنية وروح القانون؟”.

في الإجراء الثاني، خرج النائب السابق السلفيّ المتشدّد محمد هايف عن صمته، داعياً وزارة التربية إلى وقف قراراتها بتغيير أسماء بعض المدارس “احتراماً لمشاعر الأمّة ومكانة الصحابة رضي الله عنهم”. وردّاً على القول إنّ الصحابة التي تحمل المدارس أسماءهم “غير معروفين”، قال هايف: “أمّة الإسلام تعرف ماذا قدّموا للإسلام والمسلمين”، داعياً “من لا يعلمون” إلى الرجوع لـ”سِيَر أعلام النبلاء وغيره من التراجم للتعرّف على كلّ اسم وضع على مدرسة أو مؤسّسة”.

إقرأ أيضاً: الكويت تُقفل “غسّالة” الصّندوق الماليزيّ

بدوره، أدلى النائب السابق بدر الداهوم بدلوه، داعياً وزارة التربية إلى وضع الأسماء الجديدة على المدارس الجديدة التي يتمّ إنشاؤها حالياً في بعض المناطق “دون التعرّض لأسماء صحابتنا وعلمائنا”.

من الواضح أنّ الحكومة ماضية في إجراءاتها غير الاعتيادية، لكنّ المقبل من الأيام سيوضح مدى الجدّية في استمرارها أو العودة لسياسة الترضيات الرامية إلى تقطيع المراحل.

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…