غموض الحزب ومراوغة نتنياهو

مدة القراءة 5 د

هل تهدأ جبهة لبنان الجنوبية في حال التوصّل إلى هدنة في غزة حتى وإن كانت لأيام عدّة؟ ومن يتحكّم بزرّ إطلاق النار؟ الحزب أم إسرائيل؟

 

بالتوازي مع الحرب القائمة على عدّة جبهات، نشأت زحمة دبلوماسية في حارة حريك. ولكنّ كلّ هذا الحراك من النشاط الصاروخي في الجنوب والنشاط السياسي عبر الوفود، وتحديداً الألمان والفرنسيين، لا يحمل بعد أيّ جواب على أسئلة أساسية بدأت تُطرح في اللقاءات المغلقة، وأهمّها: ماذا سيكون مصير جبهة لبنان في حال عدم التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة؟ هذا الغموض تترافق معه ألعاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فعلى الرغم من تراجع حماس عن مطلبها الأساسي بوقف إطلاق النار الدائم، لا يزال نتنياهو يلعب على أكثر من خطّ بين قبول المقترح الأميركي ورفضه، وما بينهما هامش كبير من الحركة يعوّل عليه نتنياهو بانتظار موعد خطابه أمام الكونغرس الأميركي.

تصعيد أم تهدئة في لبنان؟

أكثر من تطوّر برز في الأسبوع الأخير يمكن البناء عليه لمحاولة قراءة المرحلة المقبلة:

– أوّلاً: إعلان التنسيق بين حماس والحزب في الردّ على المقترح قبل أيام من زيارة وفد الحركة برئاسة خليل الحيّة حارة حريك حيث حصل لقاء مع نصرالله.

– ثانياً: حرص نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم على القول إنّ لحظة وقف إطلاق النار في غزة ستنسحب فوراً على لبنان.

– ثالثاً: تراجع حماس في مطلبها الأساسي من “وقف إطلاق نار دائم” إلى هدنة أو وقف الأعمال القتالية أو أيّ صيغة أخرى تتيح لنتنياهو الاستمرار بقصف بنك أهدافه في غزة في عمليات متفرّقة أو استئناف حربه بعد تبادل الرهائن.

– رابعاً: الإرباك الحاصل في واشنطن داخل الحزب الديمقراطي وإمكانية عودة ترامب صديق نتنياهو إلى البيت الأبيض.

أوضحت مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس” أنّ كلام الشيخ نعيم قاسم الأخير لا ينطبق على إسرائيل فهي لن توقف عدوانها على لبنان مع هدنة غزة

كلّ هذه المؤشّرات تجعل قراءة المشهد المقبل على غزة ولبنان أكثر صعوبة. وفي معلومات “أساس” أنّ كلام الشيخ نعيم قاسم كان رسالة من الحزب إلى القوى الدولية بأنّه مستعدّ لوقف فوري لإطلاق النار فور حصوله في غزة. ولكنّ السؤال الأهمّ الذي يُسأل عنه الحزب وبقي من دون جواب، هو ماذا لو جرى الاتفاق على تبادل الأسرى، وأكمل نتنياهو لاحقاً المرحلة الثالثة في القطاع مستكملاً حربه بوتيرة أخرى؟

الحزب: لا جواب

في الأسبوعين الأخيرين، زارت وفود ألمانية وفرنسية حارة حريك أتت للتفاوض على لحظة وقف إطلاق النار وعلى اليوم التالي. مصادر دبلوماسية تقول لـ”أساس” إنّ اليوم التالي في لبنان أصبحت معالمه واضحة. والحزب يعرف ذلك جيّداً. أمّا لحظة وقف إطلاق النار فهي التي لا تزال غامضة.

نتنياهو

في المعلومات أنّه حين سئل الحزب عن خطوته المقبلة في حال استمرّ نتنياهو بإجراء المرحلة الثالثة، تقصّد الحزب أن لا يجيب وأن يبقي على غموض المرحلة المقبلة. إلا أنّ مصادر مقرّبة منه قالت لـ”أساس” إنّه فعلاً لم يقرّر بعد كيف سيتعامل مع واقع نجاح التفاوض على تبادل الرهائن من جهة، وعودة نتنياهو إلى عملياته الأمنيّة من جهة ثانية.

في عام 2006 انتهت الحرب بين لبنان وإسرائيل بوقف الأعمال القتالية ثمّ إقرار الـ 1701 في مجلس الأمن من دون إقرار وقف إطلاق النار، فبقيت الجبهة معلّقة بتطبيق القرار الأممي. ماذا سيحصل في غزة اليوم بعد تراجع حماس عن مطلبها بوقف إطلاق النار؟ يُطرح هذا السؤال بجدّية، لا سيما وسط إدراك المعنيين أنّ نتنياهو سيذهب إلى الكونغرس مفاوضاً لا رافضاً ولا موافقاً على المقترح. ولن يعطي هدايا إلى خصم صديقه وحليفه قبيل الانتخابات الرئاسية بثلاثة أشهر.

 في الأشهر الماضية نجح نتنياهو في توريط واشنطن في مواقف تصبّ في مصلحته وتوريط جيشه في مخطّطه العسكري

نتنياهو يراوغ

في الخلاصة تختلف هذه الجولة من المفاوضات عن سابقاتها بسبب موقف حماس المتقدّم. أمّا نتنياهو فهو اعتاد المراوغة في كلّ مفاوضات ليعود وينفّذ خطّته الأساسية. هو يسعى إلى الاستمرار في هذه الحرب حتى دخول ترامب البيت الأبيض. كذلك يسعى إلى تنفيذ الـ1701 في لبنان ولو استدعى ذلك تصعيداً أوسع. في الأشهر الماضية نجح نتنياهو في توريط واشنطن في مواقف تصبّ في مصلحته، وتوريط جيشه في مخطّطه العسكري.

قالت مصادر مطّلعة على تفاصيل الوضع الأمنيّ: “علينا الاستمرار بالانتظار حتى عودة نتنياهو من الكونغرس وربّما حتى انتهاء الانتخابات الأميركية. إلى ذلك الحين لا أحد يملك الجواب حول مدى توسّع إسرائيل في حربها على لبنان هذا الصيف، سيما مع تمّسك نتنياهو بمطلبه تنفيذ الـ1701 بالقوّة أو بالمفاوضات”.

إلى ذلك أوضحت مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس” أنّ كلام الشيخ نعيم قاسم الأخير لا ينطبق على إسرائيل. فهي لن توقف عدوانها على لبنان مع هدنة غزة. وبحسب المصادر تعتبر تل أبيب أنّ المفاوضات حول وقف إطلاق النار في الجبهة الجنوبية لا يُنجحها إلا تطبيق الـ1701 ثمّ تثبيت الحدود بين الجانبين. غير ذلك لا تعني إسرائيلَ حساباتُ الحزب في مساندة غزة، بل ما يعنيها تأمين حدودها الشمالية ومستوطنيها.

إقرأ أيضاً: زحمة دبلوماسيّين في الضاحية: ماذا يريد الحزب وكيف يفكّر؟

تزامناً مع هذا المشهد الأمنيّ، بدأت التحضيرات لليوم التالي للحرب بكلّ ما يعنيه ذلك من خريطة سياسية جديدة للمنطقة وتوازنات جديدة ستنعكس حتماً على لبنان. كذلك بدأ الحديث عن أنّ أيّ وقف لإطلاق النار في غزة سيفتح باب الرئاسة سريعاً في لبنان، انطلاقاً من ثابتة أن لا اتّفاق حدوديّاً ولا تفاوض على وقف إطلاق النار من دون رئيس للجمهورية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…