رئيس إيرانيّ لتنفيس الاحتقان…

2024-07-07

رئيس إيرانيّ لتنفيس الاحتقان…

يمكن القول إنّ انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية في إيران حدث مهمّ، بل تطوّر بارز نحو الأفضل. كان ذلك ممكناً لو كانت تجارب الماضي القريب تسمح بذلك. لكنّ هذه التجارب، وفي مقدّمها تجربتا محمد خاتمي وحسن روحاني، لا تبعث على التفاؤل.

كان الرئيسان الإيرانيان السابقان محمد خاتمي وحسن روحاني محسوبين على الإصلاحيين، لكنّهما لم يتمكّنا من تغيير شيء في إيران التي بقيت تعاني من أزماتها الداخليّة المستعصية منذ قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة” في عام 1979.

يترجم هذه الأزمات المستعصية، على أرض الواقع، إصرار النظام الإيراني على شعار “تصدير الثورة”، أي على نشر الفوضى والبؤس في المنطقة كلّها من منطلق أنّ ذلك خير دفاع عن استمرار النظام. هذا النظام الذي يتحكّم به رجال الدين والذي يرمز إليه التحالف بين “المرشد الأعلى” علي خامنئي و”الحرس الثوري”.

يمكن القول إنّ انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية في إيران حدث مهمّ، بل تطوّر بارز نحو الأفضل

مركزيّة السّلطة في يد خامنئي

يتحكّم خامنئي بكلّ القرارات المهمّة ذات الطابع الاستراتيجي. يتحكّم “الحرس الثوري” بكلّ ما له علاقة بإبقاء المواطنين الإيرانيين تحت السيطرة وسيف القمع في الداخل من جهة، وبالأدوات الإيرانية الموجودة في الخارج من جهة أخرى، أي بالميليشيات المذهبيّة التي تقاتل في العراق وسوريا ولبنان واليمن من أجل حماية النظام في إيران.

لا شكّ أنّ فوز بزشكيان يعبّر عن رغبة لدى الشعب الإيراني في إحداث تغيير جذري في نمط العيش. لكنّ الواقع يقول إنّ هذه الرغبة لا يمكن أن تتحقّق عبر شخص مثل الرئيس الجديد الذي لا يستطيع الذهاب بعيداً في إخراج البلد من سيطرة المتشدّدين المسلّحين بدستور “الجمهوريّة الإسلاميّة”. هؤلاء المتشدّدون وقفوا عائقاً في وجه أيّ تغيير حقيقي في كلّ مرة ثار الشعب الإيراني طالباً استعادة حرّيته مبدياً رغبته في الانتماء إلى العالم الحضاري. لو كانت هناك أيّ رغبة لدى النظام الإيراني في حصول أيّ تغيير حقيقي في العمق، لكان سمح لكلّ من يرغب بالترشّح في خوض الانتخابات الرئاسية. كلّ ما في الأمر أنّ النظام لم يسمح، بين كلّ الإصلاحيين، إلّا بترشّح بزشكيان الذي كان وزيراً للصحّة في عهد خاتمي. لو كان لدى “المرشد الأعلى” أدنى شكّ في ولاء الرجل لَما كان وصل إلى الرئاسة. يعرف خامنئي تماماً أنّ بزشكيان لن يثير أيّ اعتراضات حقيقية على سلوك النظام… بل إنّه هديّة من السماء للنظام الباحث عن تنفيس الاحتقان الداخلي. ظهر هذا الاحتقان في عام 2022 في قضية الفتاة مهسا أميني التي قتلتها شرطة الأخلاق في طهران بحجّة عدم التزام وضع الحجاب بالطريقة المطلوبة. لا يتعلّق الأمر بالحجاب، أو بوضعه أو عدم وضعه، ذلك أنّ كلّ إنسان حرّ في التصرّف بالطريقة التي يريدها من دون إكراه.  يتعلّق الأمر بممارسة حرّية شخصيّة، خصوصاً لدى المرأة الإيرانيّة التي كانت تتمتّع بحقوق كبيرة في عهد الشاه.

الخوف من أن يكون الرئيس الإيراني الجديد أداة لتنفيس الاحتقان الداخلي الإيراني فيما ستبقى إيران أسيرة وهم القوّة المهيمنة على المنطقة

الانفتاح على العالم

يقول الرئيس الإيراني الجديد كلاماً جميلاً مستنداً بالفعل إلى معطيات علميّة. من جملة ما يقوله، على سبيل المثال: “لا يمكن أن نصل إلى نموّ بنسبة 8 في المئة (سنوياً) من دون فتح حدودنا والتعاطي مع حكومات المنطقة والعالم. من أجل تحقيق هذا الهدف، نحن في حاجة إلى 200 مليار دولار سنوياً. هذا أمر مستحيل في ضوء الظروف الراهنة. من الضروري، إذاً، تسوية مشاكلنا المرتبطة بعلاقاتنا الدولية”.

لا يبدو الكلام الجميل كافياً، كذلك لا يبدو كافياً تعيين الرئيس الجديد لمحمّد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق الذي لعب دورا في التفاوض مع الغرب في شأن الاتفاق النووي، مستشاراً له. في نهاية المطاف، يظلّ الكلام الجميل كلاماً جميلاً إذا لم ترافقه أفعال تشير إلى تخلّي “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران عن أوهامها التي تقوم على مبدأ “تصدير الثورة”. لو كان النظام الإيراني نظاماً أنجح بالفعل، لما كان المواطنون العاديون استغلّوا فرصة الانتخابات الرئاسية للتصويت لبزشكيان بدل التصويت للمتشدّد سعيد جليلي الذي يعتبره الشارع الإيراني من مدرسة “طالبان”.

سيكون لبنان أحد الامتحانات المتاحة أمام الرئيس الإيراني الجديد، خصوصاً أنّ إيران باتت تمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان

عاجلاً أم آجلاً، سيتبيّن هل يستطيع الرئيس الإيراني الجديد أن يصنع فارقاً، فيكون مختلفاً عن سلفه إبراهيم رئيسي، الذي يحمل لقب “جزّار طهران” والذي قُتل في حادث تحطّم طائرة هليكوبتر مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في 19  أيار الماضي. يكفي من أجل التأكّد من حصول التغيير الإفراج عن لبنان الذي تحوّل رهينة لدى إيران وبات أقرب إلى مستعمرة إيرانيّة. لا حاجة إلى القول مرّة أخرى إنّ لبنان صار رهينة إيرانيّة في ضوء سقوط البلد تحت هيمنة الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. هل يستطيع بزشكيان القيام بأيّ خطوة ذات طابع إيجابي بالنسبة إلى لبنان والتوقّف عن تدمير بلد كامل من أجل تكريس الدور الإقليمي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” التي أخذت على عاتقها المتاجرة بالقضيّة الفلسطينية مستغلّة حرب غزّة إلى أبعد حدود؟

الامتحان اللّبنانيّ

سيكون لبنان أحد الامتحانات المتاحة أمام الرئيس الإيراني الجديد، خصوصاً أنّ إيران باتت تمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان بعدما اتّخذت قراراً بفتح جبهة الجنوب. لم يأتِ هذا القرار إلا بالبؤس والخراب والدمار للّبنانيين من أهالي القرى الحدودية ولم يُفِد “حماس” وغزّة في شيء.

إقرأ أيضاً: مع بزشكيان.. لأنّني أحبّ لبنان

الأكيد أنّ هناك امتحانات أخرى أمام بزشكيان، امتحانات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما هناك امتحان التزام الاتفاق الذي وقّعته “الجمهوريّة الإسلاميّة” مع المملكة العربية السعودية برعاية صينيّة في 11 آذار 2023. التزمت إيران ما يناسبها من بنود الاتفاق. أوقفت الاعتداءات على الأراضي السعودية، وهي اعتداءات كان يشنّها الحوثيون انطلاقاً من الأراضي اليمنية. في المقابل، لم توقف أيّ تدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كما نصّ الاتفاق.

الخوف كلّ الخوف من أن يكون الرئيس الإيراني الجديد أداة لتنفيس الاحتقان الداخلي الإيراني فيما ستبقى إيران أسيرة وهم القوّة المهيمنة على المنطقة، وهو وهم لم يجلب إلى الآن سوى الويلات!

مواضيع ذات صلة

لبنان اليوم التّالي… تصوّر إيران لدور الحزب

من الصعب التكهّن بما سيؤول إليه الوضع اللبناني وهل من قيامة للبنان في اليوم التالي للحرب… هذا في حال أوقفت إسرائيل تلك الحرب التي تشنّها…

الاجتماع الثّلاثيّ يغطّي تراجع الحزب… بعد فوات الأوان؟

هل سيتمكّن لبنان من خفض خسائر الحرب المرشّحة للامتداد، بعدما استُدرج إليها بقرار إيراني لجرّ الحزب إلى شباكها؟ أم فات أوان الحدّ من الأضرار الهائلة…

التّصالُح مع “السيّد”… بعد رحيله

كثيرون تصالحوا مع الأمين العام للحزب بعد رحيله. تماماً كما تصالح نصف اللبنانيين مع رفيق الحريري في 14 شباط 2005… هنا محاولة لفهم أسباب هذه…

غابت الأسطورة… “الإطار” باقٍ!!

في سيرة الأسطورة ثمّة لحظة واحدة هي لحظة كافية لولادتها، لحظة يصير فيها صاحبها أسطورة. في سيرة السيّد حسن نصرالله لحظاتٌ كثيرة. البعضُ يحدّدها في…