أشعل انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً جديداً لإيران موجة من التفاؤل بين الإصلاحيين والشباب والمراقبين العرب. بيد أنّ التدقيق في تاريخ إيران السياسي المعاصر والديناميكيّات الحالية للسلطة يكشف أنّ هذا التفاؤل ليس في محلّه، وأنّ رئاسة بزشكيان قد تكون مجرّد فصلٍ آخر من فصول الوعود الزائفة التي يسحقها الاستبداد الراسخ لنظام ولاية الفقيه.
يذكّر الاحتفاء بالرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بالأيام الأولى للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني. انتُخب روحاني مصحوباً بآمال كبيرة في الإصلاحات الاقتصادية والتقارب مع الغرب، وحقّق تفويضاً شعبياً كبيراً بنسبة مشاركة تجاوزت 70% في اثنتين من الانتخابات بين عامَي 2013 و2017. لكن على الرغم من بعض النجاحات المبكرة، انتهت ولايته بانحدار اقتصادي وخيبة أمل عامّة. ومنذ ذلك الحين بدأت الانتخابات الإيرانية الرئاسية والبرلمانية تسجّل أدنى نسب مشاركة منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
صحيح أنّ خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي وتشديد فرض العقوبات على إيران متبوعاً بجائحة كورونا أثّرا على رئاسة روحاني، لكنّ السبب الرئيسي لفشله كان تركيز السلطة بيد المرشد الأعلى والحرس الثوري.
أشعل انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً جديداً لإيران موجة من التفاؤل بين الإصلاحيين والشباب والمراقبين العرب
اعترافات ظريف.. والحرس الثّوريّ
مثلاً، كشفت تسجيلات لوزير الخارجية آنذاك محمد جواد ظريف أنّ الحرس الثوري، وخاصة فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني، كانت له اليد العليا في تحديد الأولويّات السياسية الخارجية. أدّى هذا الاختلال في واحدة من اللحظات إلى استقالة ظريف المؤقّتة بعد استبعاده من اللقاء في طهران بين بشار الأسد والقيادة الإيرانية.
والحال، إن لم يتمكّن روحاني، صاحب التفويض الشعبي وعضو الفريق المؤسّس للنظام، من تحقيق التغيير، فسيكون من الصعب على بزشكيان النجاح في ذلك.
أمّا أن يكون سبب الاحتفال بالرئيس الجديد الافتراض أنّه يشكّل خطراً على المرشد فمبالغة كبيرة.
إن لم يتمكّن روحاني، صاحب التفويض الشعبي وعضو الفريق المؤسّس للنظام، من تحقيق التغيير، فسيكون من الصعب على بزشكيان النجاح في ذلك.
في الواقع استفاد المرشد من نتائج الانتخابات التي أظهر النظام من خلالها مرونة سياسية أسعفته بتنظيم انتخابات مفاجئة ورفع نسبة المشاركة جزئياً في الجولة الثانية إلى حدود 50%، وهو ما حمى النظام ولو شكليّاً من إحراج المقاطعة التي تجاوزت 60% في الدورة الأولى. فالتدقيق في الأرقام بعد الجولة الأولى يكشف أنّ المرشّحَين المحافظَين مجتمعين لم يحصلا على أكثر من 17% من عموم المقترعين الإيرانيين، وهو ما يفضح انحسار الرقعة المؤيّدة لنظام الثورة، في حين أنّ الأغلبية الساحقة إمّا صوّتت للمرشّح الخصم للمحافظين وإمّا عزفت عن الانتخابات.
إلى ذلك استفاد المرشد من أنّ عدم فوز جليلي يحمل بعض الاطمئنان للنظام بأنّ إيران لن تدخل في صدام مباشر مع إدارة ترامب المحتملة بسبب الطبيعة المتشدّدة لجليلي. فالخيار الأوّل للمرشد كان محمد قاليباف الذي هُزم شرّ هزيمة في الدورة الأولى.
بزشكيان: بلا خبرة ولا حلفاء
عدا ذلك، يواجه بزشكيان تحدّيات كبيرة لا يملك لمواجهتها لا الخبرة ولا الحلفاء داخل النظام السياسي الإيراني.
- أوّلاً، من المتوقّع أن يسعى الحرس الثوري إلى تعزيز نفوذه بشكل أكبر في السياسات الخارجية والأمنيّة، بما يضمن له حماية مصالحه وفاعليّة دوره، خاصة مع اقتراب لحظة اختيار وريث للمرشد الأعلى. وعليه سيكون الحرس أكثر حرصاً على التدخّل في القرارات الكبرى، وهو ما يجعل من الصعب على بزشكيان تنفيذ أيّ تغييرات جوهرية دون موافقتهم ودعمهم.
يذكّر الاحتفاء بالرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بالأيام الأولى للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني
- ثانياً، سيتعيّن على حكومة بزشكيان، بغية رفع العقوبات الدولية عن إيران، إجراء تغييرات سياسية كبيرة والامتثال لشروط الاتفاقات الدولية. وهي مجالات يسيطر عليها الحرس الثوري بقوّة، من خلال حضور أنصاره في الهيئات والمؤسّسات المتعدّدة للنظام.
- ثالثاً، سيزداد حرص الجهات المحافظة على مواجهة أيّ أجندة إصلاحية تهدّد سلطتها وأسسها الأيديولوجيّة، لا سيما وهي تستشعر انهيار الحاضنة الشعبية لأفكار وقيم الثورة. ومن المتوقّع أن يتفاقم تشدّد هذه الجهات في عالم ما بعد 7 أكتوبر، وهو ما سيزيد من صعوبة تمرير أيّ إصلاحات جديدة.
الخيبة التي تنتظر الإيرانيّين
إنّ سنوات من الوعود الخائبة زادت من شكوك الإيرانيين وأدّت إلى عزوفهم عن المشاركة السياسية، وعزّزت يأسهم من القدرة على التغيير من داخل النظام. بزشكيان لن يكون أكثر من رافد من روافد هذا الشعور بالخيبة الذي سيزيد من عزلة النظام وغربته عن الإيرانيين حين سيكتشفون صعوبة إجراء أيّ تغيير حقيقي.
إقرأ أيضاً: مع بزشكيان.. لأنّني أحبّ لبنان
مؤدّى هذا الاستياء العامّ هو انتظار لحظة انفجار جديدة تشبه احتجاجات عام 2022 بعد وفاة الشابّة مهسا أميني، والمزيد من التوتّرات الداخلية التي تفاقم ضعف شرعية النظام.
التغيير الحقيقي يتطلّب أكثر من رئيس جديد، لا يملك مواقف، خاصة حول العناوين التي تعني الإيرانيين، بل أوصله التصويت المضادّ لجليلي. بزشكيان مجرّد أمل كاذب آخر، حُمّل من اللحظة الأولى أكثر ممّا يحتمل في جمهورية تتداعى أسسها تحت وطأة الاستبداد والتقهقر والطلاق بينها وبين الناس.
لمتابعة الكاتب على X: