فورين أفيرز: المرأة العاملة تغيّر الاقتصاد والمجتمع السعودي

مدة القراءة 8 د

“السعودية تتغيّر، فالإصلاحات تجعل الاقتصاد أكثر إنتاجيّة، والأُسر أكثر مرونة، والسعوديّين أكثر تسامحاً.. والأهمّ من ذلك أنّ دخول المرأة سوق العمل يعيد تشكيل الاقتصاد والمجتمع إلى الأفضل. غير أنّ التحدّي هو في ضمان استمرار التقدّم”. هذه خلاصة موجزة جداً لمقال مطوّل لجينيفر بيك أستاذة الاقتصاد والدراسات البيئية في كلّية العلوم الإنسانية بسوارثمور الأميركية في بنسلفانيا، التي تركّز أبحاثها الأخيرة على سوق العمل والعمالة النسائية في المملكة العربية السعودية. وذلك في مقال نشرته “فورين أفيرز” أخيراً.

 

 

تعتبر جينيفر بيك، وهي أيضاً باحثة في “معهد دول الخليج العربية” في واشنطن الذي يركّز أعماله على العلاقة بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج، أنّ “رحلة مهندسة الطبّ الحيوي السعودية ريانة برناوي، وهي أوّل امرأة عربية تصعد إلى محطة الفضاء الدولية في أيار 2023، كانت مجرّد واحدة من أولى رحلات المرأة السعودية للعمل خارج المنزل. فقد أصبحت مئات الآلاف من النساء السعوديات الآن أوّل عضوات في أسرهنّ يعملن خارج المنزل في أماكن مثل دور السينما ومحطّات القطار ومراكز التسوّق ومكاتب الشركات، مستفيدات من مجموعة من الفرص التي لم يكن من الممكن للأجيال السابقة أن تتصوّرها. فبعدما كانت عمالة المرأة في السعودية منخفضة جدّاً، سواء وفقاً للمعايير العالمية أو معايير الشرق الأوسط حيث كان 56% من الرجال السعوديين يعملون في عام 2011، مقارنة بـ 10% فقط من النساء، أُتيحت لها خلال السنوات الـ 15 المزيد من الفرص للعمل خارج المنزل، واستفادت من نظام التعليم العامّ الشامل، مع توافر التعليم المجّاني حتى مرحلة الكلّية وفي كثير من الأحيان خارجها”.

أصبحت المرأة السعودية مصدراً لإمكانات اقتصادية كبيرة وتتمتّع بحضور واضح وقويّ في الحياة العامّة للمملكة

وفقاً لبيك “شجّعت الحكومة السعودية النساء على الحصول على شهادات الدراسة الثانوية والالتحاق بالجامعات، ودرست العديد من النساء في الخارج بمنحة الراحل الملك عبد الله، التي تدعم الطلاب السعوديين الذين يسعون إلى الحصول على شهادات في جامعات أجنبية. لكنّ الدخل المرتفع نسبياً للرجال السعوديين وبرامج الدعم الاجتماعي الواسعة التي تقدّمها الحكومة جعلت من الممكن ماليّاً لمعظم النساء عدم العمل. وقد اختار الكثيرون عدم القيام بذلك نظراً للمعايير الثقافية القويّة للمملكة ضدّ التفاعلات المختلطة بين الجنسين. ولا يسمح للنساء بالعمل في بعض الصناعات والمهن أو العمل ليلاً”.

ثلث سوق العمل من النساء

بيك أستاذة أيضاً في “جمعية التعلّم التحليلي حول الإسلام والمجتمعات الإسلامية” في برنستاون التي تأسّست عام 2010، وتهدف إلى تعزيز البحث التحليلي للمجتمعات الإسلامية، مع التركيز على أدوار الثقافة والدين في الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كلّ من الماضي والحاضر. وتعتبر أنّ “احتجاجات الربيع العربي في الفترة 2010-2011 أجبرت الحكومة السعودية على الإقرار بأنّ ارتفاع البطالة بين الشباب بشكل مثير للقلق، حيث بلغت 30%، واعتماد البلاد على العمالة الأجنبية، لم يعد من الممكن معالجتهما إلا من خلال توفير وظائف في القطاع العامّ. ونتيجة للحملة الحكومية اللاحقة لدفع القطاع الخاص إلى إيجاد فرص عمل للسعوديين، ضمن إطار “السَعوَدة”، تضاعف عدد النساء اللواتي انضممن إلى القوى العاملة بأعداد صدمت صنّاع السياسات. وعندما أعلنت الحكومة في حزيران 2011 حصّة توظيف سعودية للقطاع الخاص وبرنامج بطالة يقدّم مساعدة ماليّة شهرية للباحثين عن عمل، تسجّل في الشهر الأوّل للبرنامج أكثر من 500 ألف امرأة للحصول على هذه الخدمات، بما في ذلك برامج التدريب عبر الإنترنت. وفي عام 2023، تجاوزت السعوديات العاملات نسبة 31% في تحوّل يغيّر الاقتصاد والمجتمع: أصبحت المرأة السعودية مصدراً لإمكانات اقتصادية كبيرة وتتمتّع بحضور واضح وقويّ في الحياة العامّة للمملكة. وبالإضافة إلى جاذبية الاستحقاقات، اغتنمت العديد من النساء فرصة العمل خارج المنزل. وبينما كانت الشركات تبحث عن موظّفين سعوديين، قامت العديد من الشركات بتعيين النساء للمرّة الأولى.

دراسة استقصائية أجراها اقتصاديون دوليّون في عام 2020 بيّنت أنّ أكثر من 80% من الرجال السعوديين يدعمون عمل المرأة خارج المنزل

رؤية إصلاحيّة تصاعديّة

تكشفق بيك أنّ الإصلاحات الخاصة بالمرأة، ومنها منحها حقّ التصويت والترشّح في الانتخابات البلدية، وزيادة عدد الوظائف المتاحة لهنّ، وتعديل ما يسمّى بنظام الوصاية، ورفع الحظر المفروض على قيادة النساء السيارات، دليل على أنّ توسيع حقوق المرأة أصبح أولوية للقادة السعوديين، وكان جزءاً من الرؤية السعودية 2030 التي قدّمها في عام 2016 وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نائب وليّ العهد آنذاك، لتقليل اعتماد المملكة على النفط وبناء اقتصاد أكثر تنوّعاً ومرونة. وتتمثّل إحدى ركائزها في زيادة مشاركة المرأة في قوّة العمل إلى 30% بحلول عام 2030.

بدا ذلك الهدف في ذلك الوقت طموحاً، غير أنّه تمّ فعليّاً تجاوزه، وفقاً لبيك التي توضح أنّ “الإصلاحات التالية خلال السنوات الستّ الماضية أتاحت تحديد قطاعات النشاط المفتوحة أمام النساء وساعات العمل المسموح بها، وجرّمت التحرّش الجنسي، وضمنت المساواة في الأجور واستحقاقات التقاعد، ومنعت أصحاب العمل من تسريح العاملات الحوامل. وكان التأثير زيادة غير مسبوقة في الفرص الاقتصادية للمرأة في جميع أنحاء المجتمع السعودي: ارتفع عدد النساء العاملات في القطاع الخاص الآن ثمانية أضعاف ما كان عليه قبل اثني عشر عاماً، وانخفاضه إلى الثلث في القطاع العام حيث بقيت نسبة العمال السعوديين الذكور أعلى من 50%، وهو ما انعكس ارتفاعاً في درجة السعودية في مؤشّر البنك الدولي للمرأة وأنشطة الأعمال والقانون، الذي يقيس المساواة بين الجنسين في البلدان في قوانين العمل، من 29 من أصل 100 في عام 2011 إلى 71 في عام 2023، وهو من بين أكبر المكاسب التي حقّقتها أيّ دولة على مدار الخمسين عاماً الماضية”.

أرسلت الإصلاحات الأخيرة إشارات قوية إلى أنّ استثمارات الشركات في توظيف النساء واستثمارات النساء في حياتهن المهنيّة ستؤتي ثمارها

تعزيز المكاسب… وسرعة في التطوير

 تعتبر الكاتبة في تقريرها الموثّق أنّ “هذا التحوّل الاقتصادي عزّز مشاركة المرأة بشكل واضح في الحياة العامة، وجعل الأسر أكثر مرونة ماليّاً. كما عزّز إنتاجية الشركات وقدرتها على الوصول إلى المواهب. وتبيّن أنّه كلّما زاد احتضان المجتمع السعودي للنساء في مكان العمل، زاد تشجيع الحكومة على متابعة الإصلاحات الطموحة. ففي عام 2019، التحق أقلّ من ربع الأطفال السعوديين برياض الأطفال. وكجزء من رؤية 2030، حدّدت الحكومة هدفاً بنسبة 40%، جزئياً لدعم عودة أمّهاتهم إلى العمل”.

وتوضح أنّ بحثاً أجرته عام 2022 حول الإصلاحات في السعودية منذ الربيع العربي، أظهر أنّ “الشركات السعودية التي تبدأ بتوظيف النساء، تميل إلى توظيف الكثير منهنّ. ففي غضون عامين من توظيف المرأة للمرّة الأولى، زادت شركة سعودية نموذجية من نسبة النساء في قوّتها العاملة إلى حوالي 20%”.

بالنسبة لبيك، فإنّ اثني عشر عاماً هي فترة قصيرة لكي يتغيّر الاقتصاد والمجتمع بهذه السرعة. بينما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حدثت زيادات مماثلة في تشغيل النساء على مدى خمسين عاماً شهد خلالها المجتمعان قدراً كبيراً من القلق وحتى ردود فعل عنيفة في سعيهما إلى تطوير الأعراف الاجتماعية والهياكل القانونية لدعم عمل المرأة خارج وحدة الأسرة.

وعلى الرغم من أنّ الانتقال في السعودية كان مليئاً بالمطبّات أيضاً، غير أنّ دراسة استقصائية أجراها اقتصاديون دوليّون في عام 2020 بيّنت أنّ أكثر من 80% من الرجال السعوديين يدعمون عمل المرأة خارج المنزل. وأفاد العديد من أصحاب العمل في استطلاع عام 2019 عن حاجتهم إلى توسيع استراتيجيات التوظيف للنساء، وتحسين سياسات الموارد البشرية، وتكييف هياكلهم التنظيمية، بل وحتى تغيير ثقافتهم المؤسّسية.

التغيير من الأعلى لا يقدَّر بثمن، لكن يجب على الحكومات الإقليمية والبلدية أيضاً بذل المزيد من الجهد لتوضيح أنّها تدعم التوسّع في توظيف المرأة

التوصيات..

تخلص بيك إلى أنّ أهمّ ما يمكن لصنّاع السياسات في السعودية عمله لدعم توظيف المرأة هو:

– الاستمرار في تأكيد أنّ مشاركة المرأة في سوق العمل أمر بالغ الأهمية. أرسلت رؤية 2030 وغيرها من الإصلاحات الأخيرة إشارات قوية إلى أنّ استثمارات الشركات في توظيف النساء واستثمارات النساء في حياتهن المهنيّة ستؤتي ثمارها.

– الاستمرار في إجراء تغييرات ملموسة لدعم هذه الأجندة إلى ما بعد رؤية 2030. إنّ التغيير من الأعلى لا يقدَّر بثمن، لكن يجب على الحكومات الإقليمية والبلدية أيضاً بذل المزيد من الجهد لتوضيح أنّها تدعم التوسّع في توظيف المرأة.

إقرأ أيضاً: فريدمان يبكي وإعلاميون يصرخون: بايدن إرحل

– دعم عمليّ للنساء أثناء بناء حياتهن المهنية، ودعم البنية التحتية اللازمة للنموّ السريع في توظيف المرأة. قالت العديد من الأمّهات السعوديات في استبيان عام 2018 إنّ الافتقار إلى رعاية الأطفال كان السبب في عدم بحثهنّ عن وظيفة، وإنّ إضافة رياض الأطفال وتحسين المعايير التنظيمية والدعم الماليّ لرعاية الأطفال الصغار جداً تساعد الأمّهات على البقاء في قوّة العمل.

– مساعدة الشركات الخاصة على تعويض التكاليف الأوّلية لتوظيف النساء من خلال تقديم منح لتحسين أماكن العمل ودعم جهود التوظيف، والتدريب ووضع توجيهات واضحة ومتّسقة حول كيفية الالتزام بالقوانين الجديدة المتعلّقة بتوظيف النساء.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…

إغناتيوس: قطر تقود جهود تشكيل حكومة انتقاليّة في سوريا

كشف ديفيد إغناتيوس المحلّل السياسي في صحيفة واشنطن بوست أنّ “قطر، التي كانت لفترة طويلة داعمة سرّية لهيئة تحرير الشام، تقود الجهود العربية لإنشاء حكومة…